لقد أدى تفشي الغش في العديد من الممارسات اليومية الفردية والجماعية إلى الحديث عنه (الغش) كظاهرة اجتماعية بامتياز، علاوة على شموليته لكافة المجالات والميادين، التربوية والسياسية والاقتصادية، فقبل أسبوع كان "الغش التربوي" محتلا المرتبة الأولى في بورصة "القيم المنبوذة"حيث ارتفعت أسهمه خصوصا بعد دخوله عالم التشبيك "شبكات الغش التربوي" ،أسوة بشبكات الإتجار في المخدرات والبشر ذلك أن هذا النوع من الغش، عرف تطورا في الآليات والطرق المستعملة فلم يعد يقتصر فقط على الوسائل التقليدية اليدوية ،بل تم توظيف التكنلوجيا والطب في إخفاء معالمه، فهو بذلك أشبه بحركة الكثبان الرملية التي تحدث تغييرا دون الإحساس بهذا التغيير،- ذلك أن أثر الغش التربوي تبدو واضحة لكن دون التمكن من ضبطها-. مما لاشك فيه أن التطبيع مع الغش التربوي لا يمكن أن يؤدي سوى إلى الغش الثقافي والإجتماعي و الاقتصادي كنتيجة حتمية وضرورية أحيانا، وهو ما تعكسه الكميات المحجوزة من السلع الفاسدة والمنتهية الصلاحية والمعروضة للبيع سواء بتزوير تواريخ صلاحيتها أو بإعادة تدويرها قصد إعادة بيعها وهو ما يمكن تسميته ب"رسكلة الغش" ، recyclage de fraude أي إعادة تدوير الغش بطرق متطورة واحترافية في المجال التجاري والاقتصادي برمته. إن سيرورة الغش في المجتمع المغربي وتعدد أشكاله ومسمياته لا تتوقف عند ما هو تربوي واقتصادي فقط بل تتعداه إلى المجال السياسي أي ما يسمى ب" الغش السياسي"، كأرقى أنواع الغش في الوقت الحاضر ، باعتباره يشكل نموذجا يحتدى به في تبرير ممارسة الغش في المجالات الأخرى،فكيف يمكن القبول بتجريم الغش التربوي والسكوت عن الغش السياسي؟ إن الحديث عن ظاهرة "الغش التربوي" في المؤسسات التعليمية في الآونة الأخيرة وما تلاه من رغبة في وضع قانون لزجر الغش في الامتحانات المدرسية والجامعية يقتضي أولا استحضار مقتضيات ظهير رقم 060-158 الصادر بتاريخ 25 يونيو 1958 بشأن زجر الخداع في الامتحانات والمباريات العمومية والذي تم تجاهل مقتضياته مند الإستقلال إلى اليوم، وهو ما يدفع للتساؤل من جديد حول جدية مشروع قانون رقم 13-02 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية والجامعية بعد حوالي 60 سنة من العبث التربوي؟ إن الآلية القانونية وحدها ليست كفيلة بالقضاء على الغش التربوي والغش الاقتصادي، في ظل التغاضي عن الغش السياسي بمختلف أشكاله وأساليبه دون تجريمه ودون اعتماد المحاسبة على المسؤوليات ،فلم يعد مقبولا اعتماد الغش في تكوين شخصية التلميذ المغربي علاوة على ضرورة إعادة النظر في السياسة التربوية في بلادنا حتى لا نقول السياسة التعليمية وبصفة عامة القطع مع السياسات العمومية للغش .