بين ما يُقارب131 ألف مرّشح تقدموا بألوان حوالي 29 حزبًا وتنظيمًا مشاركًا في الانتخابات الجماعية، زيادة على اللّا منتمين، هناك فئة تدخل هذه الاستحقاقات لأول مرة، وفئة أخرى عُرفت بحملها ووفائها لألوان حزب واحد منذ سنوات، في وقت آخر تدخل فيه فئة أخرى بقمصان حزبية مغايرة في عادة دأبت عليها منذ سنوات. يُباشر المرّشحون معارك ضارية لأجل الفوز بالمقاعد التي يصل عددها إلى 31 ألف و503، في أوّل انتخابات محلية بعد دستور 2011. بيدَ أن السؤال الذي قد يُطرح في مثل هذه العمليات الانتخابية، هو طرق وصول المرّشحين إلى الأحزاب التي يتقدمون باسمها، بمعنى كيف تختار الأحزاب من يحملون ألوانها ويمثلونها في انتخابات ستفرز من يتولون تدبير الشأن المحلي للمدن والقرى والجهات، فتكرار عمليات التنقل بين الأحزاب، واختيار أحزاب لأسماء مثيرة للجدل، واستمرار ترّشح بعض الأسماء رغم شيوع رأي عام حول عدم كفائتها، يفتح أبواب النقاش حول طرق تشكيل النخب الحزبية بالمغرب، ومدى مطابقتها لمفهوم النخب المؤثرة في المجتمع. أحزاب لم تتخلص من امتداداتها القبلية في كتابه "صناعة النخبة بالمغرب"، الصادر عام 2006 عن منشورات "دفاتر وجهة نظر"، يشير أستاذ علم الاجتماع، عبد الرحيم العطري، إلى أن التشريح السوسيولوجي للظاهرة الحزبية يقود إلى الاعتراف بالامتداد القبلي والانطلاق الزاوياتي، فمن رحم القبيلة والزاوية خرج الحزب المغربي، كما أنه لم يتخلص بعد من علاقة القرابة داخله، متحدثًا أن اعتماد الأحزاب لحملات الدعائية بالتركيز على الشخص وعلى العائلة والعلاقات العشائرية، من تجليّات تزكية هذا الطرح. ويضيف العطري أن الأحزاب المغربية وصلت إلى درجة عليا من التشابه في البرامج، فالكل يحمل شعار الديمقراطية الاجتماعية، والكل يقدس المبادئ التي تنحاز إلى الطبقات الكادحة، ممّا يعني أن العقل السياسي الحزبي أصابه الإفلاس المتجلي في جوانب عديدة منها ظاهرة الدكاكين السياسية في الانتخابات، مبرزًا أنه بسبب غلبة الانتماء العشائري، صار المناضل المثقف مقصيا في الظل، ولا يتذكره مالكو وسائل الإنتاج إلّا بشكل مناسباتي، فقط لتأثيت بعض التظاهرات. ويتحدث العطري أن المرّشح يلهث وراء التزكيات الحزبية ويصرف الأموال ويعقد التجمعات الدعائية لأجل حيازة مكانة أفضل في النسيج السوسيوسياسي، ولأجل إثراء الرأسمالين المادي والرمزي، لافتاً إلى أن الطريق نحو القمة في الأحزاب يمر عبر القرب من الزعيم والتقرب منه، ثم حيازة الرأسمال السياسي سواء في تجربة السجن أو التعذيب، أو المال والجاه والانحدار من العائلات العريقة، وبعدها إتقان لغة الرفض والضرب فوق الطاولة داخل الحزب، زيادة على الرضا المخزني. تراجع مساحة المناضلين يشير أستاذ العلوم السياسية بالرباط، محمد البوز، في تصريحات لهسبريس إلى أن الأحزاب السياسية لم تعد تعتمد فقط على المناضلين في عملياتها الانتخابية، فإن كانت الأحزاب اليسارية والإسلامية تعتمد في الحيّز الأكبر على أعضائها مع فتح الباب أمام أسماء من الخارج، فهناك أحزاب تراهن في الغالب على الأعيان وعلى شخوص انتخابية، حتى وإنت كانت لا تحمل قناعاتها ولا تقاسمها نفس مبادئها. وزاد البوز أن عصر المناضل ضعُف كثيرًا داخل الأحزاب وداخل العمل السياسي بشكل عام، فنتيجة انقطاع التيار بين المواطنين والأحزاب السياسية، لجأت حتى المناضلة منها، إلى البحث عن الأعيان لأجل الفوز في الانتخابات، مع ما يشكّله ذلك من خطر على الأحزاب بما أن هؤلاء الأعيان يمكن أن يغادروا الحزب إذا وجدوا مصلحتهم في حزب آخر، مؤكدًا أن مفهوم النخبة، قياسًا إلى المعنى السياسي النضالي، آخذ في الانحسار، بعدما صارت العلاقة السياسية بين الأحزاب ومناضليها علاقة خاصة بمواسم الانتخابات، ليصير للنخبة مفهوم آخر قوامه أشخاص متحزبين لديهم آراء في الشأن السياسي. تزكية أسماء تحوم حولها شبهات الفساد ويطرح سؤال تمثيل مرّشحي الأحزاب المشاركة للمفهوم الحقيقي للنخبة عندما نتفحص تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ونجد أن عددا من هذه الأحزاب يدبر ماليته بقدر كبير من الانغلاق، كما أن بعضها لا يتردد في تزكية أسماء تحوم حولها شبهات التورط في الفساد المالي، وهو ما يؤكد الأزمة الكبيرة التي تعيشها الأحزاب على مستوى تجدد النخب، وتهميش الأساليب الديمقراطية، إذ يتم فرض منطق التزكية والتعيين والوراثة في العديد من الأحيان، ويصير التهافت على استقطاب الأعيان خلال فترات الانتخابات هو الحاصل. هذه الأزمة في النخب التي يؤكد وجودها إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية بمراكش، والتي تأتي في سياق استمرار شروخات داخل الكثير من الأحزاب، وتأزم العلاقة بين قياداتها وحركاتها الشبيبيّة ممّا يؤدي إلى مغادرة عدد من الكفاءات والطاقات الشابة للأحزاب، تبرّرها الأحزاب حسب لكريني ب"إكراهات الوقت وتحديات المرحلة ومتطلبات الخبرة والكفاءة والشرعية التاريخية"، رغم أنه خطاب يتناقض مع الأدوار المفترضة للأحزاب السياسية باعتبارها "مدرسة" لترسيخ الممارسة الديمقراطية. ويخلص لكريني إلى التساؤل حول مدى جدّية ومصداقية جهود هذه الأحزاب باتجاه دفع الدولة إلى اعتماد إصلاحات ديمقراطية؛ في الوقت الذي تتنكر له هي نفسها ضمن ممارساتها الداخلية، كما أن "هذا الجمود الحاصل على مستوى التجدد من حيث بروز خطاب وأداء متجاوزين؛ واعتماد تحالفات سياسية شاذة؛ وأداء سياسي مختل، يزيد من اتساع الهوة بين المواطن والشأن السياسي بشكل عام؛ والحزبي والانتخابي على وجه خاص".