منذ أن حقق حزب العدالة والتنمية انتقاله النوعي سنة 2002 بحصوله على 42 مقعدا برلمانيا، وبروزه كقوة سياسية صاعدة وواعدة لم يتوقف العدوان على كيانه ومناضليه. الغاية كانت دائما واحدة: ضرب الصورة، وتحجيم الحضور في أفق التهميش والإضعاف! أما الأساليب، فلم تكن أبدا لا سياسية ولا مقبولة في إطار مقتضيات التنافس الديمقراطي وقواعد دولة المؤسسات. لقد كانت بالفعل ودائما أساليب ينتج عنها جرائم يمكن تسميتها ب"جرائم ضد الديمقراطية" (هناك حاجة ملحة اليوم، وعلى غرار "جرائم ضد الإنسانية"، إلى أن تتخصص منظمات وطنية ودولية في هذا النوع من الجرائم السياسية، فتقوم بتدقيق مفهومها العلمي وتصنيفها وجردها، ووصف وتحديد طرق الملاحقة الوطنية والدولية لمرتكبيها وما يتصلُ بها من أشكال الحماية المطلوبة، وتبيان حُدُود الجريمة والعقاب!!) أولى الجرائم كانت سنة 2003 عقب أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، حيث عُرِفت بعض أدوات تنفيذ هذه الأحداث، ولم تُعرف إلى اليوم الجهة الحقيقية المدبرة لها، والتي التزم بشأنها وزير الداخلية الأسبق مصطفى الساهل، وهو يخاطب البرلمانيين بالقاعة المغربية بمجلس النواب، قائلا: سأعود بعد انتهاء التحقيقات لأطلعكم على تفاصيل هذه الجريمة النكراء، وعلى الجهات المدبرة لها.. للأسف لم يعد الوزير ليفي بوعده لنواب الشعب! هذه الجريمة الإرهابية وفرت المناخ الملائم للمافيا السياسية الاستئصالية المُنْدَسَّة في بعض المؤسسات الأمنية والحزبية لارتكاب أولى جرائمها ضد الديمقراطية في العهد الجديد من خلال استهداف حزب العدالة والتنمية بشكل عنيف ومُبَيَّت، حيث تمت المطالبة بحله تحت ذريعة "المسؤولية المعنوية" التي تم ابتداعها لتحقيق مآرب سياسية كانت أولى ثمارها إضعاف الحزب في الانتخابات الجماعية لسنة 2003، وتسخير الإدارة للحيلولة دون تعزيز حضوره في تدبير الشأن المحلي، وفي الغرفة الثانية تحديدا. تواصلت بعد 16 ماي 2003 لائحة الاستهدافات التي لم تنل من شعبية الحزب وصورته العامة لدى غالبية شرائح الشعب المغربي، فجاءت جميع استطلاعات الرأي تبوؤه الرتبة الأولى في استحقاقات 2007 التشريعية. فانتزع الحزب 46 مقعدا برلمانيا في الولاية التشريعية الثامنة، لكن "جريمة ناعمة" ارتكبت هذه المرة وتم حرمانه من الرتبة الأولى بتهريب ما لا يقل عن 10 مقاعد لفائدة أحزاب أخرى حتى يُحشر في المعارضة وتتألف الأغلبية التي تروق لأصحاب المصالح ودوائر النفوذ الخارجية والداخلية، وليس للشعب طبعا. لم تفلح هذه الأساليب كلها في وقف مسيرة العدالة والتنمية وتألق صورته وتنامي شعبيته، فكان لابد من جرائم أخرى تحقق المطلوب، فجاء الدور على رؤساء بعض الجماعات القليلة التي انتزعها الحزب بعد جريمة 2003، وتم اصطناع ملفات اصطناعا أو تضخيم بعض أخطاء التدبير التي لا يسلم منها رئيس جماعة، فكانت مكناس هي هدف المرحلة، لأنها الأكبر، ولأن نجاح الحزب في تسيير شؤونها لا يروق للمافيا السياسية المعلومة. تمت التغطية الإعلامية لهذا النزوع العدواني ضد الحزب، ووصل الأمر حد تلاوة بلاغات ضد الرئيس بلكورة وأغلبيته في القناة الثانية! تأكد لصناع القرار في دائرة المافيا السياسية أن الأحزاب السياسية الحالية، التي تم تبخيس دورها وتهشيم استقلاليتها، لم تعد قادرة على وقف تقدم حزب العدالة والتنمية، وأن بديلا جديدا من طينة أخرى هو الأقدر والأجدر.. بضربة لازب، تم اصطناع حزب سلطوي جديد تحضيرا لمحطات 2009 الجماعية و2012 التشريعية.. حزب ولد وفي فمه ملاعق الذهب، وتحت تصرفه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في هذا المجال: برلمانيون ورؤساء جماعات وهياكل أحزاب، وعمال وولاة ورجال أعمال ورياضيون، وأشباه فنانين ومثقفين وإعلاميين، وقضاء واقف وجالس ومُقْعد! هذا "الحزب المعارض للديمقراطية" سيتولى تنفيذ الشوط الثاني من سلسلة "الجرائم ضد الديمقراطية" مباشرة بعد ولادته: ترحيل وترحال وفِرق برلمانية كَمِّية تحت الطلب.. كتلتان برلمانيتان خاملتان إلا من بعض الضجيج في الغرفتين.. سطو على رئاسة غرفة برلمانية.. تدبير انقلاب وإطاحة برئيس حزب.. اغتصاب للإرادة الشعبية في طنجة.. عنف وبلطجة في انتخاب مكتب المجلس الجماعي لوجدة.. تهريب وإرهاب معنوي للمنتخبين في الرباط والدار البيضاءوسلا وبني ملال وتمارة... واللائحة تطول! في غمرة هذه الردة الخطيرة، اصطدم الحزب السلطوي بمقاومة صلبة لمناضلي العدالة والتنمية وكثير من شرفاء الأحزاب الوطنية الذين خاضوا معارك شرسة ضد ترهيب الإدارة وتعليماتها ورفضوا عودة المغرب إلى عهد الخوف والانقلاب على مكتسبات المسلسل الديمقراطي الناشئ والهش.. تمت بهدلة رؤساء أحزاب وولاة ورجال قضاء ومنتخبين من الذين سمعوا مباشرة أو عبر سماعات هواتفهم تهديدات وتعليمات من أفراد هذه المافيا السياسية الجديدة المندلعة في جسد المغرب كالسرطان، والعابثة بمصيره وبدولة المؤسسات. أخطر جرائم هذه المافيا المصابة بغرور السلطة والتهور والعمى السياسي ما حصل في أحداث العيون: فتنة عارمة أزهقت أرواحا، وخسر المغاربة بسببها عقودا من التضحيات من أجل صد الانفصال وصيانة وحدته الترابية والوطنية. مع اقتراب 2012 كان لابد أن يتم تنفيذ الأجندة الإجرامية ضد الديمقراطية بإيقاع أعلى وأهداف أكبر. هذه المرة تم اختيار الهدف من عيار ثقيل تكون مادته دسمة ومنهكة للحزب وشاغلة للرأي العام إلى أن تضع حرب 2012 أوزارها، ويَلْعن الناس وِزْرَها ووُزراءها!.. فتم اختيار مدينة سلا التي استعصت أغلبيتها المنسجمة والواسعة على إرهاب المافيا السياسية.. أما الرجل، فليس سوى الرئيس جامع المعتصم.. هذا العصامي النبيل.. عضو الأمانة العامة للحزب الذي كان لمدة 12 سنة متصلةً أُمَّةً وشامةً في مجلس المستشارين، ول6 سنوات نائبا متألقا للعمدة في سلا ورئيسا لمقاطعة تابريكت.. هذا الفارس الهادئ الذي هزم العقول الصغيرة النَّزِقَةَ المدبرة للمافيا السياسية في معركة تشكيل مكتب مجلس المدينة ومكاتب مقاطعاتها.. هزمها مع ثلة من الشرفاء الرافضين للمهانة وسيطرة الفساد.. هزموها وهي مدججة بتسخيرها الحقير لرموز الدولة ومؤسساتها قبل أن يعودوا اليوم للثأر بحقارة جديدة وتسخير جديد لمؤسسات جديدة وأساليب جديدة لا تخرج عن الأساليب المعتمدة في ارتكاب الجرائم ضد الديمقراطية: شكايات كيدية.. رموز فساد داعمة.. إعلام مأجور يُبَيِّض صحائف المفسدين ويتهم الشرفاء، وجاهز لتغطية مشاهد الجريمة.. وقضاء يثير الشفقة! إن المناسبة سانحة اليوم لكي نقول لكل من يعنيه الأمر، وبثقة عالية، ما يلي: - إننا واثقون أن العمى السياسي الذي قاد المافيا السياسية للحزب السلطوي الجديد إلى المواجهة الخاسرة لحزب الاستقلال بالتورط في أحداث العيون.. هو ذاته العمى الذي يقودها إلى خوض معارك خاسرة ضد حزب العدالة والتنمية، وضد الديمقراطية في كل ربوع الوطن، وفي معركة سلا اليوم تحديدا. - إن أحداث تونس وثورة شعبها العظيم أكدت أن "حزب الدولة" لا مستقبل له على الإطلاق.. وأنه خطر حقيقي ومؤكد، وجريمة ضد الديمقراطية يجب القطع معها، وتخليص الوطن منها وبشكل نهائي.. حتى نجنب البلاد والعباد ما لا تحمد عقباه في مستقبل الأيام. وهو ما يعني مباشرة، وبوضوح، أن هناك حاجة مستعجلة وملحة ل"تطبيع" وضعية الحزب السلطوي الجديد، وذلك بفصله عن مؤسسات الدولة، ووضعه تحت رقابة القانون وفي حالة تكافؤ الفرص مع بقية الأحزاب.. ساعتها سنرى أجرّار تحته أم حمار؟! - إن الأحزاب السياسية وعموم الهيآت المدنية الحرة والمستقلة مدعوة اليوم إلى فتح نقاش عمومي شجاع وقوي حول ظاهرة "حزب الدولة" وخطره على الديمقراطية، وتقييم "حصيلة بلطجته" و"نموذجه الأمني"، والقيام بما يلزم من المبادرات السياسية والثقافية، وخوض ما يجب من المعارك النضالية لتوطيد الحريات وتعزيز البناء الديمقراطي لبلدنا، وجعل مؤسسات الدولة على مسافة واحدة من كل المواطنين، أفرادا وجماعات وهيآت. - إننا مضطرون مجددا أن نثق في القضاء رغم أن تاريخ المحاكمات السياسية في وطننا يؤكد أنها لم تكن دائما لا مشرفة ولا نزيهة ولا مستقلة (آخرها محاكمة المناضل العبادلة ماء العينين ومسؤولي حزب البديل الحضاري وحزب الأمة).. هذه الثقة مردها إلى أن بعض رجالاته، بين الفينة والأخرى، يثبتون أنهم ككل الشرفاء في هذا الوطن لا ينهزمون في اللحظات الحرجة. بكلمة، ما نحن واثقون منه أن محاكمة المناضل الشريف جامع المعتصم ورفاقه المظلومون.. وحتى سجنهم ظلما وعدوانا، ستكون محاكمة صاخبة للفساد ورموزه في سلا، وللمافيا السياسية التي دبرت هذا العبث الجديد.. كما ستكون وقودا جديدا لتعزيز وتوسيع وتصعيد دائرة الرفض الشعبي الشامل للعبث بمستقبل المغرب وتسخير مؤسساته لخدمة الجريمة المنظمة ضد الديمقراطية! فحي على النضال.. ول"عصابة سراق الديمقراطية" نقول: كفى عبثا !! *عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية