كانت الأعراف الدبلوماسية المؤسسة للعلاقات المغربية الفرنسية تقتضي أن تكون أولى زيارة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، المنتخب في 6 ماي 2012، إلى البلدان المغاربية.. نحو الرباط. غير أن هولاند فضل التوجه إلى الجزائر، على عكس أسلافه فاليري جيسكار وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي. خطوة هولاند حللها متتبعون للعلاقات المغربية الفرنسية بوجود توجه جديد في الرؤية الفرنسية للعلاقات مع الدول المغاربية، بل ذهب البعض إلى اعتبارها محطة «جفاء» جديدة للعلاقة بين الرباط والحزب الاشتراكي الفرنسي الذي اتسمت علاقته مع المغرب، في عهد فرانسوا ميتران بكثير من التوتر. بيد أن هولاند استدرك زيارته للجزائر بإيفاد وزيره الأول، جان مارك أيرولت، إلى المغرب في محاولة لخلق نوع من التوازن واستباق أي تأويل «سياسي» لخطوة رئيس الجمهورية الفرنسية. وبعد ثلاثة أشهر من زيارته للجزائر، يعود هولاند إلى المنطقة في زيارة هي الأولى من نوعها للمغرب، في ظل ظروف سياسية واقتصادية وأمنية تفرض على البلدين تعميق علاقات التعاون المشترك بينهما. ولا يبدو أن زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية ستخرج عن منطق المصالح المشتركة بين المغرب وفرنسا، خاصة أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، والتحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، وما تشكله من قلق للبلدين في ظل استمرار مشكل الصحراء. الجانب الاقتصادي له مكانة مهمة في هذه الزيارة، خاصة بعدما لوحظ من تنافس يكاد يوصف ب«الشديد» بين فرنساوإسبانيا، بعدما سجلت هذه الأخيرة، ولأول مرة في تاريخ العلاقات المغربية- الإسبانية، تقدما ملموسا على جارتها الفرنسية في الجانب المتعلق بالتعاون الاقتصادي مع المغرب، خاصة أن إسبانيا تنظر إلى المغرب كشريك أساسي تجد فيه المقاولات الإسبانية متنفسا اقتصاديا للأزمة التي تمر بها البلاد. وفي المقابل يبدو أيضا أن فرنسا تحاول أن تعزز تواجدها «السياسي» في المنطقة، وإبعاد الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي وجدت في محاربة الإرهاب وتنظيم القاعدة بمنطقة الساحل والصحراء، مدخلا مهما لخلق نوع من التوازن الاستراتيجي بين تواجدها في الشرق الأوسط ومنطقة شمال إفريقيا. وفي هذا الصدد يرى عبد الحفيظ ولعلو، نائب رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية، أن «المغرب صديق قديم لفرنسا، والمصالح الفرنسية لازالت محفوظة كما كانت في عهد الرئيس ساركوزي والرؤساء الآخرين، وهذه الزيارة تأتي لتؤكد على أن هناك علاقات متميزة بين المغرب وفرنسا، وبطبيعة الحال فالملف الأمني سيكون مطروحا على الطاولة فيما يخص المفاوضات الثنائية، وبصفة خاصة التدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وشمال مالي، وهذا الملف يهم كثيرا من الدول الإفريقية غرب القارة التي لها علاقة تاريخية مع فرنسا والدول الفركوفونية» . وعلى الرغم من تأكيد ولعلو على أن «التنافس الاقتصادي لفرنسا على مستوى المغرب يتم مع إسبانيا وليس مع أمريكا، على اعتبار أن إسبانيا أصبحت الزبون الأول للمغرب، ولاحظنا تراجعا في الاستثمار الفرنسي في المغرب، نظرا لتأثير الأزمة المالية والاقتصادية في دول منطقة الأورو»، فإنه عاد ليؤكد على الدور السياسي للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة على غرار حضورها في باقي الأقطار. واسترسل نائب رئيس معهد العلاقات الدولية ذاته موضحا في تحليله لطبيعة التنافس الفرنسي-الأمريكي بالقول إن «أمريكا حاضرة في كل مكان وزمان ولها مصالح اقتصادية حيوية، سواء في إفريقيا، أو منطقة المغرب الكبير والشرق الأوسط، حيث إنها تدخلت بقوة في العراق في مارس 2003 وهي كذلك تتدخل بقوة عسكرية هائلة في أفغانستان، وهي حاضرة في الملف السوري، وهي تراقب كل هذه المناطق التي تعتبر مناطق ساخنة، نظرا للتوتر ونظرا للمتدخلين لا لفرنسا أو روسيا ودول الاتحاد الأوربي». أما على المستوى الاقتصادي فيرى ولعلو أن تنافس فرنسا في القارة الإفريقية يوجد مع الصين الشعبية، التي أصبحت الزبون الأول للقارة الإفريقية، وحسب الإحصائيات فإن المبادلات التجارية مع الدول الإفريقية تزيد على 45 مليار دولار، وهي تدعم البنيات التحتية لإفريقيا مقابل النفط والخيرات الأخرى، كالمناجم والطاقة التي تأتيها من إفريقيا والتي يحتاج إليها الاقتصاد الصيني». وأضاف قائلا بخصوص جعل المغرب كثاني محطة بعد الجزائر، إنه «تاريخيا فالرئيس الفرنسي يقوم بأول زيارة له إلى المملكة المغربية، لكن هذه المرة لاحظنا أن زيارة الرئيس الفرنسي كانت للجزائر بمناسبة الذكرى الخمسينية لثورة الجزائر واستقلالها، ولا بد أن هناك علاقات جد متينة وتاريخية بين الجزائروفرنسا، لكن تتخللها مشاكل ترجع إلى تلك الحقبة من تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية والتي تسمى لحد الآن بحرب الجزائر». وأشار إلى أنه في المقابل « استطاعت فرنسا أن تحافظ على مصالحها في الجزائر، نظرا لأن هذا البلد يتمتع بمكانة خاصة فيما يخص تزويد فرنسا بالنفط والغاز، وكذلك شراء الأسلحة الفرنسية، والجالية الكبيرة القاطنة في فرنسا». وعلى الرغم مما قد يثار من تحليلات بشأن جعل المغرب ثاني محطة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بعد الجزائر، فإن أهمية العلاقات الفرنسية المغربية، سواء الاقتصادية أوالسياسية والأمنية وغيرها، تفرض على البلدين الاستمرار في مزيد من التعاون بالنظر للموقع الاستراتيجي للمغرب والتحولات السياسية والتحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، وأيضا بالنظر لارتباط المغرب القوي بالاقتصاد الفرنسي.