لم ينجح الشيخ محمد الحسين العمودي في استغلال الفرصة الذهبية التي أتيحت له، عقب حصوله على حصة 67 في المائة من رأسمال شركة "سامير" في 1997، وهي الشركة التي تأسست في عهد الملك الراحل محمد الخامس على يد رئيس الحكومة الوطنية آنذاك عبد الله إبراهيم سنة 1959، بإشراف فرق تقنية إيطالية. الصفقة التي أتاحت للشيخ العمودي اقتناء المصفاة بمبلغ لم يتجاوز 400 مليون دولار، تكفل به رجل أعمال سعودي ذائع الصيت في عالم المؤسسات المصرفية في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، كانت بمثابة إعلان لنهاية واحدة من قصص النجاح في القطاع الصناعي التي بدأها عبد الله إبراهيم بمساعدة الإيطاليين، والتي أوصلها للقمة مديرها السابق عبد الله منجور، قبل أن يجهضها كل من الملياردير السعودي ومساعده جمال باعامر. حكاية مسار ناجح حكاية المسار الناجح لمصفاة "سامير" بدأت في سنوات الخمسينيات، حيث كانت هناك رغبة جامحة لدى القصر الملكي في شخص كل من الملك الراحل محمد الخامس وولي عهده آنذاك الملك الراحل الحسن الثاني، وكبار المسؤولين في حكومة عبد الله إبراهيم، في بناء واحدة من أهم مصافي تكرير البترول في شمال إفريقيا والعالم العربي وأكثرها تطورا، وهو ما تأتى للمغرب حينها. استعان المغرب بمجموعة "إيني" الإيطالية، التي وظفت كامل خبرتها من أجل بناء واحدة من أكبر مصافي تكرير البترول في المنطقة آنذاك، وهي المصفاة التي تم تشييدها مجانا ومنحت كهدية من الشعب الإيطالي للشعب المغربي الحاصل على استقلاله حديثا، وشرع التقنيون والإداريون الإيطاليون في إدارتها وتسييرها، ليتمكن المغرب من ضمان أمنه واستقلاله الطاقي، بعيدا عن أي إكراهات محتملة قد تثيرها الحرب الباردة المشتعلة في ذلك الحين بين المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولاياتالأمريكيةالمتحدة، والمعسكر الشرقي الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي. عاش المغرب استقرارا في عمليات تزويد سوقه الداخلية بالمحروقات طوال سنوات الستينيات وبداية السبعينيات، قبل أن يقدم على تأميم الشركات التي يشرف عليها الأجانب، في إطار قانون المغربة، ليتسلمها واحد من أكفأ الأطر المغربية في قطاع صناعة تكرير النفط، الذي أبان عن حنكة غير عادية مكنته من الرفع من مستوى إنتاج هذه الوحدة إلى مستويات قياسية، لم يستطع الشيخ العمودي بنفسه ومديره العام جمال باعامر تجاوزها رغم مليارات الدولارات التي يقول الملياردير الإثيوبي المولد واليمني الأصل والسعودي الجنسية إنه صرفها على المشروع. هذا الإطار لم يكن سوى عبد الرفيع منجور، الرئيس التنفيذي لمصفاة "سامير"، الذي تسلم مقاليد قيادة "سامير" في 1972، وله يعود الفضل الكبير في تطوير المصفاة تقنيا بل وحتى على مستوى الطاقة الإنتاجية. فالرجل وضع استراتيجية شاملة لرفع إنتاج المصفاة من المستوى الذي تركوه عليه الإيطاليون البالغ 1.2 مليون طن سنويا، إلى أزيد من سبعة ملايين طن سنويا في ظرف 10 سنوات، لا أقل ولا أكثر. فعبد الرفيع منجور استطاع رفع إنتاج المصفاة عبر أربعة مراحل بنحو 5.8 مليون طن، وواصل إدارته للمصفاة طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات، حيث بدأت فكرة خوصصة الشركة، وهو ما أثار حفيظة العمال في سنة 1989 الذين دخلوا في إضراب عن العمل لمدة 35 يوما، ما أدى إلى تأجيل هذا الملف لثمان سنوات. عصر العمودي وجاءت سنة 1997، لتعلن دخول "سامير" عصر "حكم" العمودي، الذي تميز بفترتين: الأولى شهدت إشراف فرق مغربية على تسيير المصفاة من سنة 1997 إلى 2004، والثانية عرفت تدبير جمال باعامر، السعودي الجنسية اليمني الأصل من حضرموت، المنطقة التي ينحدر منها الملياردير العمودي. في الفترة الأولى، واصل منجور إدارته للشركة بنفس الأداء، بالرغم من استيائه الكبير من تفويت الشركة التي كانت تحقق أرباحا سنوية لا تقل عن 50 مليون دولار، وقد تصل 80 مليون دولار لمجموعة "كورال"، حيث في سنة 2000 حققت الشركة أرباحا قياسية تجاوزت 110 مليون دولار (مليار درهم)، لتبدأ مضايقات جمال باعامر الذي حل للمغرب في 1997 للإشراف على مصالح العمودي في الشركة والفروع التابعة لها. في بداية القرن الحالي، بدأ باعامر في الضغط على منجور الذي لم يتحمل وقدم استقالته مضطرا بعدما كان يتحكم في أمور التسيير بشكل كلي، وهو ما لم يكن يعجب بتاتا الطرف السعودي، وعوض العلمي السني، مدير مصفاة سيدي قاسم، أتى العمودي وجمال باعامر بعبد الرحمان السعيدي، الذي اضطلع بمسؤولية المدير العام في سنة 2001. من سوء حظ السعيدي، الذي أثار تعيينه على رأس "سامير" الكثير من علامات الاستفهام لكونه كان الوزير المشرف المباشر على ملف تفويت المصفاة، اندلع حريق كبير في مصفاة المحمدية لتكرير البترول في نونبر 2002، لتشرع الشركة في استيراد المحروقات من الخارج لتموين السوق المغربي، وفي 2004 غادر الشركة ليحل محله باعامر. التحديث القديم الجديد في هذه السنة (2004) بدأت الشركة في التفكير في مشروع تحديث المصفاة، وهو المشروع نفسه الذي كان يستعد عبد الرفيع منجور لتنفيذه، حيث أشرف عبد المجيد التزلاوي، المسير الناجح في إطلاق مجموعة من المشاريع التطويرية لمجموعة من الشركات الاستثمارية في العديد من القطاعات، (أشرف) على تحضير التركيبة المالية التي كانت تقوم على توظيف الفائض المالي الذي تركه السعيدي في خزينة "سامير" بقيمة 2.7 مليار درهم كتمويل ذاتي، واقتراض مبلغ 3 ملايير درهم من المصارف المحلية واستقدام العمودي لمبلغ 2 مليار درهم، لإنجاز المشروع من طرف شركة تسلمه ل"سامير" منتهي الأشغال. تم تحضير كافة المبالغ المطلوبة باستثناء ما تعهد العمودي باستقدامه من الخارج، لتبدأ المشاكل، وليرتفع حجم الاستثمار بشكل صاروخي ليصل إلى 1.3 مليار دولار عوض 700 مليون دولار، بسبب تلكؤ العمودي في الوفاء بتعهداته المالية. من هنا بدأت المشاكل المالية لشركة "سامير" في التراكم، قبل أن تبدأ في التفاقم ابتداء من سنة 2011، وهي السنة التي بدأ فيها الحديث عن المديونية التي تفاقمت في 2014 وبلغت مستويات قياسية بسبب سوء التدبير الذي صاحب تسيير جمال باعامر، الذي حاول أن يعلق شماعة تفاقم الديون على تراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية، دون أن يجيب عن سؤال محوري يتمثل في مآل هذه الأموال والأسباب التي تقف وراء هذه الخسائر؟ !. في سنة 2015 بدأت الأنظار تتجه للشركة وماليتها المتهاوية، وبدأ جمال باعامر يحاول الخروج من عنق الزجاجة، حيث شرع في عقد اجتماعات ماراطونية مع مسؤولين مغاربة، من ضمنهم محمد بوسعيد الذي التقاه قبيل شهر ماي طالبا منه التوسط لدى البنوك المغربية من أجل ضخ السيولة في صندوق المصفاة التي بدأت تقترب من حافة الإفلاس. وأمام عدم تجاوب المسؤول المغربي، الذي قال إنه لن يتوسط لكون القانون يمنعه من هذا الأمر وحتى الجانب الأخلاقي لا يتيح له ذلك، أقدم باعامر في السادس من غشت الماضي على توقيف الإنتاج، وهو القرار الذي جر عليه غضب الدوائر العليا في المغرب، وفيما بعد غضب الشيخ محمد حسين العمودي، الذي اكتفى بدوره بالإعلان عن نيته رفع رأسمال الشركة بمليار دولار، دون إعطاء أي ضمانات أو تفاصيل في هذا الشأن، كما سبق أن فعل ذلك في 2004 عندما وعد بضخ مبلغ 200 مليون دولار ولم يفي بذلك، وكلف الشركة ضعف الغلاف الاستثماري آنذاك، ثم توقف عن تسديد مستحقاته الضريبية، لتتفاقم المديونية وتصل إلى 4.5 مليار دولار، ويُجْهِز بالتالي هو ورفيق دربه باعامر على مشروع صناعي ناجح انطلق مع البدايات الأولى لاستقلال المغرب السياسي والاقتصادي والطاقي.