اعتاد أحد العلماء على افتتاح درسه اليومي مع طلبته بقراءة سورة الزلزلة" إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا،(...) الآية"، وذات يوم تبادل الطلبة الكلام فيما بينهم عن هذه العادة التي تعودها أستاذهم وتبرموا من هذا التكرار الذي لم يدروا له سببا ولم يجدوا له تفسيرا، فاتفقوا أن يفاتحوه في الموضوع من الغد، ولما أتاهم صباحا وما أن افتتح درسه كالعادة بتلاوة هذه السورة حتى بادره أحدهم سائلا" متى تغادر حديث الزلزلة يا أستاذ؟" فتوجه إليهم بلغة الوثوقية واليقين مجيبا" سأغادر حديث الزلزلة حين تتزلزل قلوبكم من مكانها".! لم يكن قصد الأستاذ من التكرار اليومي لتلاوة سورة الزلزلة أن يعين طلبته على حفظها، وهذا ما قد يتيسر بغير هذه الوسيلة، لكن الغاية بدون شك أن يتفاعلوا مع آياتها بين يدي الدرس اليومي وحتى لا يكون مجرد انتظامهم في الحلقات الدراسية هو فقط لمجرد التعليم والتلقين، لذلك لم يمل من تكرار تلاوتها في كل يوم ليقينه أن المراد لم يحصل بعد وأن الحاجة ما تزال قائمة طالما لم تتزحزح قلوب الطلبة من مكانها. منذ سنوات، لم يتعب نواب برلمانيون"محترمون" ممن يقدرون مسؤوليتاهم ويجهدون للوفاء بمقتضيات التعاقد مع ناخبيهم، من الحديث عن الأعطاب والإعاقات التي أصابت وتصيب العمل الحكومي في مقاتل، ومن ذلك تواضع منسوب النجاعة والتخليق في أداء العديد من القطاعات الحكومية وعدم قدرتها على ترجمة مبادئها والتزاماتها إلى واقع ملموس يلمسه المواطن ويراه، ولعل أكثر المؤشرات دلالة على هذا الخصاص المهول فشلها البارز في مجال تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد وإرساء نظام فعال للحكامة في تدبير الشأن العام المحلي والوطني، وقد بحت حناجرنا منذ تحملنا للمسؤولية الانتدابية قبل سنوات كما بحت حناجر نواب آخرين معنا، في مطالبة الحكومة بوضع حد لنهب المال العام ومحاكمة مجرميه ووضع حد لسياسة الامتيازات المخلة بمبدأ العدل والاستحقاق، ومواجهة صارمة لانتشار الرشوة في الإدارة العمومية وخاصة في قطاعات عمومية حيوية، وتعزيز ثقافة المساءلة والقيام بالواجب واحترام الحقوق الفردية والجماعية، والتعجيل بتفعيل قوانين التصريح بالممتلكات وغيرها من المطالبات التي لم تجد ما يكفي من الاستجابة حتى كدنا نقول: لقد أسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي ولو أن نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد ولم يقف الأمر عند هذه الحدود المخلة بل تجاوزها إلى ما هو أفظع مما لم يعد خافيا على أحد، وهو مستوى التفكك والتحلل الذي أصاب الفريق الحكومي على مستوى أغلبيته المساندة في مجلس النواب، وبالرغم من دعاوى التماسك المزعوم فقد تعددت الاختبارات التي سقطت فيها هذه الدعاوى، ونسوق على سبيل المثال واقعتين دالتين عرفتهما الدورة البرلمانية الحالية: • الأولى كان مسرحها الجلسة العامة لمجلس النواب، حيث أجاز المجلس مقترحا للمعارضة يقضي بإحداث صندوق التكافل العائلي، وهو المطلب الذي لم تخْط‘ فيه الحكومة منذ صدور مدونة الأسرة قبل أكثر من خمس سنوات الخطوة الأولى، وما كان لهذا المقترح أن يمر لولا استماتة أصحابه في الدفاع عنه وحالة التشرذم التي أصابت الأغلبية، وإن كنا من الزاوية الإيجابية نلمس في موقف بعض فرق الأغلبية معنى الإحساس بالواجب إزاء المصلحة العامة وليس التخندق في موقع قد لا يخدم بالضرورة تلك المصلحة؛ • الحادث الثاني وقع قبل أيام قليلة في اجتماع للجنة نيابية دائمة، في موضوع الإلزام بعقود محددة المدة بين المكترين لمحلات سكنية وبين مالكيها، احتد فيها النقاش بين مقاربة تنتصر لمبدأ الانحياز لمصالح المكترين دون الإضرار بمصالح مالكيها، ومقاربة لا تستحضر الملآلات الاجتماعية الخطيرة لمشروع قانون الأكرية إذا صدر في ثوبه الحالي. والعجيب أن تتوحد المواقف في المقاربة الأولى بين فرق في الأغلبية والمعارضة معا، لكن الأعجب أن تصادق اللجنة على هذا المقترح في النهاية ولو لم تتوفر الأغلبية العددية للمعارضة صاحبة المبادرة، أما "الفريق" الأغلبي فقد أصابه العياء والنزيف العددي في آخر لحظات اجتماع اللجنة في الوقت الذي لزم غيرهم مواقعهم إلى آخر رمق !. فهل بعد هذا يمكن للخطاب الحكومي، في مواجهة هذه الحقائق، أن يصمد أو أن يتماسك أو أن يتدافع؟، وهل في وسع الحكومة أن تثبت أنها ما تزال فريقا منسجما يستعصي على التفكك؟ هل تستطيع أن تلملم أطرافها وتستجمع قواها وأن تتزلزل قلوب أعضائها من مكانها قبل أن يحل بها زلزال 2012؟ هل تستطيع أن تقنع الرأي العام أنها في مواجهة المعارضة في الساحة البرلمانية وفي القيام بمسؤوليات تدبير الشأن العام تمتطي جوادا غير خاسر؟ أم تنتظر مثل انتظار من تحداه خضمه في ساحة النزال بقوله: سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار تلك أسئلة طرحناها ونطرحها وسنظل ثابتين على طرحها حتى تتزحزح المواقف ولو قليلا أو أن يحل بأحد الفريقين أجله.. [email protected] mailto:[email protected]