جموع تنتظر قدوم القطار.. موظفون، أساتذة، أسر، عمال، وطلبة.. تنطلق النغمة المعهودة من مكبرات الصوت التي ثبته المكتب الوطني للسكك الحديدية ONCF بعدد من الأماكن وسط المحطّة.. فتترقب الجُموع الكلمات التي تليها لتعلن عن قدوم القطار أو تأخره. "سيداتي، سادتي انتباه من فضلكم"..هنا تبدأ الجموع بالتأفف: "عمّركم تجيوْ فالوقت"، "الترانات د المغرب"، "الحاجة لي ماتشبه مولاها حرام".. تتعدد التعبيرات والتذمر واحد.. وتبدأ الحوارات الثنائية والجماعية بين الغرباء في محطة القطار، كل يدلي بدلوه في التعبير عن السخط عن خدمة النقل السككي بالمغرب.. قطارات تبدأ تأخراتها من ربع ساعة لتصل في بعض الأوقات إلى ثلاث ساعات كاملة. وقد يبتسم القدر للمنتظرين فيسمعون بعد النغمة المعهودة : "سيداتي سادتي القطار القادم من.. و المتوجه إلى.. يدخل المحطّة بعد قليل.."، فيستعدون للركوب بحمل حقائبهم و الاقتراب من جوانب السكة.. أو الابتعاد عنها. تختلف تصرّفات المسافرين بين ساعات الذروة وأيام العطل، وبين الأيام والأوقات العادية، كما تختلف كذلك باختلاف المحطات و الوجهات.. فيكون من المعهود رؤية التسابق على أبواب القطارات والتدافع بين المسافرين المتوجهين للوجهات البعيدة، أو خلال أيام العطل وساعات الذروة.. حتى إذا دخل الركاب بدأوا فصلا آخر من حكاية "القطار المغربي" التي لا تسر كثيرا. ففي الدرجة الأقل راحة، يُتم الركاب شكواهم و تأففهم في الغالب: الاكتظاظ، غياب التكييف أو تشغيله في الليل، نظافة دورات المياه، التوقفات غير المبررة، تقادم تجهيزات القطار.. حوارات في الدرجة الثانية من "قطارات الخليع" تتلخص في عدم الرضا و السخط و التعبير عن الاضطرار الذي يدفع الإنسان لاستعمال هذه الوسيلة في وضعيات كثيرا ما تكون "غير إنسانية".. فقطاراتنا قد تعرف تأخرات بالساعات، تعيق الالتحاق بمواعيد مهمة وحصص دراسية وتجمعات وحفلات عائلية، كما أن دفع التعريفات الكاملة للرحلة لا يعني ضمان مكان جلوس بعربات الدرجة الثانية، بل فقط ضمانا للنقل من مدينة لأخرى في فترة زمنية غير محددة بدقة. ويضيف بعض المسافرين أن الفئات الأكثر تضررا هم المسنون و النساء والأطفال.. فكثيرا ما تجد نسوة و شابات اضطررن لاستعمال القطارات في وضعيات لا تحترم أنوثتهن، ومع بعض الركاب الذين يستغلون الاكتظاظ في جرائم أقلها سوءا السرقة.. وكل المحنة للأطفال وكبار السن الذين لا تسعفهم القوة الجسدية في إتمام رحلات طويلة دون التوفر على مقعد. ويرى أيوب، وهو طالب، أن القطار لا يوفر أبسط شروط الراحة التي توفرها الحافلات متوسطة الثمن.. فسوء الخدمة و التوقفات غير المبررة و التأخرات والإكتظاظ، كلها صفات أصبحت تسم خدمة القطارات بالمغرب.. و في عيد الفطر للسنة الماضية توقف القطار يوم الاحتفاء، لمدة تزيد عن 40 دقيقة، خارج مدينة طنجة دون أدنى اعتذار أو اخبار.. ليتم كلامه ب"الله ياخذ الحق". بينما يرى يوسف، وهو أيضا طالب، أن خدمة القطارات في المغرب، رغم سوءها، إتبقى أحسن من المواصلات العمومية الأخرى.. مضيفًا أن "تأخر القطارات أصبح هو القاعدة، بينما قدوم القطار في وقته المحدد يبقى هو الاستثناء لدى المواظبين على التنقل سككيا". ويرى جواد، الذي يعمل أستاذا، أن ثمن التذاكر لا يتلاءم إطلاقا مع الخدمة المقدمة.. مضيفًا أن من يستعمل القطارات بشكل يومي كي يقصد فضاء عمله يعرف أن الخدمة التي يقدمها المكتب الوطني للسكك الحديدية "لا تحترم المواطن المغربي" وفق تعبيره. بينما سردت فاطمة الزهراء، وهي طالبة، تجربتها مع القطارات و مرتاديها بالإنطلاق من تدني الخدمة، حسب تعبيرها، و الإكتظاظ الذي تستشري وسطه أعمال السرقة وممارسات تحرش، وإن كان هذا "'لا ينفي الروح التآلفية والأخوية بين المغاربة" على حد قولها. و سردت فاطمة الزهراء إحدى تجاربها مع القطارات وهي تكشف أن مضي تأخر يزيد عن ساعتين، وتغييرها للقطار خارج مدينة سيدي يحيى بعد العاشرة ليلا في جو غير آمن، أفلحت في الوصول لوجهتها، لكن وفودها متأخرة جعلها تجد مقر السكن الداخلي حيث تقيم مغلقا بسبب التوقيت الليليّ المتأخر، وقد ترتب عن ذلك توتر مع والديها ومشاكل مع المسؤولي الإداريين عن مقر استقرارها كطالبة. من جهة أخرى يرى مسؤولو المكتب الوطني للسكك الحديدية أنه بالرغم وجود بعض المشاكل على مستوى الخدمات الخطوط إلا أن القطارات تبقى حاصلة على رضا شرائح كبيرة من مستعمليها.. فقد أكد محمد ربيع الخليع، المدير العام للONCF، أن 75 في المئة من المسافرين راضون عن الخدمة التي تتوفر على مستوى قطارات البلاد. هذا التصريح الذي أدلى به الخليع خلال تقديمه حصيلة التزام الONCF بعقد البرنامج الذي يجمعه بالدولة، والممتد على الفترة ما بين 2010 و 2015، خلف جوا من الاستياء لدى مرتادين للقطارات من وسط بعض صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.. فيما أشاد المدير العام للمؤسسة برقم المعاملات الذي بلغت قيمته 1.45 مليار درهم، و كذا عدد مستقلي القطارات الذي ارتفع بنسبة 4 في المائة خلال السنة الماضية لينتقل من 38 مليون مسافر في 2013 إلى 3905 مليون مسافر في 2014. وفي اتصال لهسبريس بمصلحة زبناء المكتب الوطني للسكك الحديدية أشارت هذه الأخيرة إلى أن وظيفتها لا تتعدى الإجابة عن استفسارات المواطنين، و إيصال الشكايات لإدارة المكتب.. و عن مآل هذه الشكايات نفت المصلحة مسؤوليتها عنها و ذكرت بأن دورها "تواصلي صرف". سعيد شنديد، مدير الإستراتيجية و التواصل للمكتب الوطني للسكك الحديدية، نفى أن يكون المكتب غير مهتم بمصلحة المواطنين، وضمن تصريحه لهسبريس أشار إلى مجموعة من التجديدات و التغييرات التي تطرأ خلال فترات الذروة وأيام الأعياد، وهي التي تهدف لتجويد الخدمة و تحسين ظروف تنقل المواطنين. واستشهد شنديد في هذا السياق بمجموعة من المنشورات و البلاغات و الإحصاءات التي يوفرها المكتب الوطني للسكك الحديدية على موقعه الإلكتروني.. و أضاف أنها: "تحتوي على المعلومات الكافية ليدرك المواطن المجهودات المبذولة من طرف المكتب و أجهزته و شركائه". * طالب صحافي