يبْدو أنَّ توقّعات الفدرالية البيمهنية للحوم الحمراء بزيادة أسعار أضاحي العيد هذه السنة بأربعمائة درهم في المتوسّط، لم تكن خاطئة. ففي جوْلةٍ لهسبريس في سوقِ بيْع الأضاحي في حيّ النهضة بالعاصمة الرباط كانتْ كلمة "الغلاء" هي التي تردّدها الألسن. "النّاسْ كايتشواوْ بالغلا قْبل ما يشْويو اللحم"، يقول أحدُ المواطنين بعدما فشلتْ "مفاوضاته" مع "كسّاب" داخل سوق النهضة، لينطلقَ وسطَ الغُبار المتطاير باحثا عن أضحيّة بثمن ملائم لقدرته الشرائية وسَطَ "الغلاءِ الفاحش" للأضاحي، كمَا يقول المواطنون. مَع اقتراب يوم عيد الأضحى، الذي يحلّ بعد غد الخميس، باتَ هامشُ الاختيار أمام المواطنين يضيقُ أكثر فأكثر، وهُو ما يُحتّم اقتناء الأضحية وإنْ كانَ السعر مرتفعا: "منذ الساعة السابعة والنصف وأنا هنا، وفي الأخير اقتنيت خروفا ب2800 درهم"، يقول أحد المواطنين وهُو يجرّ خروفا تحت شمس الظهيرة الحارقة. وفي ظلِّ غلاءِ أسعار الأضاحي، يُغادر كثير من رواد سوق حيّ النهضة المكانَ خاويي الوِفاض. يقول أحدُ المواطنين بنبرة غاضبة: "ما كايْنشْ علاش تْحطّ يدّيك كاع، خروف قدّو قدّ المشّ يقولّك خمسين ألف"، قبل أن يشير إلى خروف طلبَ صاحبُه 2200 درهم، فيما اقترح هُوَ 1650 درهما، وفي النهاية انصرف بعدما لم يتّفقا. المتحدّث ذاته يُضيفُ مُعلّقا على أسعار الأضاحي، بعْدَ مُضيّ أربعة أيام على بحْثه عن أضحيّة في عدّة أسواق: "الحماق هادا (...) زرنا سوق عين عودة، والخميس والسبت دْيال تمارة، ولحدّ الآن لم نجدْ خروفا بثمن مناسب"، واسترسل بنبرة متشحة بالإحباط: "هاد الناس كْلاوْنا، خروف ما يسوا حتى عشرين ألف كاطلبو فيه ربعين ألف ريال". ولئنْ كان المواطنون يشتكون من غلاء الأضاحي، فإنّ "الكسابة" يشتكون بدورهم من غلاء الأعلاف، ومن غلاء الرسوم (الصنك) المفروضة عليهم مقابل السماح لهم بالعرض داخل سوق حيّ النهضة وكذا غلاء ثمن إيجار سيارات النقل، وهكذا تحوّل السوق إلى فضاءٍ يشتكي جميعُ قاصديه، سواء من المواطنين الراغبين في اقتناء أضحية العيد أو "الكسابة" العارضين. يقول أحد "الكسابة" مشتكيا: "كْرينا بيكوبْ أصاحْبي بعشرين ألف"، ينضافُ إلى غلاء أسعار كراء سيارات نقل المواشي وغلاء رسوم دخول السوق، التي تصلُ إلى خمسين درهما ل"الرأس" بحسب ما قالَ بعض "الكسابة"، فيما قالَ آخرون إنّ الرسوم يتمّ تقديرها أحيانا؛ "غيرْ كايقدّرو، البارح خْلّصتْ عشرين ألف، واليوما خْلّصتْ 18 ألف". ارتفاعُ المُكوس المفروضة على "الكسابة" يُعتبر، بحسب أحد المواطنين، عامِلا آخر من العوامل المساهمة في ارتفاع أسعار الأضاحي، يقول: "تصوّرْ كسابا لديه خمسون خروفا، يدفعُ مقابل كلّ خروفٍ خميسنَ درهما كلّ يوم لقاء عرضها في السوق، هذا سيُكلّفه ألفين وخمسمائة درهم يوميا"، وتابع: "هادْ المسؤولين لا يُفكّرون في مصلحة المواطنين". من ناحيةٍ أخرى، يعزو "الكسابة" سبب غلاء أسعار الأضاحي إلى غلاء الأعلاف، رغْم أنّ الموسم الفلاحيّ الماضي كانَ جيّدا، ويقول أحدهم: "الحاجة النقيّة دايْرة الثمن، حيتْ اللي كايخاف من الله كايعطي للكسيبة النخالة والشعير والدرة والفول، واللي ما خايفش من الله يخلط السيكاليم مع موادّ أخرى". وفي ظلّ ارتفاع الأسعار، يُفضّل عدد من المواطنين التريّث، لعلّ الأسعارَ تنخفض خلالَ اليومين المتبقيّين. ويشهد سوق حيّ النهضة بالرباط، تزامنا مع عرْض الأضاحي، بُروزَ عدد من "مهن العيد"، إذ تصطفّ على طولِ الشارع المحاذي للسوق خيامٌ تُباع بها الأعلاف والفحْم وغيْرها من مستلزمات العيد.