لم أكن أدرك يوما أني سأكتب في حين من الأوقات عن أحد رجالات السياسة لكي أكيل له المدح والثناء. لكني بمجرد ما سمعت بخبر اعتقال جامع المعتصم رئيس مجلس مقاطعة تابريكت بسلا من طرف وكيل الملك بايتدائية سلا وتحويله للتحقيق والاستماع إليه من طرف قاضي التحقيق الشنتوف، تمالكني إحساس غريب وتسارعت خفقات قلبي وحدثني ضميري مناجيا: أيصل بنا الخبث والمكر السياسي إلى هذا الحد، أن ندين الرجل الشريف الذي يعرف كل أهل سلا مصداقيته ونزاهة يده، الرجل الذي كان وحيدا في مجلس المستشارين أيام كان ممثلا لنقابة الاتحاد الوطني للشغل نشيطا كالنحل في همته وخطيبا مفوها في مناقشته لقانون المالية والتصاريح الحكومية، أبهذه السفالة السياسية المتدنية نسوق رجلا شريفا مثل هذا إلى القضبان. تخط يدي هذه الأسطر من باب ذكر فضل هذا الرجل. وقد جاء في السنة النبوية أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان جالساً يوماً عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أحاط به أصحابه وتحلقوا حوله وجاء علي رضي الله عنه والتفت النبي صلى الله عليه وسلّم ليرى من يفسح له,فأسرع أبو بكر فتزحزح عن مجلسه وهو يقول:هاهنا يا أبا الحسن فبدأ السرور في وجه النبي صلى الله عليه وسلّم وقال:يا أبا بكر "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل" نعم فضل هذا الرجل علينا كثير، دروسه، محاضراته، أفعاله، أقواله، نعم السياسي المحنك ونعم الأخ الفاضل ونعم القائد الحكيم. أقول هذا وأنا الكاتب المحلي المقال من حزب العدالة والتنمية لأقول كلمة حق في هذا الرجل بلا مراء، لأعترف بفضل هذا الرجل علينا جميعا، وإن كان مثل هؤلاء سيسوقهم الظلمة الجناة إلى السجون فمن الأفضل لهم أن يسجنونا جميعا لأني أقولها بملء فمي "لا سياسة بعد جامع ولا انتخابات بعد المعتصم"، وإن أرادوا أن يضغطوا على حزب العدالة والتنمية ويساوموه بقضية "جامع" ليمرغوا وجهه في التراب فمن الأحرى لهذا الحزب الفتي أن يحل نفسه على ألا يفرط في شعرة من شعر أخينا المعتصم. يستحضرني نموذج الترهيب التونسي في حق إخواننا بحركة النهضة الإسلامية وتجربة القمع المصرية في حق جماعة الإخوان المسلمين الأم والنظام الأردني البئيس وأفاعيله بحق إخواننا في جهة العمل الإسلامي، يحضرني انقلاب العسكر الجزائريين بحق إخواننا في جبهة الإنقاذ بعدما اختارهم الأحرار الجزائريون في انتخابات حرة ونزيهة، لأتسائل قائلا هل ينتظر المغرب مصير مظلم مثل هذا ، هل ستعود سنوات الرصاص بعد أن محوناها من ذاكرتنا، هل يعود منطق التلفيق والظلم وإخراس الألسنة. أستحضر تجربة الأخ الفاضل عبد الإله لمخنت وكل ساكنة العرائش تعرفه وما حقق من منجزات لا تعد ولا تحصى في مجال العمل الاجتماعي والإنساني ليكافئوه بملف كله تهم ملفقة وأباطيل مفندة ويتابعوه بشنها لأزيد من 7 سنوات ولا زال الأخ المجاهد أمام القضاء ينتظر العقاب. أستحضر الأخوين العزيزين عبد الرحمان اعليلش والصادق بن يونس وكل بحارة الميناء يشهدون بأخلاقهم العالية الرفيعة يوم امتدت إليه آلة القمع المخزنية لتختطفهم من مقهى المغرب العربي وتدخلهم زنزانة الذل والهوان بتهمة الإرهاب. وتخيلوا أن من بين الأدلة المحشورة في ملف الادانة كاسيط القرآن وكتيبات الأحاديث الشريفة ولولا فضل الله تعالى وصمود الاخوة أعضاء الحزب بالعرائش لحوكموا بعشرات السنين لكنهم أبرياء اليوم بين ظهرانينا. هم يعلمون جيدا بأن جامع المعتصم هو أشرف من الشرف وأن يده أبيض من بياض الثلج، لكنهم يريدون بهذا الفعل الدنيء أن يصادروا صوت الحق فينا ، أن يذلوا أشرف الرجال بيننا ، أن يصيبنا اليأس والإحباط والقنوط لنغادر المشهد السياسي بطواعية واختيار. لكنني أكررها وليسمع "أصحاب الحال": ليس بهذا الفعل ستطفؤون شمعة الأمل في قلوبنا، ليس بالظلم ستؤودون أحلامنا، ولو اعتقلتمونا جميعا لن نعود إلا أقوى مما كنا. لكني أوجه كلمة للإخوة القادة في العدالة والتنمية وأنا الذي لم أعد معهم تنظيميا: لا ينطبقن عليكم المثل القائل "إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، لا تعيدوا تجربة العبادلة، لا تثقوا بالمخزن البئيس الذي يود أن يحطم عبركم آمال المغاربة، لا تخذلوا إخوانكم، لا تتركوهم فريسة للظلام، إنكم إن تراجعتم تكونون قد دققتم آخر مسمار في نعش مشروع ليس لكم بل أنتم فقط مؤتمنون عليه، إنه مشروع كل المغاربة الأحرار وأفراد شعبنا الأبي وبإعدامه لا بديل عنه سوى مغادرة هذا البلد الذي بفقدان آخر شذرات الديمقراطية سيغدو طفلا يتيما. أخي جامع لن يفارق محياك المبتسم مخيلتنا ولن يعود الأمل إلى قلوبنا إلا بعودتك سالما بين ظهرانينا. ويكفينا شعر الشهيد سيد قطب عزاء لنا: أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود إذا كنت بالله مستعصمًا فماذا يضيرك كيد العبيد