عادت ظاهرة الترحال الحزبي لتفجر النقاش داخل الساحة السياسية حول جدوى العمل السياسي، ووجود أحزاب سياسية، ببرامج انتخابية ومرجعيات مذهبية ومؤسسات تقريرية، مادام لا أحد يحترمها، سواء من طرف صناع القرار داخل هذه التنظيمات الذين يحيدون عن المسار الديمقراطي في اختيار المرشحين أو من طرف «قبيلة الرحل» التي تعلن العصيان وتحمل متاعها بمجرد صدور قرار لا يتماشى وأطماعها الشخصية، فتلجأ إلى أول حزب يقبل بمنحها رأس اللائحة الانتخابية ولو كان في موقف معارض “لتوجهاتها” بالأمس القريب. بات من الأمور المتكررة عشية كل انتخابات جماعية أو تشريعية، أن تشهد الساحة السياسية تسابقا وتهافتا للأحزاب السياسية، بما فيها تلك التي تصف نفسها ب«القوى الديمقراطية»، على ضم الأعيان إلى صفوفها لما لهم من قدرة على استقطاب أصوات الناخبين، وتوفير الإمكانات لتمويل الحملة الانتخابية. وفي ما يشبه «التواطؤ»، سعت الأحزاب المغربية بمختلف تلويناتها، وهي تستعد لنزال 12 يونيو الانتخابي، إلى حشد قواها لاستقطاب المزيد من الأعيان، خاصة بعد أن دخل في السباق المحموم نحو الظفر بمفاتيح الأعيان، حزب جديد يحاول دعم أركان مشروعه السياسي من خلال ورقة ترشيح تلك الفئة. وبالنسبة إلى إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بكلية الحقوق بمراكش، فإنه رغم تراجع أدوار فئة الأعيان بفعل التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة، إلا أنها لازالت تحظى بمكانة هامة داخل الأوساط القروية بفعل إمكانياتها المادية وعلاقاتها الاجتماعية المتشابكة، الأمر الذي دفع الكثير من الأحزاب إلى الانفتاح على هذه الفئة ومنحها مواقع قيادية في هياكلها أو عبر استقطابها للترشح باسم الحزب. ويرى لكريني أن تهافت العديد من الأحزاب السياسية على الأعيان، هو أمر يؤكد عدم قدرة هذه الهيئات على تحديث وتطوير بنائها ووظائفها الاجتماعية والسياسية، وينضاف إلى مختلف الاختلالات الأخرى التي تعيشها. كما يعبر عن عدم استحضار الكفاءة والموضوعية في تزكية المرشحين، والرغبة في الفوز بمقاعد أكبر بكل الطرق والوسائل. ويؤكد أستاذ الحياة السياسية، في تصريحاته ل«المساء»، أن مراهنة عدد من الأحزاب على نفس الأشخاص وخاصة الأعيان، ومنحهم التزكية خلال الانتخابات المحلية والتشريعية دون معايير حزبية موضوعية مبنية على الكفاءة، وعدم الانفتاح بشكل كاف على النساء والشباب، هو أمر يكرس رتابة وأزمة المشهد السياسي والحزبي، لأنه يحول دون بروز نخب محلية جديدة شابة وكفأة قادرة على تحمل المسؤوليات وإعطاء دينامية جديدة لتدبير عمل البرلمان والجماعات المحلية، ويظل عاملا مسؤولا في جانب مهم منه عن تفشي ظاهرة العزوف السياسي والانتخابي. ويشير إلى أن لجوء كثير من الأحزاب السياسية، بما فيها بعض الأحزاب الوطنية التاريخية، إلى الأعيان يجد تفسيره في سلك الطريق الأسهل للفوز بالمقاعد الانتخابية في مناطق تعاني من ضعف التأطير السياسي وتنامي المعضلة الاجتماعية، عوض تعبئة المواطنين وإقناعهم ببرنامج الحزب وإيديولوجيته، وهذا ما يكرس التصويت على الشخص بدل الحزب وبرنامجه وأولوياة، ويفرغ كل المحاولات القانونية والسياسية الأخيرة التي توخت تطوير العملية الانتخابية من محتواها. من جانبه، يرى الباحث في العلوم السياسية، عبد الرحيم منار السليمي، أن الأحزاب المغربية خرجت من الانتخابات التشريعية ل7 شتنبر 2007 بخلاصة مفادها أن العملية الانتخابية في المغرب باتت تتحكم فيها سلطتان هما: المال والدين. استيعاب هذه الخلاصة، يقول السليمي، جعل أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والأصالة والمعاصرة تخوض صراعا منذ ما يربو عن السنة من أجل الظفر بالأعيان بالنظر إلى رمزيتهم وقوتهم اللوجستيكية.