تميزت الحملة الافتراضية باستعمال مكثف لمواقع الاتصال الاجتماعي (فيسبوك وتويتر ويوتيوب وفليكر والمدونات) لاسيما في التعريف بالبرامج وتقديم المرشحين للانتخابات الجماعية والجهوية والرد المباشر والسريع على الخصوم السياسيين. تجدر الإشارة إلى أن غالبية الأحزاب قد أنشأت مواقع افتراضية للتواصل مع الناخبين الافتراضيين عبر تهيئ أرضية للتفاعل إما عبر "الشات" المباشر أو عبر التعليق أو الاستطلاع. وبالمقارنة مع الحملة الافتراضية التي واكبت الانتخابات التشريعية ل2011، فقد انتقل التفاعل من إطار حزبي (الفيلم المؤسساتي الذي يقوم على سؤال بعض المواطنين والإجابة على تساؤلاتهم في شريط لا تتجاوز مدته 10 دقائق) إلى نموذج فردي تم فيه التركيز على نوع من التواصل المشخصن الفردي عبر خلق حسابات على "فيسبوك" و"تويتر" وإرسال رسائل "إس.م.س" كما تمت الاستعانة بصفحات بعض الجرائد الإلكترونية ذات المشاهدة العالية بغرض الوصول إلى شريحة الناخبين التي تعيش مواطنتها عبر العالم افتراضي. وجب التذكير بأن هذه المواقع تتم إدارتها في غالبية الحالات من طرف مناضلي الحزب، وفي حالات نادرة من طرف وكالات متخصصة، مع أن الحملة رصدت لها ميزانية وغلاف مالي مهم ومتباين حسب الأحزاب (حزب الاستقلال بما يفوق 21.5 مليون درهم، أحزاب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة بأكثر من 12 مليون درهم وحزب الاتحاد الاشتراكي ب 11.5 مليون درهم). يظهر جليا أن تحدي الحملة الافتراضية يكمن في مدى قدرتها على التأثير مباشرة وجذب الناخبين إلى المشاركة في الانتخابات. السوق اللغوية الافتراضية مع دخول الحملة الانتخابية أيامها الأولى، تمت إعادة انتشار مكونات السوق اللغوية الافتراضية لتتلاءم مع رهانات الانتخابات الجماعية والجهوية. وهذا الانتشار يمكن توصيفه كالتالي: تبوأت العربية الصدارة متبوعة بالدارجة والأمازيغية وشبه تغييب للغة الفرنسية. ومنطق هذا التوزيع والانتشار ينبني على أربع مستويات: المستوى الوظيفي والمستوى الرمزي والمستوى التداولي ومستوى السياق المحلي والجهوي. فالمستوى الأول يحيل على وظيفة اللغة العربية كأداة للتواصل المؤسساتي تمكن من تواصل مؤسسة الحزب مع الناخب الافتراضي المتمكن من هذه اللغة. والمستوى الثاني يخص إدراج الأمازيغية من خلال حرف "تيفناغ" في ترجمة أسماء أو شعارات الأحزاب كحمولة افتراضية للتذكير بالمكونات الأساسية للهوية المغربية في تنوعها الثقافي واللغوي. والمستوى الثالث يرتبط بالخاصية التداولية للدارجة وقدرتها "العاطفية" على تقريب بعض المضامين من الناخب الافتراضي. أما آخر مستوى والذي يهم الفرنسية، فقد تمت إزاحتها من السوق اللغوية الافتراضية لكونها لغة أجنبية ولعدم ملائمتها والطابع المحلي والجهوي لاستحقاقات 2015. تشير هذه الحالة اللغوية إلى أن المكون اللغوي لا يدخل في الرهانات التدبيرية والتنموية للمجال المحلي والجهوي، حيث إن التنويعات اللغوية والتعبيرات الثقافية المحلية لم يتم إقحامها أو التطرق لها في البرامج الانتخابية في أفق الرفع من المقومات الرمزية للجماعات الترابية أو حتى بغية التسويق السياسي أو التواصل المباشر مع ساكنة "فيسبوك". انطلاقا من هذه الملاحظات يمكن الإقرار بأن أغلب الأحزاب المشاركة في استحقاقات 2015 لم تحترم، في حملاتها الافتراضية، مقتضيات دستور 2011 الذي نص على التنوع الثقافي والازدواجية الرسمية، بل يمكن تسجيل أن الحملات الافتراضية شكلت تراجعا إلى ما قبل دستور 2011 على مستوى التحديات اللغوية والثقافية والهوياتية وأعادت منظومة الأحادية اللغوية والثقافية وألغت منطق التنوع والتعدد المنصوص عليه في الفصل الخامس من دستور 2011. الاختلالات التواصلية خلقت الحملة الافتراضية فضاء موازيا للتقاطبات الانتخابية، وذلك بتقديم وعرض البرامج الانتخابية وطرح سؤال المشاركة أو المقاطعة. وقد تمخض المتن التفاعلي في بعض الأحيان عن عدة اختلالات اتسمت بنقص خطابي ولغوي وعنف رمزي. تميز النقص الخطابي واللغوي بالإفراط في الخطاب الشعبوي واستعمال نسق لغوي ولفظي تجريحي موجه لشخص المنافس السياسي عبر تبادل الشتائم والاتهامات وليس عبر مقارعة البرامج الانتخابية، مما يطرح إشكالية التعايش والتداول بين المنخرطين في الحملات. في هذا المنوال تم تحويل النقاش من نقاش يتعلق بمنجزات وبرامج محلية وجهوية إلى تداول حول منجزات وبرامج ذات محتوي وتبعات وطنية ودولية، مما أضفى على منطق التواصل الإلكتروني ضعف الجاذبية السياسية. وإبان الحملة الافتراضية تم الترويج، على نطاق واسع، لصور وفيديوهات لزعماء ووزراء ومرشحين وهم يتعايشون مع فئات مجتمعية كانت بعيدة عن فضاءاتهم الاجتماعية مثل الباعة المتجولين وسكان الأحياء الشعبية وحراس السيارات وتجمعات الشباب ويشاركونهم لحظات من الحميمية والقرب عبر تقاسمهم بعض المأكولات مثل التين الشوكي والحلزون والنقانق المشوية و"صيكوك" و"الرايب" و"طايب وهاري". من خلال مقاطع الفيديو المعروضة يرتفع لديهم حس الإنصات والتحاور وتقبل الآخر وينتقلون من التشارك إلى التعايش بل وحتى الاندماج، فيصبح الجميع يصنف نفسه في نفس الخانة على أنه "شعبي" أو "ولد الشعب" أو "ولد البلاد". ولينسجم مع محيطه الجديد، فاللباس لا يتعدى قبعة وصدرية الحزب زائد سروال "دجينز". إلا أن هذا الانغماس الاجتماعي المبرمج سلفا يتم رصده والتقاطه لتصريفه افتراضيا لعرضه على ساكنة "فيسبوك" و"تويتر" و"واتساب" التي تفوق 20 مليون شخص في أفق استمالتها للتصويت لصالح الحزب ومرشحيه. المضامين الافتراضية لم يلاحظ أي فرق بين مضامين الحملة الورقية والحملة الافتراضية. فليس هناك أي إبداع أو تنافس فني على مستوى تقديم المرشحين والبرامج والأفكار السياسية منها الإجرائية التي تروم التسيير والتدبير أو النظرية التي تسعى إلى تكريس مفاهيم مثل المشاركة المواطنة أو الحكامة الجيدة مع وفرة وزخم الأساليب والبرامج والأدوات الالكترونية والمعلوماتية. لذا تشابهت المضامين الافتراضية وتكررت وجعلت المواطن الافتراضي لا يميز بين برامج وخصوصيات الأحزاب المرشحة. وكان لافتا اعتماد المواقع على النقل المباشر وغير المباشر للتجمعات الخطابية، مما أضفى على المضمون الافتراضي صبغة الفرجة والمشاهدة وأفضى إلى تحول مرتادي "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" من ناخبين إلى مشاهدين ومتفرجين. فصار مُؤشّر مشاهدة مقاطع الفيديو المتضمّنة للمهرجانات الخطابية(people politique) مقياسا لاستمالة الناخبين وليست المقومات التدبيرية والإجرائية للبرنامج الانتخابي. وهكذا سجلت عدة أرقام منها رقم 17733 مشاهدة لحزب العدالة والتنمية ورقم 18898 مشاهدة لحزب التقدم والاشتراكية ورقم 50000 مشاهدة لحزب الأصالة والمعاصرة ورقم 68342 مشاهدة لحزب الاستقلال مع أن اللافت للانتباه هو العدد الهائل للمشاهدات التي حظيت بها مقاطع فيديو الاحتجاج على أمين عام العدالة والتنمية بتازة، إذ فاقت رقم 522 ألف مشاهدة. في هذا السياق، أصبح مرتادو العالم الافتراضي يصبون انتقاداتهم لا على فحوى البرامج الانتخابية ولكن على مكونات وعناصر وجزئيات المشهد المنقول كأنهم أمام مباراة لكرة القدم فيختاروا منها ما يمكن أن يتداول ك "بوز" أو "إثارة افتراضية". وأدت الإحالات المتكررة على الحقل الدلالي للفساد إلى استياء الناخب الافتراضي وتيهه وريبته لاسيما فيما يخص استعمال لفظة "المفسدين" حيث إن نفس اللفظة وردت على لسان ستة زعماء سياسيين يمثلون بالتساوي الحكومة والمعارضة وهم: شباط "الحكومة تتواطأ مع المفسدين" وبنكيران "جئنا لمحاربة المفسدين" والعماري "جئنا للقطع مع المفسدين" ولشكر "نناضل للقضاء على المفسدين" ومزوار "سنعمل على التصدي للمفسدين" وبن عبد الله "سنقطع الطريق على المفسدين". كما أن توظيف بعض المرشحين للغة الفرنسية قد جر عليهم وعلى أحزابهم وابلا من الانتقادات والسخط لاسيما أن المواطن الافتراضي لا يروم الاطلاع على البرامج الانتخابية بقدر ما يحبذ التواصل حولها وأحيانا السخرية منها والاستهزاء بها وازدراء أصحابها باللغة أو الأداة التعبيرية التي يتقنها ويتعامل بها. ما حذا بالبعض إلى انتهاج أسلوب السخرية السوداء كأن يقدموا ملصقا انتخابيا للبطل «علال القادوس» بالدارجة، داعين المغاربة إلى التصويت عليه في انتخابات الرابع من شتنبر. توثيق الخروقات: الرقابة المواطنة اضطلع رواد العالم الافتراضي بدورهم السياسي بتوثيق الخروقات من خلال رقابة مواطنة عملت على فضح بعض التجاوزات الناتجة عن رشوة الناخبين بمبالغ مالية (فيديو يظهر مرشحا يوزع رشاوى على نساء بالعطاوية) أو هدايا عينية (فيديو يوثق لمنتمين لفرع محلي لحزب يوزعون الدجاج على الساكنة). فكان مفعول هذه الرقابة أن أخرجت البعض عن صمتهم، فهناك من أقر بعدم جدوى المشاركة لوجود منتخبين يستعملون المال والهدايا لاستمالة الناخبين وفي المقابل هناك من أكد على مشاركته لقطع الطريق على هذه الفئة من المترشحين. وعمد أيضا بعض الرواد إلى نشر بعض الملصقات الانتخابية التي شكلت مادة ساخرة لاسيما لتضمنها أخطاء لغوية ونحوية وخلطها بين مفردات الدارجة والعربية على أساس أنها تنتمي إلى معجم العربية، مما أدى إلى تدني صورة بعض الأحزاب لعدم مراقبتها واهتمامها بالملصقات الموجهة للمواطنين، ودفع البعض للتنديد بهذا العنف الرمزي وعدم احترام الناخب. كما أن مقاطع الفيديو التي استغلت فيها بعض التنظيمات الحزبية بعض المقاطع الموسيقية (مثل "خالتي الضاوية") وبعض فلتات اللسان (مثل "المرشح ديالنا كيوقف معنا في جميع الأوقاف والشؤون الإسلامية") وتسخير الأطفال والحيوانات (الكلاب) في الحملة وكذلك توقيت المهرجانات بمواعيد الصلاة بالإشارة إلى بدأ التظاهرة "بعد صلاة العصر"، أثارت موجة من الانتقاد والسخرية وأساءت بالتالي إلى صورة الأحزاب وجدوى الانتخابات. تم كذلك تبادل على نطاق واسع بعض التناقضات مثل تلك التي همت ملصقا انتخابيا لمرشح عاطل (المهنة لا شيء) يعد في برنامجه ب "العمل على تشغيل أبناء المدينة" أو تلك التي تظهر فيها نساء طاعنات في السن تقدمن كمرشحات. ومع تزايد وتراكم الاختلالات بجميع أنواعها عمت حالة من الهلع التواصلي (panic) دفعت بالبعض إلى الدعوة إلى تنظيف "فضائهم الافتراضي" من "التلوث الانتخابي". الاستشرافات المستقبلية إذا كان الهدف من الحملة الافتراضية هو خلق تواصل جذاب لإقناع الشباب ومرتادي المواقع الاجتماعية بالمشاركة السياسية عبر الانخراط الواعي في اختيار مرشحيهم الذين يستجيبون لتطلعاتهم المحلية والجهوية، فإن التفاعلات التي أفرزتها أطوار الحملة أبانت عن اختلالات ونواقص تمخضت عنها حالة من الهلع التواصلي نتج عنه في نفس الوقت فتور ونفور بموازاة مقاومة تجسدت في شكل رقابة مواطنة على بعض المضامين والانفعالات الانتخابية. ومن الاستنتاجات الممكنة حول الحملة الافتراضية للانتخابات الجماعية والجهوية ل 2015 يمكن سرد، لا للحصر، ما يلي : - معظم الوصلات الانتخابية المقدمة كانت نمطية (وعود وآمال مستقبلية) لانعدام الابتكار والخلق على مستوى المنطق التواصلي، - "الحوار" الذي دار في الحملة الافتراضية لم يكن تفاعليا بين الأحزاب فيما بينها حول رهانات البرامج البديلة ونجاعتها، لكنه اتسم بانفعالات مشخصنة وردود فعل مزاجية، - الحملة الافتراضية لم تأت بجديد فيما يخض هوية الأحزاب، حيث تشابهت الخطابات وتماهت في العموميات وأطنبت في الكلمات المفاتيح من قبيل "العدالة الاجتماعية"- "الكرامة"- "المساواة"-"محاربة الفساد" ...، - نظرة الأحزاب للتواصل الافتراضي نظرة مسطحة إذ لم تعمد إلى الاستعانة بوكالات متخصصة في التواصل معتبرة أن الحملة الافتراضية ليس لها وقع على الرهانات المحلية والجهوية، - غالبية الأحزاب لم تستوعب أن العالم الافتراضي هو عالم يستقطب شريحة واسعة من المواطنين وأن اعتماد الأساليب القديمة مثل اللافتات والمطبوعات والجرائد الورقية يشكل تخلفا عن المنطق التسويقي الجديد للحملة الانتخابية. وفي الأخير، ومن خلال التجارب الدولية، فالسياسي الملتزم يبقى وفيا طيلة مدة ولايته للإنصات إلى الأصوات الآتية من العالم الافتراضي والإجابة على تساؤلاتها بانتظام وليس عندما تقترب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية. كما يتطلب التواصل الافتراضي تكوينا معمقا ومستمرا للنخب السياسية لتتمكن من مسايرة التطورات التكنولوجية والنجاح في إقناع وتسويق مشروعها السياسي بلغة ومنطق ساكنة العالم الافتراضي.