للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، و فرحة يوم يلقى ربه، كما جاء في الحديث النبوي. ثلاثون يوما من الفرح، كل يوم فرحة، إشباع و تخمة من الفرح، فرح يأتيك مقابل صيامك " صم و افرح"، عرض مضمون تدل عليه صيغة الجملة الاسمية التي تفيد الثبات. فرح مقابل امتناع طوعي اختياري " أنا فرحان لأني صائم" أو" أنا صائم إذن أنا فرحان" إحساس رائع. سأجلس و أقول لأبنائي على مائدة الإفطار:( تعالوا لنفرح بصيامنا، و نفرح بربنا). الناس يعيشون شهر العسل مرة في العمر، و أنت تعيش شهر الفرحة مرة في السنة، أية فرحة هاته ؟ ماذا ربحت و كسبت ؟ أهو مال موروث أم صفقة تجارية أم نجاح في امتحان لنيل شهادة عليا ؟ أم هو انتشاء بالحياة بملذاتها و نعيمها ؟ انه فعلا كل ذلك و أكثر، إنه رصيد بنكي من الفرح، الفرح الذي يمنحك إياه مسبب الفرح، و خالق النفس الفرحة و النفس المطمئنة. إنها الفرحة المشتركة بين سائر أبناء الأمة الإسلامية، لا حسب و لا نسب و لا موقع اجتماعي، فرحة للجميع، الكل ضيوف على مائدة الرحمان، إنها فرحة تختلف عن فرحة الدنيا النسبية اللحظوية التي تزول بزوال سياقها أو قد تخفي الهم و تكابر أمام الناس و تضع المساحيق لإبراز الفرحة المصطنعة . إن الفرحة في رمضان تأخذ جماليات : جمالية "الارتواء" جمالية " الادخار" ليوم القيامة، جمالية "الفرحة الكبرى" يوم لقاء الله . إن" الهدية المفرحة" تعبر عن صاحبها، فالله الذي سيفرحك:فرحة المغفرة و فرحة الخلود و فرحة النظر إلى وجهه الكريم التي لا تعدوها فرحة الدخول إلى الجنة، فرحة ليست من طبيعة الفرحة الدنيوية، إنها الفرحة الدائمة، فرحة لا حزن بعدها و لا قلق ولا قنوط، فرحة متجددة كل حين. إن سر الحديث هو الربط بين الفرحتين فرحة الإفطار و فرحة يوم القيامة، فلا تترك المنغصات و المنكدات و المعيوش اليومي ...يحول بينهما . المطلوب أن يحترم الصائم المغربي في هذا الشهر المبارك و أن يتمتع على الأقل بالفرحة التي حرم منها في سياقات مختلفة. فاتركوا الناس و صيامهم و لا تنكدوا عليهم بالهشاشة الفنية أو بالبرامج الحامضة . إن الصائم المغربي يحترم هذه الشعيرة، و تتحرك فيه الفطرة، و يصل رحمه و قد يقيم الصلاة و يقبل على الله، وقد يقلع عن التدخين و يشرح الله صدره، فلماذا نصادر فرحته؟ جرب أخي الصائم وصفة الإفطار بدون تلفاز و عش إحساسك، و افطر حين تفطر و تذوق دعاءك، و ادع بما شئت لعل الله يستجيب لك، فتفرح برغبة أو مطلب يحققهما الله، فالله تعالى قريب منك في كل الأحوال، فما بالك إذا كنت صائما و دعوته، و الله يعطيك دون أن تسأله فما بالك إذا سألته، ( و إذا سألك عبادي عني فإني أجيب دعوة الداعي إذا دعاني). إن التغطية مفتوحة في كل الأوقات و تكون قوية لحظة الإفطار، أما التعبئة فمرتبطة ب" إذا دعاني " تعبئة دون رقم سري، اتصال شخصي فردي لا يدخل معك أحد على الخط، فالخيوط بعدد الصائمين، و اتصالات الرحمة ملك للجميع، شعارها " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا "، فادع و عبئ رصيدك من الفرحة المطمئنة، فرحة مضاعفة، فرحة الإفطار تدعو فيها بكل ما يحقق الفرح و الانتشاء، في انتظار "الفرحة الكبرى "عند الله تعالى .