"لا أغار شخصيا ككاتب من فن آخر بقدرما أغار من الموسيقى" *الطائر المهاجر دوما الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي . الفن إذا لم يكن طريقة تفكير وعيش وتبادل وعطاء وتواضع حقيقي مع الناس بالنسبة للفنان فهو عرضة للعطب والخسران. ولأنني أعشق الحياة والتواضع و فن الموسيقى حتى النخاع كذلك ، أنجذب إليها لأنها الوحيدة القادرة على منحي القدرة على فهم الناس والأشياء المحيطة بي ،فقد تكرمت علي الأقدار وصدف الحياة ،بأن أضافت إلى لائحة أصدقائي في الحي الذي أقيم فيه ، فنانا موسيقيا يُدَرِّسُ الموسيقى ويعشقها ويدافع عنها بطريقة لا تخلو في الكثير من الأحيان من الحدة والجنون. كل شيء في هذا الرجل يحكمه إيقاع وتحيط به نغمة ، بدءا بنظرته الأولى إليك بنظارته الشمسية أو بدونها ، مصحوبة بعبارة "السلام عليكم" وهو يتقدم نحونا مبتسما كالعادة ،ونحن في مقهى الحي ننتظر جلوسه نتطلع إلى ما في جعبته مما قد ينعش الروح ويكسر الرتابة والجمود ؛مرورا بقفشاته ونكته وحكاياته الغريبة واللطيفة التي يؤكد من خلالها كل مرة تمكنه الجيد من فن الحكي في أدق تفاصيله ؛تعريجا على الدرس الموسيقي بمصطلحاته ومفاهيمه وأدواته ،التي رغم بساطتها أثناء طرحها هكذا مفككة ومتناثرة ،فهو لا يتنازل عن قناعته القوية بعلمية الموسيقى يدافع عنها ، ويتعلق بها حد الهوس ؛وصولا إلى شكل لباسه الذي يجمع فيه خاصة عند المناسبات وفي الجلسات الفنية الخاصة بين اللباس المغربي الأصيل واللباس العصري اللذين يتدخل في فصالتهما في بيته مضيفا على شكليهما رتوشات جمالية من إبداعه وذوقه . إسماعيل: أمواج كلام... .تيارات ...ألحان...حصاد شجن.. .هواجس... .شرارات... .لفحات.. .فلتات....شلال لا ينقطع من الحكايات الموصولة بزوابع من الضحكات المذيلة والمختومة بتوابع من النغمات المغربية والشرقية . المعجبون به من رواد المقهى يتحلقون حوله كما النحل حول الزهر ضاحكين غانمين .مرة حديث عن الأغنية المغربية العصرية من البدايات الأولى إلى حدود التسعينات بروادها وأعمدتها وفيها يجد صاحبنا نفسه طليقا فصيحا ، لا يغير مواقفه الثابثة من قيمة وسلوك هذا المغني أو هذا الملحن قيد أنملة دفاعا عن الفنان ( ة)الحقيقي(ة) الذي تنطبق عليه كل صفات الفن من جمال الروح وبسط اليد وفضحا للفنان(ة) المزيف(_ة) الوصولي والبخيل سواء في المغرب أوالمشرق ، انطلاقا إما من احتكاكه بهم مباشرة في الحفلات والسهرات العمومية والخاصة وخلال التسجيلات داخل الأستوديوهات ، أو اعتمادا على محفوظه واطلاعه الشخصي على سيرهم وحياتهم الفنية عبر المجلات المتخصصة . ومرات أخرى يكون الحديث عن مواقف ومقالب ومفاجآت الحياة مع الإنسان الفنان المضحكة والمبكية في آن، سواء في عالم السهرات الموسيقية أو في الواقع العام ،يحكيها باسترسال ولذة وعفوية، ينتقي بذكاء وسرعة بديهة، وخفة ظل أدوات الوصف لإقناع السامع ، ممعنا في تهشيم أصنام الخجل لإثبات الحقائق التي عايشها عن قرب من دون أن يخدش كرامة أي أحد . وويل لمن يحاول أن يقطع على إسماعيل حبل استرساله في سرد فصول الحكاية أو يتعمد التدخل لجرح كبريائه من صواعقه النارية، فهو فيناني ( فيلالي ) الطبع كما نقول ( أوهو طارت نعزة ) ،مفطور طبعه على السخرية والرد السريع حيث يلقمك بتشبيهاته السديدة ، مما يجعلك تأخذ احتياطاتك مسبقا قبل أن تفكر في مناوشته أوتقترب من سياج كبريائه. فهو على حد نقيضين مزاجه مثل سمفونية تصعد إيقاعاتها ونبراتها كأنها الرعد المجلجل ثم ينزل كأنه خرير ما ء أو نسمة هواء أو هفهفة جناح فراشة . إسماعيل من الناس الذين لا يستسيغون الكلام في السياسة ، ونادرا ما تجده يقرأ جريدة أو يناقش موضوعا فيها ، وحتى إذا مال الجمع في المقهى نحو الحديث عن حدث أو قضية سياسية وطنية أو دولية ملحة تجده يركن إلى الصمت موجها سمعه نحو شيء آخر ، ينصت إلى دواخله يدندن لحنا ويردد أغنية محترما اختيار الأصدقاء . وإذا ما اضطر يوما إلى توضيح رأيه في قضية سياسية ما فموقفه واضح وحاسم ممزوج بالسخرية الكاوية إذ سرعان ما يخرجك من عالم السياسة وهمومها التي أشعلت حروبا وصراعات وماتزال تفتك بالضعفاء في نظره ، وينقلك بسلاسة وود إما إلى عالم الموسيقى والطرب الجميل والأصيل حيث متعة الروح وأنس الخاطر والقلب ، وإما إلى عالم النكتة الساخرة المصهرة في إناء فني مغربي خاص.فتجاربه الكثيرة والمتنوعة في الحياة ولقاءاته مع عدد من الشرائح الإجتماعية جعلته يَعزُفُ عن السياسة وأهلها ، يكفيه هو أن يعزِف نغمات على عوده، بقايا صدى لشعور بجحود زمانه الفني له، أملا أن يترك في نفوس جميع من ينصتون إليه في اللقاء اليومي بالمقهى الإنطباع على أنه لا شيء قادر في هذه الحياة أن يمنحك حرية الرفض للقبح الإنساني بكل تجلياته ومقاومته إلا هذا الفن الجميل والأصيل . هذه بعض متع الفنان إسماعيل وما أكثرها، ففي جعبته أطباق شتى عن عالم الفن والحياة لا يتسع المقام لذكرها ،لذلك أودعه ببيتين شعريين من قصيدة "حديث الروح"للشاعر محمد إقبال التي غنتها السيدة أم كلثوم: قيتارتي ملئت بأنات الجوى لابد للمكبوت من فيضان وأنا ما تعديت القناعة والرضى لكنما هي قصة الأشجان