موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل من حق مجلس المستشارين أن يتداول بالأسبقية في مشاريع القوانين التنظيمية؟
نشر في هسبريس يوم 12 - 07 - 2015

منذ دخول الوثيقة الدستورية لسنة 2011 حيز التنفيذ، ثارت العديد من الإشكالات الدستورية الناتجة عن عدم دقة ووضوح فصوله، كما ثارت في شأنها العديد من النقاشات الفقهية والأكاديمية، ومن بين الأمور والقضايا البارزة في هذا الصدد تلك المتعلقة بالتأويل الدستوري الصحيح للفصول المؤطرة للعملية التشريعية وللغاية الدستورية التي تغياها المشرع أثناء صياغته لأحكام الدستور. وما دام أن هذه النقاشات والتأويلات تظل تأويلات غير أصيلة بعبارة "هانس كلسن وميشيل تروبير"، فلا يمكن أن تكون فاعلة ما دامت لم تصدر من جهة تملك حق تفسير النصوص الدستورية والتي يأتي على رأسها القضاء الدستوري الذي يملك حق حماية نصوص الدستور من أي سلوك قد ينزاغ بها عن مقاصدها الحقيقة.
وفي هذا السياق الذي نحن بصدد الحديث فيه، أصدر المجلس الدستوري مؤخرا ثلاثة قرارات(66-67-68/2015) حول القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية الواردة في الفصل 146 من الدستور، بعد انتظار طويل وبعد طول الفترة الانتقالية التي قضاها مجلس المستشارين خارج إطار دستور 2011، والتي حاول من خلالها القاضي الدستوري أن ينتزع من مجلس المستشارين أحقيته في أن تداع لدى مكتبه مشاريع القوانين التنظيمية الثلاثة(الجهات-الجماعات-العمالات والأقاليم)، عندما استند إلى حجج لا يمكن أن تشفي غليل أي باحث مبتدئ.
الأمر الذي جعلنا نتساءل هل كان المجلس الدستوري على صواب؟ وهل حقا هذا هو المقصد الدستوري الذي تغياه المشرع من نصوص الدستور؟ وقبل أن نجيب عن هذه الأسئلة فإن الأمر يستدعي بنا أن نتوقف أولا بالبحث في نصوص الدستور وتحديد الأبجديات الأولى للعملية التشريعة المرتبطة بكل من الحق في الاقترح والحق في الإيداع المكرسة بموجب الفصل 78 من الدستور.
أولا: مدلول الفصل 78 من الدستور
بدون الغوص في الخلفيات الاجتماعية والسياسية التي تعطي لأي تشريع معناه الحقيقي، فإن أولى اللبنات التي تعطي للقانون انطلاقته نحو المناقشة والتصويت، نجد سندها في الفصل 78 من الدستور الذي نص على ما يلي: " لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين"، فهذا الفصل جاء ليحدد من لهم الحق في المبادرة التشريعية التي جرى التمييز فيها بين المبادرة البرلمانية التي يطلق عليها "مقترحات القوانين" والمبادرة الحكومية التي يطلق عليها "مشاريع القوانين" بدون تمييز بين القوانين العادية والقوانين التنظيمية، وهو ما يفيد كذلك حق رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان بالتقدم بالاقتراح في جميع القوانين العادية المحصورة في الفصل 71 من الدستور وفي فصول أخرى منه وجميع القوانين التنظيمية.
إلا أن المبادرة الحكومية في هذا السياق، تبقى مقيدة بشروط أخرى وضعها الفصل 78 نفسه في الفقرة الثانية منه عندما نصت على ما يلي:" تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين"، وهو مايستنتج منه كذلك بأن هذا الفصل جاء مصاغا بصيغة عامة بدون تمييز بين القوانين العادية أو القوانين التنظيمية وفق ما سنبينه على الشكل التالي:
أن الأصل العام هو أسبقية الإيداع لدى مكتب مجلس النواب بالنسبة لمشاريع القوانين العادية ومشاريع القوانين التنظيمية باستثناء تلك المتعلقة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية ثم أن الأصل العام كذلك هو أسبقية الإيداع لجميع مشاريع القوانين سواء كانت عادية أو تنظيمية لدى مكتب مجلس المستشارين عندما تتعلق بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية وفق ما هو مكرس بموجب الفقرة الثانية من الفصل 78 ذاته.
وبناء عليه فإن الدستور في فصله 78 هو الذي يمهد إذن لمسطرة التداول بالنسبة لهذه القوانين، وكل ذلك وفق مقتضيات المادة 84 بالنسبة للقوانين العادية وكل من الفصل 84 و 85 بالنسبة للقوانين التنظيمة. وهذه المقتضيات هي تقريبا نفس المقتضيات الناظمة للمبادرة التشريعية والتداول المنصوص عليها في دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة في كل من الفصول 39 في من فقرتيه الاولى والثانية، والفصل 45 في فقرته الأولى، والفصل 46 منه الذي ينظم مسطرة التداول بالنسبة للقوانين التنظيمية.
وما تجدر الإشارة إليه أنه إذا كانت مقتضيات الدستور الفرنسي جاءت واضحة -كما ساهم القاضي الدستوري الفرنسي إلى جانب وضوحها بتفسيرها-، فإن ما نص عليه الفصل 85 من الدستور المغربي، جعل القاضي الدستوري المغربي -ينفتح على تفسيرات لا نجد لها مثيل عند نظيره الفرنسي-، أدت به إلى أن يضع هوة وفصلا جازما بين كل من مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 78 والفصل 85 من الدستور في ما يتعلق بأسبقية الإيداع لدى مجلس المستشارين بالنسبة للقوانين التنظيمية، وفق تفسير لا يحاول أن يستمد من التجربة المقارنة لفقه القضاء الدستوري الفرنسي الذي كان أكثر انتصارا للقانون الدستوري على حساب القانون السياسي
ثانيا: أسبقية الإيداع بمنظار القاضي الدستوري بالمغرب
صرح المجلس الدستور في إحدى حيثيات قراراته رقم 66-67-68/2015 في البند الثاني المرتبط بتفسير معنى أسبقية الإيداع بالنسبة لمشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية لدى مكتب مجلس النواب بما يلي:" حيث إنه، لئن كان الدستور ينص، في الفقرة الأخيرة من فصله 78، على أن مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، فإنه يستفاد مما ينص عليه الدستور، في الفقرة الأولى من فصله 85، من أنه لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، أن أسبقية الإيداع لدى مكتب مجلس المستشارين، فيما يخص الجماعات الترابية، تنحصر في النصوص التي تقدم في شكل قوانين لكون مضمونها لا يندرج ضمن ما ورد في الفصل 146 من الدستور، ولا تمتد إلى القوانين التنظيمية التي يخضع إيداعها، سواء قدمت في شكل مشاريع أو في شكل مقترحات بمبادرة من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين، لأحكام الفصل 85 من الدستور؛ وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق، فإن إيداع مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهات بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب مطابق للدستور؛ وهذا التصريح الذي قضى به المجلس الدستوري، بالرغم من أنه يكتسي لحجية الأمر المقضي به كما هو مقرر في الفصل 134 ويلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية، فإن خطورته تكمن في هذه الحجية بالذات التي ستكرس قاعدة دستورية خفية لتكرار نفس المسطرة المتبعة في إيداع مشاريع القوانين التنظيمية بقوة قرار المجلس الدستوري لدى مكتب مجلس النواب في مراحل لاحقة.
لكن هذا لا يمنعنا من أن نبدي بعض الملاحظات على هذه الحيثية التي جاء بها المجلس الدستوري عله يكون على صواب فيما أبداه من تفسيرات وتبريرات، سنحاول أن نبينها (وفق ما نراه) على الشكل التالي:
إن اعتبار المجلس الدستوري لعبارة "مشاريع القوانين" الواردة في الفصل 78 الفقرة الثانية، أنها تعني القوانين العادية وفقط، جاء نتيجة قراءته وتفسيره لهذا الفصل، بالفصل 85 من الدستور.
استناد المجلس إلى الفصل 85 الفقرة الأولى المرتبط بتداول مشاريع القوانين التنظيمية بالأسبقية لدى مجلس النواب، لكي يبرهن على أن الإيداع لا يتم إلا أمام مجلس النواب بالنسبة لمشاريع القوانين التنظيمية.
ثم بالإضافة إلى ذلك، فإن المجلس الدستوري يعتبر أن عبارة مشاريع القوانين الواردة في الفصل 78 الفقرة الثانية منه، من حيث مضمونها لا تشمل ما ينص عليه الفصل 146 الذي يحيل إلى القوانين التنظيمية، التي تخضع لمسطرة الفصل 85، بدون أي تمييز كذلك بين مشاريع ومقترحات البرلمانيين نوابا ومستشارين.
فهذه المبررات الثلاثة كانت كافية بالنسبة للقاضي الدستوري لكي يبرهن على أن إيداع مشاريع القوانين التنظيمية بالأسبقية لدى مجلس النواب وذلك بالاعتماد على تفسير الفصل 78 من الدستور بكل من الفصول 85 و 146، وهو ما لا يمنعنا بأن نتساءل هل كان جواب المجلس شافيا وكافيا؟
لما كان الفصل 78 واضحا كما حددناه سابقا، ولا يتحدث إلا بصيغة عامة حول عبارة "مشاريع القوانين" دون تمييز من حيث طبيعتها، مع تمييزه بين تلك التي يجب أن تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب وبين تلك التي تودع لدى مكتب مجلس المستشارين بالأسبقية كأصل عام، فإن جميع التصرفات الأخرى التي تلي عملية المبادرة والإيداع يجب أن تكون بالتبعية منضبطة لجوهر الفصل 78 وليس العكس، الأمر الذي حدى بالمجلس الدستوري إلى أن يقوم بإعطاء تبرير يستند على قراءة الدستور بالدستور، تفسير عبارة "مشاريع القوانين" وعملية إيداعها الواردة في الفصل 78 بالفصل 85 من الدستور الذي يقرر ما يلي:" لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84." إن قراءة هذا المقطع من الفصل 85 يفيد بشكل قد لا يدع مجالا للشك بأن المجلس الدستوري على صواب عندما أقر بدستورية عملية الإيداع لجميع القوانين التنظيمية بمكتب مجلس النواب بالرغم من أن هذه الفقرة لا تنص سوى على التداول، لكن استئناف قراءة الفصل 85 قد تفيد عكس ما ذهب إليه المجلس الدستوري، وتوحي على غرار ما صرح به الاستاذ مصطفى قلوش بكون النص الدستوري أصابه نوع من الدخن، كما أن المجلس الدستوري نفسه لم يحاول إماطته بل قام بإضافة الدخن على الدخن، عن طريق محاولة التغطية على نقص دستوري بخطأ دستوري آخر، وهو ما سنحاول أن نشرحه على الشكل التالي:
نص البند الثاني من الفقرة الأولى من الفصل 85 على ما يلي: ...وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور، غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب". فصريح هذا النص لا يضع أي شروط تمييزية سوى في عملية المصادقة النهائية من طرف مجلس النواب على مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، بين تلك التي تتطلب الأغلبية المطلقة وتلك المتعلقة بمجلس المستشارين والتي تتطلب أغلبية اعضاء مجلس النواب في المصادقة النهائية.
وعليه فإنه هذا الفصل يؤدي بنا إلى القول بأنه لو كان قصد المشرع الدستوري من أن القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية يجب أن تداع بمجلس المستشارين لكانت الصياغة غير التي جاء بها الفصل 85 الحالي، ولجاء النص على الشكل التالي:" ولا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين و الجماعات الترابية من قبل مجلس المستشارين، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84، ولا يتم التصويت عليها إلا بأغلبية أعضاء مجلس النواب".
غياب هذا التنصيص إذن أدى إلى نتيجتين وقراءتين قراءة المجلس الدستوري التي تفسر الفصل 78 بالفصل 85، والقراءة الموازية التي تفسر الفصل 85 بالفصل 78، وهذه الأخيرة ينتج عنها الموقف التالي: هو أن النص الدستوري جاء ناقصا ومتناقضا، وبالتالي ما الجدوى من إقرار حق الأسبقية الواردة في الفصل 78 من الدستور بالنسبة لمجلس المستشارين، ما دام أنه ليس من حقه أن يتداول بالأسبقية في مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية؟ وما جدوى إعطاء الكلمة النهائية وترجيح كفة مجلس النواب على مجلس المستشارين؟ إن لم نقل ما جدوى هذا المجلس باذات؟
وبالنتيجة، فإن الأمر يطرح مسألتين، إما تعديل نصوص الدستور حتى تنسجم مع بعضها البعض، وإما الاستمرار في نفس المنهجية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه المنهجية التي كرسها المجلس الدستوري في قراراته المشار إليها سابقا، جاءت متناقضة وقرارات سابقة أثناء نظره في كل من النظامين الداخليين لمجلس النواب والمستشارين، عندما صرح في قراره 13/924 بمطابقة المادة 123 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وقراره رقم 938/14 بشأن مطابقة المادة 85 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين التي فسرت بشكل صريح مضمون الفصل 85 من الدستور الذي يفيد أن مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالمواد المحدد في الفصل 78 الفقرة الثانية تحاول بصفة إلزامية على مجلس المستشارين بالأسبقية، ومما جاء في هذه المادة ما يلي: "يتداول مجلس المستشارين في مشاريع القوانين التنظيمية المودعة لديه بالأسبقية... ولا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية المودعة لدى مجلس المستشارين بالأسبقية، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه..."
ثالثا: ماذا بعد هذا التناقض؟
هذا السؤال لا يستطيع أن يجيب عنه إلا المشرع الدستوري، فتضارب التأويل البرلماني للفصل 85 الذي كان قد صرح المجلس الدستوري بمطابقته للدستور، مع تفسير المجلس الدستوري في قراراته اللاحقة 66/67/68/2015، لا يدل سوى على أمرين إما أن المجلس الدستوري قد أصابه "مرض الزهايمر" وإما أن التفسير الموازي قد أصابه "الخبل"، ولا مناص لو حاولنا في هذا الصدد أن نعرج إلى التجربة الفرنسية التي ينخر منها المغرب –باعتباره بيتا من زجاج على حد تعبير أحد الباحثين- فيما يخص مسطرة الايداع والتداول بالأسبقية.
بالرجوع إلى الدستور الفرنسي في فصله 39 نجده ينص على ما يلي: لكل من الوزير الأول وأعضاء البرلمان حق المبادرة باقتراح القوانين.
يتداول في مشاريع القوانين بمجلس الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الدولة فيها، وتودع بمكتب أحد المجلسين. وتعرض مشاريع قوانين المالية وقانون تمويل الضمان الاجتماعي على الجمعية الوطنية أولا... وتعرض مشاريع القوانين التي تهدف أساسا إلى تنظيم الجماعات الترابية على مجلس الشيوخ أولا.
فالصياغة التي جاءت بها هذه المادة هي عامة وبدون تخصيص بين القوانين التنظيمية او العادية، وبدون أي ربط بين الفصل 46 من الدستور الفرنسي الذي يحدد مسطرة التداول بالنسبة للقوانين التنظيمية، حيث تنص هذه المادة على ما يلي:" يتم التصويت على القوانين التي يضفي عليها الدستور طابع القوانين العضوية(التنظيمية)، وتعديلها وفق الشروط التالية:
لا يعرض المشروع أو الاقتراح على المجلسين في قراءة أولى للتداول فيه والتصويت عليه إلا بعد انقضاء الآجال المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 42. غير أنه، في حالة الاستعجال المنصوص عليها في المادة 45، لا يمكن عرض المشروع أو الاقتراح على المجلس الذي أحيل إليه أولا للتداول فيه إلا بعد انقضاء أجل خمسة عشر يوما من إيداعه"
وصفوة ما يتبين من هذه المواد هو أن المشرع الدستوري وضع القاعدة التي يجب احترامها أثناء إيداع مشاريع القوانين، إلى المجلسين مع إقرار نوع من المساواة من جهة أخر في المادة 39 والمادة 46، ومع مراعاة الاستثناء المحددة في قوانين المالية وقوانين الضمان الاجتماعية التي تحال وجوبا إلى الجمعية الوطنية، ومشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية التي تحال وجوبا إلى مجلس الشيوخ أولا، بدون أي ربط وتوضيح فيما إذا كانت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات تحال وجوبا إلى مجلس الشيوخ. وبالعودة إلى المادة 74 من الدستور الفرنسي فنجدها تنص على على قانون تنظيمي يحدد الوضع القانوني للجماعات الاقليمية فيما وراء البحار، بدون أي إحالة كذلك إلى كون ان مشاريع القوانين التنظيمية هذه تحال الى مجلس الشيوخ أولا، لكن المجلس الدستوري الفرنسي وعلى خلاف المجلس الدستوري المغربي سيكون له تأويل آخر يصب في اتجاه تفسير الفصل 46 من الدستور بالفصل 39 منه وذلك عندما صرح في مراحل سابقة بموجب قراره رقم DC444/2001، بما يلي: وحيث إن القانون التنظيمي المعروض على أنظار المجلس الدستوري، لا يشكل قانونا تنظيميا متعلقا بمجلس المشيوخ، وتمت المصادقة عليه وفق إجراءات الفصل 46 من الدستور"، كما صرح بموجب قراره رقم DC 559/2007، المرتبط بالقانون التنظيمي رقم 2007/1719، المتعلق بتعزيز استقرار المؤسسات وشفافية الحياة السياسية في بولينيزيا الفرنسية، بما يلي: " في شأن مسطرة المصادقة على القانون: حيث إنه وفقا للمادة 74 من الدستور، فإن مشروع القانون التنظيمي الذي يهدف إلى تحديد الشروط التي تستشار فيها الجماعات التابعة لفرنسا... والتي تهدف بشكل أساسي إلى تنظيم الجماعات الترابية، تم إحالتها في أول مرة إلى مجلس الشيوخ، كما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 39 من الدستور، كما تم فيها احترام مقتضيات المادة 46 من الدستور..".
وهو ما يعني أنه خلافا للمجلس الدستوري المغربي فإن نظيره الفرنسي قد أعطى تأويلا لعبارة مشاريع القوانين تسري على جميع المشاريع سواء كانت عادية أو تنظيمية، وهو ما يعني بأن ان القوانين العادية او القوانين التنظيمية التي تقدم في شكل مشاريع والتي لها ارتباط بالمواضيع الواردة في الفقرة الثانية من المادة 39 من الدستور تحال بالأسبقية لدى مجلس الشيوخ.
وعلى سبيل الختم، فإن يمكن القول بأن ما قرره المجلس الدستوري المغربي بشأن اعتبار عبارة مشاريع القوانين الواردة في الفصل 78 من دستور 2011 لا تعني سوى القوانين العادية، يعد تصريحا مشويا بنوع من الضبابية على مستوى تبريراته الدستورية التي تحلل الأصل بالفرع، عوض أن يكون الفرع تابعا للأصل على غرار ما فعل المجلس الدستوري الفرنسي.
-باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.