دخلت جريدة هسبريس الإلكترونية إلى قلب دهاليز سجن "الذهبية"، القريب من الرابوني، والذي تشرف عليه قيادة جبهة البوليساريو الانفصالية، من خلال بثها مقاطع فيديو قصيرة، توثق مرة أخرى لأوضاع غير إنسانية يعيشها سجناء صحراويون، وظروف عيش أقل ما يقال عنها إنها تصلح لكل شيء إلا للبشر. وبعد أن نشرت هسبريس قبل أيام عشرات الصور التي تتضمن شهادات واعترافات لشباب صحراويين يقبعون في أحد سجون جبهة البوليساريو الانفصالية، حصلت الجريدة على صور وتسجيلات حصرية من داخل سراديب "غوانتامو البوليساريو"، قام بتسريبها الناشط الصحراوي سيد أحمد لعروسي بومهدي، أحد أبناء مدينة الداخلة، والذي ذاق ويلات المعتقل هناك، قبل أن يُفرج عنه، ليعيش حاليا حياة أشبه ب"حياة القط والفار" مع أمن وعسكر الجزائر والبوليساريو. يقول بومهدي لهسبريس إنه يتواجد في الوقت الراهن في تندوف، ويعاني من وضعية صحية صعبة، ولا يستطيع التطبيب لعدم توفره على أوراق ثبوتية، على حد روايته، قبل أن يكشف تعرضه لمحاولة اغتيال ليلة أمس بواسطة سيارة دفع رباعي من نوع "طويوطا لاند كروزر" حاولت دهسه، تحمل لوحة ترقيم حكومي تابعة لما يسمى وزارة الدفاع بالبوليساريو. وأردف بومهدي بأنه تلقى اليوم تهديدا مباشرا من طرف عناصر مجهولة على قارعة الطريق بتندوف، الذين أخبروه بأن المحاولة المقبلة لن تفشل كسابقتها، مضيفا أنه ذهب إلى مركز الدرك الجزائري ليقدم شكايته، لكنه فوجئ بتجاهل قضيته، إذ قالوا له "اذهب واشتك عند الملك محمد السادس، فهو يقول إن تندوف مغربية". وبالعودة إلى "الفيديوهات" التي تتوفر عليها هسبريس، يظهر في أحدها شاب يدعى سيد أحمد حمدي البو، من قبيلة اركيبات أولاد بورحيم، وقد تعرض لتعذيب شديد على يد زبانية البوليساريو، بسبب إعلانه تأييد أطروحة الحكم الذاتي، علما أنه اعتصم أمام المفوضية السامية للمينورسو في أبريل 2014، وهو حاليا مُضرب عن الطعام رفقة السجين كمال الداودي. ويقول المعتقل في التسجيل الذي صوره وأنجزه سيد أحمد لعروسي بومهدي قبل إطلاق سراحه إنه مصاب بارتجاج في الدماغ، وإعاقة مستديمة على مستوى الرأس، متمثلة في ثقب في الأذن، لازال يسيل منه الدم والقيح جراء التعفنات وغياب التطبيب، مؤكدا أنه وباقي السجناء يعيشون في الجحيم. وأردف البو، في التصريح ذاته، الموثق بالصوت والصورة من داخل سجن الذهيبية الرهيب، بأنه عذب كثيرا قبل رميه في المعتقل، إذ وُضع في البداية في إحدى الحاويات لمدة أربعة أيام، بأمر ممن يسمى "وكيل الجمهورية الصحراوية"، قبل أن يجزم بأنه وزملاءه من حركة "شباب التغيير" يتهددهم الموت في كل وقت وحين. وأورد مُصور اللقاء مع المعتقل المضرب عن الطعام في سجن الذهيبية أن الصور المرئية لأقبية هذا المعتقل تُظهِر بجلاء الظروف اللاإنسانية التي يعيشها المعتقلون، كما تبين الفوارق الشاسعة بين حقوق الإنسان في ما يسمى تعسفا "الجمهورية الصحراوية" وبلدان الجوار. وفي تسجيل مُصور آخر، يظهر معتقل في سجن "الذهيبية" بثياب رثة وغير متناسقة، يدعى محمد، لكنه لا يعرف اسمه، ويجهل أين يتواجد بالتحديد، ويتمتم بكلمات لا معنى لها؛ وذلك بسبب إصابته بالجنون؛ ورغم وضعيته لا زال يتواجد رفقة باقي السجناء، في ظروف لا يمكن أن توصف سوى بالمرثية. ويقول معتقل ثالث من داخل سجن الذهيبية، في تسجيل آخر بالصوت والصورة، إنه من مواليد 2001، ولا يتجاوز عمره 14 عاما، ورغم ذلك دُفع به إلى السجن ليقضي مدة تبلغ عاما كاملا بلا حكم قضائي، وفق تعبيره، مبرزا أن في السجن قاصرين يتعرضون للتحرش والاعتداءات الجنسية من طرف "رجال كبار يحكرو علينا". وفي باقي التسجيلات التي حصلت عليها هسبريس تتضح بجلاء ظروف عيش المعتقلين المعارضين في سجن "الذهيبية" الشهير لجبهة البوليساريو، إذ تبدو الأبواب متهرئة وصدئة، والصراصير تعيث في المكان، والجدران متسخة، وظروف الحياة لا تليق بالإنسان. وطالب أغلب السجناء الصحراويين من داخل سراديب معتقل "الذهيبية" بتدخل عاجل من لدن المنظمات الحقوقية الدولية، سواء من بلدان الجوار، أو تلك التي لها صيت عالمي، لوضع حد لأحداث التعذيب والتعنيف التي يتعرض لها المعتقلون، ومنحهم أسباب حياة تتسم بالكرامة داخل سجن البوليساريو الرهيب. الوجه المظلم للبوليساريو وتعليقا على هذه الصور والتسجيلات، يقول الدكتور سمير بنيس، الخبير في قضايا الصحراء، إن "الوثائق التي نشرتها جريدة هسبريس حول ظروف العيش اللاإنسانية للمعتقلين في سجون البوليساريو تكشف الوجه الحقيقي القبيح والخبيث لهذه الجماعة الانفصالية." وأوضح بنيس أن "المقاطع المصورة من داخل سجون البوليساريو تُظهر للعالم الوجه الآخر من المعادلة، رغم التعتيم الذي تقوم به العديد من المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، كمنظمة هيومن رايت ووتش، التي طالما تغاضت في تقاريرها عن كشف هذه الحقائق التي تدين البوليساريو والجزائر". وأوضح المحلل ذاته أن "صور هسبريس إذا ما تم توظيفها بشكل جيد ومنهجي من طرف المغرب فسوف تضعف البوليساريو وتجعلها في موقف الدفاع عن نفسها، إذ لن يكون في وسع هذه الحركة الانفصالية استعمال ورقة حقوق الإنسان ضد المملكة، كما دأبت على ذلك خلال السنوات الست الماضية". واستطرد بنيس بأنه "إذا كانت تلك الورقة قد تقهقرت بفضل التعامل المحكم للسلطات المغربية مع المشوشين وانفصاليي الداخل، خلال السنوات القليلة الفائتة، وبعد صدور التقرير الأوروبي حول اختلاس المساعدات الإنسانية من طرف قيادة البوليساريو، فإن الصور الصادمة للسجناء في سجون تندوف سوف تضعفها بشكل أكبر". وذهب بنيس إلى أن "تحقيق هذا المبتغى يتوقف على الخطة التي ستتبعها الدبلوماسية من أجل إضعاف البوليساريو، وحرمانها من استعمال ورقة حقوق الإنسان ضد المغرب في المستقبل"، داعيا السلطات المغربية إلى القيام بحملة دبلوماسية وإعلامية دولية واسعة النطاق لإظهار حقيقة الوضع الذي يعيشه المعتقلون في سجون البوليساريو، والقمع الذي يتعرض له كل من سولت له نفسه معارضة قيادة هذه الحركة الانفصالية. إشكالية سجون البوليساريو ونبه بنيس إلى أنه ينبغي على المغرب الضغط على الأممالمتحدة وعلى المبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس، لتضمين ما راج حول تلك الصور المنشورة في هسبريس في الإحاطة التي سيقدمها لمجلس الأمن نهاية أكتوبر القادم، وفي التقرير السنوي الذي سيقدمه الأمين العام للأمم المتحدة نهاية أبريل القادم.. من جانبه أكد خالد شيات، الأستاذ بجامعة وجدة، والخبير في ملف الصحراء، أن التعامل مع موضوع سجون البوليساريو يجب أن يتم بحذر شديد، لأنه يمكن أن يدخل في نسقين؛ النسق الأول هو جماعة تحوز صفة الدولة؛ وهو ما لا نريد أن تعتمده الدول في تعاملها مع البوليساريو. وبالتالي، يضيف شيات، في تصريحات لجريدة هسبريس، فإن التبعات القانونية الدولية مقررة من خلال الاتفاقيات الدولية، ومن طرف المنظمات الدولية، وكلاهما يضفيان شرعية على البوليساريو، موضحا أنه لا يرى علاقة مباشرة بين الوضع الحقوقي والمسار الأممي لحل نزاع الصحراء إلا باستعمالات غير ذات أثر سياسي كبير. وتابع شيات بأن النسق الثاني هو كون هذه السجون مجموعة لا تدخل في نسق المنظومة القانونية للدول، وهنا تبرز آليتان؛ آلية تستهدف المنظمات الدولية غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان من باب السعي الإنساني، باعتبار أن الأمر يتعلق بمغاربة متحكم بهم من جماعة غير شرعية، وآلية تستهدف المنظمات الدولية التي تتعامل مع البوليساريو بتقديم المساعدات للضغط عليها أخلاقيا.