أولا الاستحقاقات الانتخابية بين أطروحتين: التغيير و المحافظة بأي معنى يمكن اعتبار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، -والتي ستجرى يوم 4 من شتنبر المقبل-، مرحلة جديدة في مغرب اليوم؟ بما تعنيه من تعزيز المسار الديمقراطي/ التنموي ببلادنا؟ وهل من المجازفة التماهي مع الخطاب الرسمي اليوم، في توصيف هذه الاستحقاقات بكونها ثورة متجددة؟ أم على العكس من ذلك، فهذه الاستحقاقات لا تعدو أن تكون نسخة من سابقاتها، وأننا سنعيش في نفس الدائرة المغلقة؟ لا يمكن لأي متتبع موضوعي لمسار التحول الديمقراطي ببلادنا، إلا وأن يشهد بوجود حالة من التغير والتجدد في مجموع النسق السياسي المغربي، بدء من التغيرات التي عرفها الفاعل الرسمي ممثلا في مؤسسة الملكية، والتي تجاوبت بشكل استباقي وغير متوقع مع المطالب المجتمعية والسياسية وعلى رأسها، مطلب تغيير الدستور. والذي يعرف الجميع، ما أصبح يتضمنه من بنود ومبادئ ورؤى، تؤطر لمجتمع ديمقراطي ومؤسساتي وعقلاني. ولعل من بين ما تضمنه الدستور الجديد، هو الصلاحيات الواسعة التي أصبحت تتمتع بها المؤسسات المنتخبة من طرف الشعب، وهي مؤسسة الجهة، كمؤسسة تسهر على تدبير الشأن التنموي على المستوى الجهوي. ولا شك أن أهم ما تضمنه الدستور الحالي، هو نقل العديد من الصلاحيات –التي كان يتمتع بها الولاة- (كالأمر بالصرف) من هؤلاء إلى رؤساء الجهات. ولهذا فنحن نعتقد أن هذا التغيير يعد ثورة حقيقية في مجال نقل السلطات من المخزن إلى الشعب. بمعنى فك الارتباط بين سلطة احتكار التدبير، و التحكم في المؤسسات الشعبية المنتخبة، أو ما كان يعرف في الادبيات السياسية بمفهوم (الوصاية). يضاف إلى ذلك، ما عبر عنه الخطاب الرسمي مؤخرا (خطاب ثورة الملك والشعب) من إرادة عليا في ضمان إنجاح المحطة الانتخابية المقبلة، وذلك في ربط جدلي بين إرساء الجهوية من جهة، واستكمال الأوراش التنموية التي انطلقت ببلادنا، والتي تحتاج لنخب وكوادر منبثقة من الشعب، تضطلع بالمهام التدبيرية الموكلة إليها. وقد كان لافتا في الخطاب الملكي، -وهو يوجهه للأمة، توظيفه للغة بيداغوجية مقنعة وسهلة، تمس العديد من الشرائح الاجتماعية، بهدف تصحيح مجموعة من المفاهيم الخاطئة حول السلوك الانتخابي عند المغاربة، وفي نفس الوقت التأكيد على أهمية، بل حتمية التصويت لأنه بداية التغيير الحقيقي في بلادنا. كل تلك المعطيات السابقة، والتي لم نتوقف إلا على بعض منها، تبين أننا أمام توجه رسمي/ جديد يسعى لا نجاح المسار الانتخابي، بما من شأنه أن يرسي مؤسسات ديمقراطية تتمتع بشرعية انتخابية، وتتولى مهمة التحديث التنموي لمجموع الجهات المغربية. لكن بالمقابل، تنتصب العديد من المعطيات والوقائع التي تبين أن "دار لقمان لا زالت على حالها" وأنه لم يتغير شيء في مسارنا الديمقراطي. فالدستور –رغم أنه أتى بمجموعة من الصلاحيات القوية للمؤسسات المنتخبة وعلى رأسها مؤسسة الوزير الأول-، فإن واقع الحال، يبين أن أغلب الصلاحيات لا زالت محتكرة من قبل المخزن، (قضية الاجهاض مؤخرا، تعيين السفراء والولاة والعمال، القرار بإلحاق مغاربة العالم، بمؤسسات الحكامة التي ستنشأ والتي في طورها للتشكل، محاسبة السفراء و القناصلة الذين تقاعسوا عن مهامهم، المشاركة في الحرب على الحوثييين مؤخرا...) واللائحة طويلة ولا يسعنا استحضار كل المعطيات. وبالموازاة، مع هذه المعطيات التي تؤطر الحياة السياسية في مستواها الكبير، فإن المعطيات الأخرى التي يوظفها من ينظر إلى الاستحقاقات الانتخابية، باعتبارها –ليست سوى آلية من آليات توزيع المغانم على الاحزاب السياسية، ونوع من الريع الانتخابي لا أقل ولا أكثر- هو ما نشهده من جهد للفاعل الرسمي في مباشرة أدق جزئيات التنمية ببلادنا، فحتى الأزقة الصغرى بأحزمة المدن، وبالقرى النائية، -والتي لا يصلها أغلب النخب السياسية- استطاع الفاعل الرسمي أن يزورها، بل أكثر من ذلك، أن يحقق بها مشاريع تنموية تعود بالنفع على هذه الساكنة. ولكي نعطي معنى لهذه الحجة، فإن المتابع لما وقع من تغير في العديد من المدن والقرى المغربية في الخمسة عشر سنة الأخيرة، يلحظ الفرق الكبير. فمثلا مدن الشمال المغربي (طنجة-تطوان- المضيق-شفشاون-الفنيدق)، كيف كانت قبل تولي الملك محمد السادس الملك، وبعد توليه الملك؟ إن الذي حصل في هذه المدن يشبه ثورة حقيقية في المجال التنموي. فلا أحد كان يتصور مآل وحال هذه المدن؟ ولم يكن للفاعلين السياسيين المبادرات النوعية للنهوض بهذه المناطق، لولا الإرادة الملكية التي حسمت في اتجاه خلق قطب صناعي كبير، بطنحة، وأقطاب سياحية بامتياز بباقي المناطق، لبقيت هذه المناطق تقبع في دوامة التهميش؟. و لهذا بدأت تتغير نظرة المواطن المغربي للسياسية وللسياسيين، وأصبح لسان حاله يقول: لا يهمنا لا انتخابات ولا أحزاب سياسية، ما دام الملك هو الذي يقوم بكل شيء. ولهذا بدأنا نسمع العديد من الدعوات في المدن والقرى، تطلب زيارة الملك لها، حتى تتحرر من سجن التخلف والتأخر، لتلتحق بالتنمية والتقدم. إن المعطيات السابقة وغيرها، تعتبر حجة من طرف البعض، في الشك في المسار الديمقراطي ببلادنا، أو على الأقل، اعتباره هشا، أو شكليا. لأنه لا يتجه في اتجاه فرز مؤسسات شعبية قوية تتمتع بكافة الصلاحيات، وعلى رأسها سلطة التدبير القائم على عقد بينها وبين المجتمع، والذي يتأطر بمقتضيات الدستور القائم على مقولة : لا تدبير إلا بمحاسبة، وأن كل من يتحمل سلطة –صغرت أو كبرت- فهو مسؤول أمام الشعب، وأنه لا أحد فوق القانون. ولهذا عندما يتابع المواطن العادي أو المتخصص هذه المجريات، يقول في نفسه: لماذا الانتخابات؟ ولماذا سنشارك فيها؟ وفي مصلحة من؟ نخلص مما سبق ذكره، أن تعامل المواطن المغربي مع الاستحقاقات المقبلة، لا شك وأنه يتأثر بكلا النظرتين، سواء في اتجاه حسم الرأي بوجود إرادة سياسية قوية للتغير، وبالتالي فالمسار الانتخابي ببلادنا، سيتخذ طريقه التي لا رجعة فيها لتركة الماضي، المثقل بالتحكم والتسلط وبالانتهازية. أو في اتجاه الاستسلام لدفوعات المشككين في هذا المسار، و بالتالي دفع العديد من المواطنين من الاحجام عن التصويت والمشاركة في هذه الاستحقاقات المصيرية والمحددة لتاريخ مغرب الغد. وهناك فئة ثالثة، لا تنتسب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والتي نعبر عنها بالفئة الصامتة، نظرا لانها لا تعبر عن رأيها من المسار الديمقراطي ككل، وبشكل خاص في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وهي فئة غير واضحة في مواقفها، وربما تشكل أغلبية المجتمع المغربي، بدليل نسبة العزوف السياسي التي سجلت في الاستحقاقات السابقة، إذ كيف يمكن تفسير العزوف عن التصويت؟ إزاء كل هذه المعطيات، نتساءل هل يمكن التعويل على فاعلية الاحزاب السياسية، وجمعيات المجتمع المدني في إقناع المواطن المغربي بالمسار الانتخابي؟ وبأنه يحمل الجديد لها وللتنمية الجهوية والمحلية؟ ثانيا: الفاعل الحزبي ورهان الاستحقاقات الانتخابية المقبلة (محاولة في التصنيف) لا حاجة لنا للتذكير بمجموعة من الحيثيات، التي تؤكد أن المجتمع المغربي، قد فقد الثقة في العديد من الأحزاب السياسية، ولذلك، مسار سوسيوتاريخي، تنوء هذه المحاولة عن ملامسته ومتابعته. لكن المؤكد، أن دور الاحزاب السياسية في تغيير آراء و تمثلات الناخبين تبقى جد محتشمة، إن لم نجازف بالقول، أنها تكاد تكون منعدمة. لكن هناك مجموعة من العناصر في التحليل، وجب استحضارها، حتى لا نقع في سذاجة تفسيرية ما. إذ الحاصل، أنه رغم وجود شبه طلاق بين العديد من شرائح المجتمع المغربي، والعمل السياسي والحزبي بشكل أكثر دقة، فإن ذلك لا يمنع من وجود فئات أخرى، ترتبط بهذا الحزب أو بالآخر، حسب نوعية الاستراتيجية التي يقيمها الفرد عندما يقرر الانخراط في العمل السياسي. في هذه السياق، يمكن الحديث عن ثلاثة أنماط أو نماذج من التحليل: أولا: وجود أعضاء منخرطين في أحزاب سياسية بشكل طوعي وعن إرادة واعية وبأهداف أيديولوجية، تتبين في الانسجام مع الرؤية الحزبية التغييرية، بل أكثر من ذلك، وجود حالة من التماهي بين الحزب وهؤلاء الأفراد، لدرجة يصعب معها التفكير خارج هذه الرؤية التغييرية أو الاختيار السياسي. وهذا النوع من الأحزاب يكون له من القدرة على التنظيم والتأطير بحيث يستطيع أن يؤثر في العديد من الشرائح بخطابه وبممارساته وبسمعته وبرصيده النضالي. ولا يجب أن نخلص من خلال هذا التوصيف إلى نوع من المثالية لهذا النوع من الأحزاب، بل إنه بدوره يوظف مجموعة من الآليات، خصوصا في خطابه إلى الناخبين، والذي يركز على طهرية واستقامة دينيتن، تارة باسم المعقول، وتارة باسم المصلحين الحقيقيين. ولا نبالغ إذا قلنا، بأن استعمال هذا الخطاب، يعتبر توظيفا غير مشروع للمقدس المشترك بين المغاربة. ثانيا: وجود حالة من الارتباط المصلحي بين الاعضاء والحزب، والتي تتمظهر في عدة حقول، ليست كلها مادية محضة، بل إنها تنحو نحو المصالح الرمزية والتقديرية وتحقيق الذات (بعدما تفشل في تحقيقها في مجالات البحث العلمي والمالي وغيرها). لكن قوة هذا النموذج الحزبي تظهر في مدى استمالة الناخبين بمجموعة من الإغراءات المادية وحتى الرمزية، والتي تتمظهر في وجود شبكات من الأتباع الذين يدورون في فلك الحزب ويقتاتون من جراء الريع الحزبي . وهذا النوع عندما يستعمل إما المال أو بعض الاغراءات الأخرى، (كالتوظيف وضمان مصدر للعيش، قضاء أغراض إدارية...) وقد يحقق نتائج ايجابية في الاستحقاقات الانتخابية. و للإشارة فقد تولدت ثقافة سياسية عند بعض الفئات المجتمعية والتي تأثرت بهذا النوع من الأحزاب. وهو ما يمكن أن نطلق عليه "هابيتوس" السلوك الانتخابي عند بعض المغاربة، والذي يقيم استراتيجية نفعية من وراء تصويته. ثالثا: وجود نوعية من الأحزاب التي تزاوج بين كلا النمطين السابقين، والتي تتخذ لها رؤية تغييرية (كالأولى) ولهذا نجد مناضلين سياسيين يتشبثون بمبادئ الحزب ويدافعون عنها بشكل مستميت. لكن بالمقابل، نجد في ذات الحزب أعضاء التحقوا به، لكونهم يبحثون عن تحقيق مصالحهم المادية والرمزية، بعدما بعدت عليهم الشقة، ومنهم من ذاق السجن ولم يحقق شيئا من العمل السياسي، سوى الفقر و التبهديل والسجن. لكن كيف يمكن لهؤلاء التأثير في سلوك المواطن للتصويت عليهم؟ إنهم يستعملون الوسائل المعقولة وغير المعقولة في استمالة الناخبين، فالوسائل المعقولة، تدخل في الاقناع ببرنامجه (رغم أن لغة البرامج ليست ثقافة مغربية في الانتخابات)، أو برؤيته في التغيير، أو بأسلوبه في التدبير، أو في قدرته على اختراق مجموعة من الشرائح المجتمعة أو الكتل الانتخابية، -كالأعيان الجدد الذين يطمحون للمحافظة على مصالحهم الحيوية بالانضمام إلى هذا الحزب-، أو بعض الشرائح التي لم يعد يستهويها الخطاب الايديولوجي سواء في صيغته الاسلاموية أو حتى الاشتراكية، بل إنها تبحث عن خطاب براغماتي عملي يتقلب مع كل الإديولوجيات. ولا يجب أن نتغافل عن كون هذا النموذج الحزبي، بدوره يمكن لنفسه بانتهاج أساليب غير مشروعة، سواء باستعمال المال الانتخابي، أو بتوريط بعض رجال السلطة في خدمة حملته الانتخابية، أو حتى باستمالة بعض الحساسيات الاثنية. أو حتى بايهام بعض الفئات المجتمعية أنه يخدم مصالحها وأته سيدافع عنها، -رغم ان هذه الفئة تتاجر في الممنوعات- ولعل هذا أخطر سلاح يمكن أن يوظف في الحملات الانتخابية. يجب أن ننسى أن لكل نموذج من النماذج الثلاث، روافد جمعوية وطلابية ونقابية ودعوية وإعلامية، تقوم بدور الداعم للحزب في كل "معاركه" بما فيها الاستحقاقات الانتخابية، وفي هذا الصدد، يمكن القول أن هناك خصوصيات تميز كل نموذج على حدة. فإذا كان النموذج الحزبي الأول، يوظف بذكاء وحنكة عاليتين، الأذرع الدعوية والطلابية و الجمعوية بشكل كبير، فإن النموذج الثالث يتوفوق على النموذج الأول، باستخدامه القوي والنافذ للأذرع الاعلامية التابعة له، والتي لا ترتهن لمحطة الانتخابات، بل إنها تستغل بشكل دائم ويومي ومستمر. بينما النموذج الثالث، يقتصر على الأذرع الجمعوية، وهي على العموم تبقى تقليدية في آلياتها. ثالثا: الفاعل الجديد، الفيسبوكيون ودورهم في الاستحقاقات المقبلة بدون شك، فإن عالم الانترنيت، أصبح يشكل ثورة حقيقية في كل المجتمعات، أحدث تغيرات عميقة في كل شرائح المجتمع ، لكن بصفة خاصة لدى فئة الشباب المتعلم والحضري ، لأن استعمال هذه الأدوات لا زال مقتصرا على الفئات المتعلمة، وبشكل جزئي على بقية الفئات . إلا أن أهم شيء يمكن تسجيله في هذا المسار الذي واكب عملية ذيوع الإنترنيت وسط شرائح كبيرة من المجتمع، هو تملكها لجزء من السلطة التي كانت محتكرة في يد نخبة مهيمنة، والتي كانت تستفرد بالسلطة والثروة والمعرفة والقيم. لكن مع هذا التحول استطاع الفرد العادي والبسيط أن يكون له صوت يسمع ومنبر يتكلم من خلاله وجمهور يتواصل معه. بمعنى آخر لقد تم تجاوز الأحزاب الكلاسيكية في مجموعة من الآليات. ومن خلال هذه الآلية( امتلاك جزء من السلطة)، وبحكم توفر شروط موضوعية، كالموجه الديمقراطية التي عمت كل بقاع الأرض، بدأت التكنولوجيا، ومنها النيت، يوظف من قبل الشباب ليس في "الشاط" كما كنا نعتقد، بل حتى في القضايا السياسية والحقوقية والمصيرية للمجتمع. وقد تنامى مع هذه التحولات، ارتفاع منسوب الوعي السياسي لدى شريحة الشباب. فشباب اليوم لم يعودوا مجرد أرقام، بل أصبحوا ذوات فاعلة. و معنى ذلك أن الشباب أصبحوا مؤثرين في صيرورة القرار، إذ انتقلت مطالبهم من مجرد توفير بعض المطالب المادية، إلى مطالب وتطلعات ذات أبعاد سياسية. ولعل أهم ما نتج عن هذه الثورة التكنولوجية، هو ما تنبأ به الباحث "ألفن توفلر(1980)"، عندما أقر بأن العصر الحالي، سيشهد انقلابا في السلطة بشكل مدهش، قائلا: " «يشير إلى أن العالم سوف يتحول من الديمقراطية التي ننتخب فيها ممثلين عنا والتي قادتنا إلى ديمقراطية جزئية أو شبه مباشرة، إلى صيغة جديدة أفرزتها ثورة الاتصالات، وهي التي نمثل فيها أنفسنا، وهي ديمقراطية لا تعتمد على الثقافة، ولا على الانتماء الطبقي، ولا على شجاعة الحروب، ولا الخطابة ولا الادارة السياسية بقدر ما تعتمد على قرار الاغلبية الاجتماعية ومشاركتها في اتخاذ القرار». إن هذه القراءة الاستشرافية، لمجتمع الموجة الثالثة، ينبئ عن قدرة عالية في قراءة الأوضاع، فليس بخاف على أحد تراجع الثقة في الأحزاب الكلاسيكية، وكيف أصبحت مكانتها في ظل التنافس الشرس الذي يلعبه الفاعلون الجدد في الساحة الفضائية، التي تعد أكثر تفاعلا، وأكثر تماهيا مع لغة الشباب، وتطلعاتهم وطموحاتهم (سواء الحقيقية أو الوهمية)، المهم أن الوسيط الاعلامي (الشبكات الاجتماعية) أصبحت تلعب دورا محوريا في عملية التغيير. و لهذا سنشهد حضورا قويا لهذا الفاعل في الحملات الانتخابية بشكل كبير، ومن يستطيع توظيف هذا الفاعل المؤثر والنافذ –لا محالة- سيحقق نتائج على أرض الواقع. ولهذا فنحن لا نشك في اشتداد التنافس بين الأحزاب السياسية، على استمالة هذا الفاعل إلى جانبها. رابعا: في السيناريوهات المحتملة ليس من اليسير التقدم في رسم سيناريوهات محتملة للخريطة السياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة، لأن الواقع المغربي-نظرا لغموضه ونظرا لضعف الثقافة السياسية في المجتمع- فإن يصعب الحسم في اتجاه معين، يعد مسألة جد مستعصية. لكن المؤكد أن الصراع سيكون مشتدا بين طرفين رئيسين: العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، فهما الطرفان القويان في اللعبة. لكونهما يتمتعان بمجموعة من المقومات، فالحزب الأول، له رصيد نضالي محترم، وله تجربة حكم فيها من الجوانب المشرقة الشيء الكثير، وله قاعدة حزبية وروافد دعوية جد منظمة ومنضبطة، وتشتغل كخلايا النحل، وأكثر من ذلك لها مصداقية أخلاقية تجعل الناخبين يتماهون معها-. وبجانب ذلك يتمتع الحزب بوجود شخصية (الأمين العام، السيد عبد الاله ان كيران) لها كاريزما سياسية جد مؤثرة، وتحسن التواصل مع المجتمع المغربي. هذا علاوة، على توفر الحزب على شبيبة نشطة، وتتملك الآليات التكنولوجية الحديثة، والتي يمكن أن تؤثر في النتائج النهائية لصالح هذا الحزب. ولا ننسى أن فوز هذا الحزب بالمرتبة الأولى في هذه الاستحقاقات، سيكون جوابا سياسيا من المجتمع المغربي، للتشبث بخيار العدالة والتنمية، وثانيا، سيعزز من موقع تجربة الاسلاميين في الحكم، وبشكل أكبر سيشكل حالة استثنائية في الوطن العربي. بالمقابل، يتمتع حزب الأصالة والمعاصرة، بتوفره على مجموعة من النخب والأعيان الجدد (هذا التوصيف، نستعمله للدلالة على مفهوم جديد، لا يقطع مع المفهوم المتداول، لكنه يستبطن خلفيات الأول، مع إضافات جديدة، تتمثل في وجود فئة من المنعشين العقاريين وذوي المشاريع الكبرى، والذين يبحثون عن تغطية سياسية يحافظون بها على مصالحهم)، وعلى فئة من الأطر وبعض النافذين في السلطة وفي وسائل الاعلام، والذين يتحركون بمجموعة من الحوافز، فيما هو إديولوجي، حيث يقدمون أنفسهم كممثلين للمشروع المجتمعي الحداثي العلماني في مواجهة قوى المحافظة والرجعية، وهناك الذين يتحركون بدوافع محض مادية ورمزية، كالحصول على مواقع في السلطة. وينضاف إلى هذه الخصائص المميزة لهذا الحزب، امتلاكه لأذرع إعلامية قوية نافذة ومؤثرة في رأي المواطن. وهناك جانب من قوة هذا الحزب، هو قدرته على تغطية كبيرة لكافة الدوائر بما فيها تلك التي تقع في القرى النائية وبعض المناطقة الصحراوية التي لا يتوفر فيها العدالة والتنمية على مرشحين. ولا يجب أن ننسى أن فوز هذا الحزب بالمرتبة الأولى، سيعيدنا إلى مرحلة ما قبل الربيع المغربي (مرحلة ما قبل ظهور حركة 20 فبراير)، وبالتالي، ستطرح العديد من الاشكالات الجوهرية على المسار الديمقراطي ببلادنا. وبين هذين الحزبين الرئيسين في اللعبة، هناك الأحزاب الأخرى، خصوصا حزب الاستقلال، الذي –ربما- يحافظ على نتائجه السابقة، وقد يحقق بعض التقدم في مناطقه التقليدية، كالمناطق الصحراوية وفي بعض المدن المغربية، ذات الارث الاستقلالي. أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فتبدو حظوظه جد محتشمة في هذه الاستحقاقات، نظرا لاعتبارات موضوعية وذاتية، يصعب –من الناحية المنهجية- بسطها في هذا المقال. وبطبيعة الحال، ونظرا لطبيعة التصويت في الانتخابات المحلية، والتي يكون فيها الشخص خاضرا بقوة في العملية الانتخابية، فإن الأحزاب السياسية الأخرى، المشاركة في العملية، ستحظى بدون شك بمقاعد، تجعلها تكون رقما صعبا في تشكيل المجالس الجهوية و المحلية. ختاما، نعتقد، أن المغرب –بالرغم من كل العوائق التي ذكرناها والتي تشكل محكا حقيقيا في اتجاه التقدم في المسار الديمقراطي-، فإن الاستمرار في الخيار الديموقراطي بما يعينه من فرز مؤسسات سياسية شرعية ومنتخبة من طرف الشعب، يعد في نظرنا جوابا قاطعا على أننا لم نخطئ الطريق، وأن المغرب، في اتجاهه نحو مزيد من ترسيخ قيم الديمقراطية، وإن بدا أن هذا المسار فيه ملاحظات كثيرة، فإنه يبني مسارا ديناميا حيويا للمجتمع وللتنمية بشكل أوسع، إذ الديمقراطية ليست حالة مثالية وناجزة، (ولهذا لا تعتد كل المقارنات التي يحاول البعض إقامتها بين المسار الديمقراطي بالمغرب وغيره)، بل هي سيرورة ومسار طويل وشاق ومكلف.