أسابيع فقط بعد إنهاء عملية "كرامة"، التي جرى من خلالها تحرير نزلاء "بويا عمر" تحت إشراف وزارة الصحة، واستقبال مستشفيات البلاد ل795 منهم، تعالت أصوات نقابية داخل القطاع تحذر الحكومة مما رصدته من مشكل تشرد المرضى العقليين، خاصة في ظل عدم توفر عدد من المستشفيات على مصلحة الأمراض العقلية المختصة. إحدى تلك الأصوات تمثلت في النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام التي دعت الحكومة إلى إيجاد حل فوري ودائم ل"نزلاء بويا عمر" ممن جرى توزيعهم على مستشفيات المغرب والمصالح الطبية الخاصة بالطب النفسي، مشددة على أن الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الصحة "إنسانية لا يمكن إلا أن نشجعها لو تم تحضير شروط العلاج والإقامة من أسرة وأطباء نفسيين والحفاظ على سلامة وحرمة النزلاء العاديين". وترى الهيئة ذاتها، وفق بلاغ توصلت به هسبريس، أن عملية "كرامة"لم تتوقف عند إنشاء مراكز إيواء خاصة بالأمراض العقلية المزمنة، مشيرة إلى أن عددا من المستشفيات تفتقد حتى للأطباء النفسانيين، متهمة وزارة الصحة بترويع النزلاء العاديين وجعل العملية برمتها "إحدى الفقاعات التي عودنا عليها الوزير" بحسب اللغة التي تضمنها البلاغ. كرامة المريض العقلي، من منظور النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، تقتضي إيواء وعلاج آلاف المرضى العقليين المتشردين في شوارع مختلف مدن المغرب في صورة تحط من كرامة الانسان، فيما دعت مقابل ذلك الهيئات الحقوقية إلى رصد وفضح المعانات الإنسانية التي يعيشها المرضى العقليين وذويهم، محذرة من تمرير أي قانون يحد من استقلالية القرار الطبي للأطباء النفسانيين. وضمنت النقابة المذكورة تقريرا يهم مقاربتها لما وصفته ب"المعالجة الطبيعية لظاهرة المرضى النفسانيين في المغرب"، والتي لا تتم وفقها عبر عملية ترحيل جماعي بل بتكاثف جهود كل القطاعات الوزارية مع دراسة علاقة هاته الظاهرة بالحاجات الفكرية والسياسية والاقتصادية وكذا النفسية والتربوية الاجتماعية. ودعت النقابة إلى "طبيب نفسي مجاني" في كل المدن المغربية، محيلة إلى الإحصاءات الرسمية التي تؤكد أن المغرب لا يتوفر سوى على 197 طبيبا نفسيا و753 ممرضا مختصا، مشددة على أن علاج الأمراض العقلية تتوقف عند ربطها بمعالجة مسببات تماشي قطاعات المجتمع الفقيرة والمعزولة والمهمشة والمقهورة مع هذه الظواهر الاجتماعية. إلى ذلك، وبالموازاة مع كشف وزير الصحة الحسين الوردي عن مشروع قانون يتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وحقوق مرضاها في مستشفيات المملكة، قالت النقابة ذاتها إن غالبية المؤسسات الاستشفائية تعيش حالة مزرية من حيث هندستها وبناياتها وتجهيزاتها ومرافقها الصحية، مضيفة أن الأمر يصل لدرجة عدم مراعاة شروط المراقبة والسلامة، وضعف الطاقة الإيوائية لهذه المؤسسات، وعدم تكافؤ توزيعها الجغرافي والخصاص المهول في عدد الأطباء والممرضين والممرضات.. وفق تعبير ذات التنظيم النقابي الصحي.