عرف المغرب تربية الطيور مع التجار والحرفيين، إذ كان هؤلاء "المواليع" القدامى يربون الحسون والخضيري والتفاحي والحداد وطيورا أخرى، ومع مجيء الاستعمار، بداية القرن العشرين، دخلت إلى المغرب أصناف أخرى من الطيور من بينها طائر الكناري، حيث ظهر، بداية، نوعان منه، النوع الأول هو الكناري العادي، والنوع الثاني هو الكناري عازف الناي"flûteur" ذو الأصول الإسبانية، وقد سمي بهذا الاسم نظرا لقدرته على محاكاة مقاطع الناي التي كانت تُلَقَّن له. ولما كانت طموحات "المواليع" القدامى كبيرة، فقد حاولوا تطوير هذه السلالة الإسبانية للوصول إلى سلالة تستجيب لفلسفتهم في تلقين الطيور، فأخذوا يزاوجونها وينتقون منها ما يرونه جيدا، بيد أن هذه المحاولات لم تعط نتائج مُرْضية، فكان عليهم انتظار دخول سلالتي كناري جديدتين، ويتعلق الأمر بالمالينوا والهارز، مما فسح أمامهم إمكانات جديدة للتهجين والحصول على سلالة تجتمع فيها مؤهلات الطيور الثلاثة: "flûteur"، والمالينوا والهارز. هذه السيرورة في التهجين وتراكم أجيال الكناري المهجنة هو ما سيتمخض عنه طائر هجين يتميز بقدرة هائلة على حفظ ومحاكاة المقاطع التي تقدم له خلال عملية التلقين. استثمر "المواليع" المغاربة ميزة الحفظ والمحاكاة التي يتصف بها الطائر المهجن، فأخذوا، مع بداية الخمسينيات من القرن العشرين، في تسميع طيورهم لمقاطع منتقاة من طيور تعيش في الطبيعة المغربية، الحسنية (العندليب) والولوال والحداد، الأمر الذي بدأت تظهر ثماره تدريجيا راسمة الملامح الأولى لطائر "أسطوري" نشأ وترعرع وتعلّم التغريد بأرض المغرب، هو طائر الفلاوطا، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى جده "flûteur" والذي يسمى بالإسبانية "flauta". شهدت مرحلة الستينيات، من القرن العشرين، وضع أسس التغريد لطائر الفلاوطا، إذ استطاع المرحومان عبد الله الحداوي والحاج الميلودي، تغمدهما الله بواسع رحمته، أن يُخرِجا إلى الوجود أول تسجيل لمطالع طائر الكناري المغربي، وقد اعتمد هذا التسجيل على طائري الحسنية وكناري المالينوا. وبالموازاة مع هذا العمل المتميز، كان في جهة أخرى من جهات المغرب، وبالضبط بمدينة مكناس، مربيان آخران هما السي عمر والمرحوم الحاج سلاَّم، اللذان أنتجا تسجيلا مغايرا ورائعا في الدقة والوزن، بحيث لا يتعب الطائر وترتاح إليه أذن المستمع، معتمديْن في ذلك على طيور محلية هي الحسنية (العندليب) والولوال والحداد، وقد توسل عشاق الفلاوطا، بمعدات ومسجلات بسيطة في عملية التلقين، فكانت هذه بداية الولع بالفلاوطا المغربي. بعد ذلك ستؤسَّس جمعيات مغربية للطيور، عملت على تقنين رِبِّرْتْوَار الكناري المغربي، وهو القانون المعمول به الآن في المباريات الوطنية. وبطبيعة الحال يبقى الاجتهاد ظاهرة صحية كفيلة بتطوير هذه السلالة وتحسين تغريدها. وجد عشاق الفلاوطا أنفسهم أمام تحد جديد متمثل في استصدار اعتراف بهذا الطائر من لدن الفيدرالية العالمية لعلم الطيور، حتى يتسنى لهم المشاركة في التظاهرات الأرنيطولوجية العالمية، شأنهم في ذلك شأن مربي المالينوا والهارز والتيمبرادو. *رئيس الجامعة المغربية لعلم الطيور ** رئيس لجنة الفلاوطا بالجامعة FMO، والكاتب العام لجمعية الاتحاد الجديدي لعلم الطيور