لم تغير الأزمة اليونانية التي تهز أوروبا أجندة الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" الذي اختتم مؤخرا زيارة إفريقية، تخللها وقوف على أطلال المستعمرات الفرنسية السابقة في القارة السمراء، حيث استهل زيارته بالبينن فأنغولا قبل أن يختمها بالكامرون التي لم تطأها قدم رئيس فرنسي منذ 15 سنة ، سبقتها زيارة غير بعيدة للجارة الجزائر، ما يعكس أهمية المصالح الاقتصادية والسياسية الفرنسية في تلك البلدان الإفريقية. مصالح اقتصادية أم استعادة لتاريخ استعماري؟ زيارة هولاند للجزائر التي سبقت زيارته الإفريقية الأخيرة لم تخلُ من رسائل عديدة للداخل والخارج بعدما عاش بلد الجوار حالة من الجمود السياسي زادت عن ثلاث سنوات، نتيجة مرض الرئيس "بوتفليقة" وشيخوخة الطبقة السياسية وتبادل الاتهامات بالفساد واستغلال مقدرات البلاد وفق تقديرات الصحافة الجزائرية، حيث اعتبرت أن هولاند بزيارته هاته يراهن على الجزائر أكثر من الدول الأخرى . لم تختلف الصحافة الفرنسية عن نظيرتها الجزائرية فيما يتعلق بأهداف الزيارة الإفريقية للرئيس الفرنسي، حيث اتفقت أنها تنصب في إطار البحث عن مشاريع تنعش بالضرورة الاقتصاد الفرنسي المتردي إبان تراجع الحضور الفرنسي في القارة الإفريقية، ممّا يعد دبلوماسية اقتصادية تبناها الرئيس الفرنسي خلافًا لساركوزي. وحسب المحللين، تأتي جولة فرانسوا هولاند للبينن بعد أزيد من 30 سنة عن آخر زيارة قام بها الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، وبعد ومضيّ حوالي أسبوعين فقط على تعيين "ليونيل زينسو" رئيساً للوزراء نظرا لحظوظه قوية بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة بعد تراجع الحصيلة الانتخابية لحزب الرئيس الحالي . وبدت المفارقة صارخة عند انتقال هولاند إلى أنغولا، محطته الثانية، فبرغم من الانتقادات الدولية الشديدة التي توجه لهذا البلد بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تمسك هولاند بخيار الواقعية السياسية وتجنب الخوض في الشأن السياسي الأنغولي، مركزًا اهتماماته على الوضع الاقتصادي للبلد باعتباره بلد غنيا بالنفط. ورغم أن محطة هولاند الأخيرة الكامرون" حملت في طياتها ظاهراً سياسياً، إلّا أن جوهر هذه الزيارة كان اقتصاديًا بامتياز. حيث أبدى الرئيس الفرنسي استعداده لتنظيم قمة جديدة للدول الإفريقية التي تحارب جماعة "بوكو حرام. وإلى ذلك أظهرت دراسة قامت بها وزارة الاقتصاد الفرنسي سنة 2013، أن بإمكان فرنسا أن تخلق 200 ألف منصب عمل خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك عبر مضاعفة صادراتها تجاه القارة الإفريقية. ومن جهة أخرى أظهرت دراسة أخرى أجراها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية عام 2014 أن فرنسا لم تظل ذلك الشريك الاقتصادي الاسثتنائي في إفريقيا، بل تحوّلت إلى شريك عادي كباقي الشركاء الذين ينشطون في إفريقيا. بونعمان: فرنسا تحاول الحفاظ على مصالحها وفيما يتعلق بما إذا كانت زيارة هولاند لمستعمرات فرنسا السابقة تعد بداية استعمار جديد، نفى الباحث المغربي سلمان بونعمان ذلك في تصريحه لهسبريس، مؤكدا أنها لا تغدو أن تكون استمرارًا للاستراتيجية الفرنسية في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية في مستعمراتها القديمة . وأضاف الكاتب المغربي أن الجولة الإفريقية لهولاند بمنزلة "إعادة تأكيد على أن فرنسا غير مستعدة للتنازل عنها أو منافسة أحد عليها وتعميق دورها الاستراتيجي في إفريقيا"، متحدثًا أن فرنسا تعمل بجولاتها الإفريقية على "ضمان التبعية الاقتصادية لمستعمراتها القديمة بها، وتأبيد نفوذها في العمق الافريقي، واستعادة فاعلية سياساتها من خلال المدخل الأمني وملف مكافحة الارهاب". (*) صحافية متدربة