توفرت لي مجموعة من الظروف للتعلق بمقامات عشق مملكة الطيور الرائعة، فقد نشأت في زنقة النهضة بحي سيدي عيسى «المحلة»، وهي من أقدم أحياء مدينة وجدة، كان موقعا متميزا تمتزج فيه مقومات طبيعية توحي بتنوع حياتي متناسق، في هذا المكان يتواجد خزان للمياه يجاور حدائق وبساتين اعتبرت جنة ومستقرا وأوكارا لمختلف الطيور المحلية كالحساسين «المقنين» أو«الشاردو» والعصافير والحرمل «اللينو» و السمريس «الزخينين» كما يطلق عليه في اللهجة الوجدية. كباقي الأطفال في مثل سني كنت أرافق أصدقائي لصيد الحساسين بطرق تقليدية كاللصاق البلدي، أذكر أنه من بين أصدقاء الطفولة الذين كنا نستمتع معا بحلاوة الصيد، كان حميد بوخا، ودحو عبد الحميد، ويحيى بولويز، أمضيت رفقتهم تفاصيل مثيرة في عالم مملكة العشق والحب والجمال. كانت بداية دخولي لعالم مملكة الطيور سنة 1978، من خلال عمي الاستاذ ميلود بضياف الذي كان مدرسا للغة العربية بمدرسة البعثة الفرنسية «ابن خلدون»، لقد كان مولعا بتربية طيور الكناري الملون، وكان منزله ملاصقا لمنزلنا، وهي فرصة رائعة بالنسبة لي حيث كنت أزوره باستمرار، أراقب كيفية تعامله مع تلك الكائنات الجميلة، كما استرعتني تلك العلاقة الحميمية التي تربط الطرفين، كانت علاقة تختلف عما ألفت مشاهدته عند الآخرين، تلك العلاقة الفاتنة بين عالمين مختلفين ومتجانسين جعلتني أغير سلوكي اتجاه الطيور، فكرت في اقتناء طائر كناري، يكون في حيازتي، قصدت أحد اقاربي «خالد الصغيري» الذي يعد من أقدم «الماليع» بمدينة وجدةعاصمة الشرق المغربي، كان الصغيري يمتلك محلا لبيع الطيور ومستلزماتها، فكان اختياري على كناري أصفر اللون «بلدي» أخدته إلى المنزل وأنا أطير فرحا، وضعته في بهو المنزل، وظللت أراقبه وأعتني به، استمرت رفقتي لهذا الطائر خمس سنوات، أخيرا تمكنت من استنشاق عبير سحر المملكة الغامضة، ويرجع الفضل إلى مرشدي خالد الصغيري. بترددي على محل خالد أثار انتباهي اختلاف تغاريد بعض الطيور المتواجدة عنده مقارنة بطيوري، علمت أنها من الكناري المغرد، المالينوا والهارز. طويت صفحة وفتحت أخرى ، صرت متعلقا ب«المالينوا» الذي سحرني بتغاريده العذبة، وزاد في هيامي وعشقي ، هذا الطائر ساهم في دخولي عالم المواليع الواجديين المهووسين أمثال خالد الصغيري، وعبد الله زركوحي وعبد السلام فروقي المعروف ب«سلام» وعبد الكريم خلدون وعبد الرحمان البغدادي، وعبد الكريم الوجدي، وعمر حجيج ونصر الدين يوسف وغيرهم. أتذكر طائر كناري أمضى عندي أزيد من 6 سنوات، تعلقت به كثيرا، مكانه ببهو المنزل، يستقبل كل أفراد الأسرة بتغاريده الجميلة، في أحد أيام الربيع عدت إلى المنزل، الصمت يلف المكان، القفص فارغ ، ذعرت للأمر وبسرعة سألت والدتي عن الطائر. فأخبرني أنه خرج وطار بعد سقوط القفص إثر هجوم هرة، اسودت الدنيا في عيني، استرجع شريط 6 سنوات من خلاقتي بالطائر الساحر، مر اليوم كئيبا، يئست من العثور عليه، جاء المساء فسمعت تغريدات معهودة، ظننت أني أتوهم، تكررت التغريدات، وقفت مسرعا كأن بي مس من الجنون، تتبعث مصدر الصوت فأوصلني إلى جانب شجرة برتقال كانت تتوسط فناء المنزل، رفعت عيني فإذا بالطائر على أحد الأغصان يترقبني بدوره، أخذته بلطف وأعدته الى قفصه، كما أخذني بالسحر وأعادني لسماء مملكة الطيور الفاتنة.