لم يطرح موضوع الإصلاح في المغرب المعاصر إلا بعد الإصطدام بأوربا من خلال حدثين كان لهما أثر بالغ في نفوس المغاربة: الاول احتلال فرنسا للجزائر سنة 1930، والثاني هزيمة المغرب أمام فرنسا في معركة إيسلي سنة 1944(1)، حيث طرح سؤال الذات لدى المغاربة، قيادة سياسية ونخبة مثقفة ، وبدأ الجميع يبحث عن سبل إنقاد البلاد وحمايتها من المؤامرات التي تحيكها ضدها القوى الإستعمارية، هذا الموقف عبر عنه علال الفاسي بقوله:"وقد انتبه المغاربة منذ الساعة(هزيمة إيسلي) الى أن الأنظمة العتيقة في الجيش وفي الدولة لم تعد مجدية إزاء التقدم الأوربي الحديث، وتكون في نفوس القادة شعورهم بالحاجة الى التجديد وانتحال وسائل النهوض... وصارت في البلاد ثورة الألم من الهزيمة...ودعا عدد من العلماء الى إصلاح الأوضاع السياسية والإقتصادية..."(2) وقد كان من العلماء الذين نادوا بضرورة إصلاح أوضاع المغرب بالإستفادة من منجزات الحضارة الأوربية الحديثة العالم"العربي المشرفي" و الشيخ "ابراهيم التادلي" والعالم "محمد الكردودي الفاسي"،فقد نوه المشرفي بالمبتكرات الأوربية وأكد أن فيها مصلحة للمسلمين، ونادى التادلي بتعليم اللغات الأجنبية الحية، أما الكردودي فقد ألف رسالة بعنوان" كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على هذه الأمة" أكد فيها على ضرورة إصلاح النظام السياسي المغربي(3). إن السياق التاريخي لتبلور فكرة الإصلاح بالمغرب، يؤكد أن الفكرة لم تكن ثمرة تطور داخلي عرفه المجتمع المغربي في شتى مناحي الحياة، بل إن مشروع الإصلاح لم يجد مكانه ضمن اهتمامات النخبة السياسية والثقافية إلا بعد الإصطدام بالأجنبي و الإحساس بالضعف أمام الآخر(أوربا) القوي عسكريا وسياسيا اقتصاديا وثقافيا، وذلك على عكس التجربة الأوربية في التحديث والإصلاح، التي كانت نتاج تفاعل داخلي شهدته المجتمعات الأوربية منذ بداية التاريخ الأوربي الحديث. وبغض النظر عن سياق بروز فكرة الإصلاح بالمغرب المعاصر، فإن تصاعد النداءات والدعوات بهذا الشأن جعل السلطات المخزنية(4) تقوم بجملة من المبادرات الإصلاحية كان أهمها في عهد السلطانين محمد بن عبد الرحمان "محمد الرابع"(1859-1873) والحسن الأول(1873-1894) وشملت مجالات عديدة. في عناصر المشروع الإصلاحي بالمغرب خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر: شمل هذا المشروع الإصلاحي بالأساس إدارة الدولة والجيش إضافة تدابير لإصلاح الإقتصاد والمالية والتعليم. *الإصلاح الإداري: تركز حول تطوير أجهزة أدوات المخزن مركزيا و إقليميا، فعلى الصعيد المركزي، أصبحت الوزارة على شكل ديوان حكومي بالمعنى الحديث، حيث تشكل مجلس وزراء مسؤول أمام السلطان، ومكون أساسا من الصدر الأعظم(الوزير الأول)، وزير البحر(وزير الخارجية)، العلاف الكبير(وزير الدفاع)،وزير الشكايات(وزير العدل)، أمين الأمناء(وزير المالية)(5). وإقليميا عمل السلطان الحسن الأول على الخصوص، على تعميم التأطير الإداري لكل التراب المغربي وملأ الفراغ الإداري اي كانت تعرفه بعض المناطق(6). * الإصلاح العسكري:تضمن هذا الإصلاح إحياء الأسطول البحري وتكوين جيش نظامي متخصص في الحرب يتقاضى رواتب شهرية، ، واستقدم السلطان الحسن الأول مؤطرين أجانب (الأنجليزي ماكلين والفرنسي إركمان) للإشراف على تأطير الجيش المغربي وتدريب الجنود على استعمال الأسلحة العصرية المستوردة(7)، كما تم انشاء معامل لصناعة السلاح بمراكش وفاس(البارود، البنادق،...)(8)، وفي إطار الإصلاحات العسكرية كذلك، نشطت البعثات الطلابية الى الخارج، رغم أن عددا منها اهتم بمجالات مدنية، هذه البعثات كانت على نفقات المخزن وتوجهت الى جبل طارق وانجلترا وفرنسا واسبانيا وايطاليا وبلجيكا وألمانيا، وبعد إتمام الطلاب دراستهم وعودتهم الى المغرب كان يتم إبعادهم عن السلطة ومراكز النفوذ وتم إلحاقهم بمجالات ليست لها علاقة بمؤهلاتهم العلمية أو بالحرس السلطاني أو تدريب الجيش(9). *الإصلاح الإقتصادي:(10) تركز أساسا حول إنشاء بعض المصانع (معمل لصناعة السكر وآخر لصناعة القطن بمراكش في عهد السلطان محمد الرابع) باسثمار مباشر من الدولة، هذا في الوقت الذي كان فيه العالم الرأسمالي يشهد تحولات تقنية وعلمية واقتصادية كبرى بفضل جهود واسثثمارات فئات اجتماعية فاعلة ونشيطة(البرجوازية والنبلاء المنفتحون). * الإصلاح المالي: تضمن تجديد العملة المغربية في عهد السلطانين محمد الربع والحسن الأول وإصلاح الجمارك(11) و النظام الجبائي في عهد السلطان الحسن الأول من خلال سن ضريبة "الترتيب" التي أرادها أن تعوض كل الجبايات القديمة وتعمم على كل المناطق و القبائل والفئات الإجتماعية بمن فيهم المحميون، لكن هذا الإصلاح لم يطبق بفعل معارضة العلماء(اعتبروا الضريبة مخالفة للشرع) ورفض المستفيدين من النظام الجبائي القديم. *الإصلاح التعليمي: (12)أهم الإصلاحات التي عرفها هذا المجال البعثات الطلابية السابقة الذكر والإهتمام بإدخال تدريس بعض العلوم من رياضيات وفلك وهندسة، بفاس وطنجة ومراكش ومكناس، لكن هذه الإصلاحات التعليمية المحدودة تعكس كون الإهتمام بالتعليم كان ضعيفا. وقبل تقييم مدى نجاح هذه الإصلاحات السابقة وجب التذكير أولا بالهدف الذي كانت من أجله، فقد استهدف هذا المشروع الإصلاحي برمته تحديث البنيات الإدارية والعسكرية والإقتصادية والمالية والثقافية للبلاد وتأهيلها لمواجهة الضغوط الخارجية، لكن الوقائع التاريخية تشهد على فشل كل ذلك، فقد ظل الجمود والتخلف يطبع كل مجالات الحياة في مغرب النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، والضغوط الخارجية لم تتوقف بل تزايدات حدتها ونجحت في إضعاف البلاد وتوجت بوضعها تحت الحماية الفرنسية في مارس 1912. لماذا فشل المشروع الإصلاحي لمغرب القرن التاسع عشر؟ شكل فشل هذه التجربة الإصلاحية موضوع سجال كبير بين الباحثين والمؤرخين والمهتمين إلى يومنا هذا ، كون فشل أول مشروع إصلاحي علقت عليه آمال كبيرة في تحديث البلاد والتصدي للأخطار الخارجية، لم يكن بالسهل تقبله من طرف المغاربة، ثم إن هذا الفشل لم تقتصر مضاعفاته على المرحلة التاريخية التي تم فيها بل تجاوزته وظل حاضرا بقوة في رسم مصير ومستقبل البلاد في كل الفترات اللاحقة. وفي إطار الإجابة على سؤال سببب هذا الإخفاق أرجع البعض ذلك إلى التدخل الخارجي الذي حمله مسؤولية إضعاف الدولة المغربية وتجريدها من كل المقومات السياسية والإقتصادية والمالية الضرورية لإنجاح التحديث(خاصة إنجلتراوفرنسا وإسبانيا)، وفي مقابل ذلك فسر فريق آخر إخفاق المشروع الإصلاحي لمغرب القرن التاسع عشر بالعوامل الداخلية التي حددها في كون المشروع الإصلاحي كان في حد ذاته سطحيا ولم يمس جوهر المؤسسات والهياكل القائمة وقتئذ، أضف الى ذلك كون المشروع لقي معارضة شديدة من لدن بعض القوى والفئات الاجتماعية المحافظة والتقليدية من علماء وأعيان ورجال الدولة وملاكين كبار.. (13) لكن يبدو أن الفريقين معا إنما وقفا عند الأسباب المباشرة للإخفاق، ولم يضعا اليد على الأسباب العميقة والحاسمة التي أفشلت هذه التجربة التحديثية، وهو ما حاول التصدي له عدد من الباحثين والمؤرخين، نورد منهم محمد المنوني وجرمان عياش ومحمد عابد الجابري. محمد المنوني: يرى أن هناك سبعة عوامل تظافرت على إفشال معظم المشاريع الإصلاحية أبرزها (14): - كون الإصلاحات لمم تتقدمها توعية للقاعدة الشعبية بمزايا الإصلاح ولم يراعى في تطبيقها الشعور بالتحفظ اتجاه الأجنبي (الخوف من ان تكون مقدمة للتحدخل الخارجي)، - إهمال تطوير التعليم وسطحية الإهتمام بالتنظيم العسكري، - ضعف وهشاشة الهيئة المشرفة على الإصلاح، يقول محمد الحجوي "مجلس الوزراء لم ينضج وهو في حاجة الى الإصلاح"، - انحراف سلوك عدد من المسؤولين، وهنا يورد النوني كلاما للمشرفي حيث يقول:"فانظر هذا مع ما هو عليه الناس اليوم من ظهور الخيانة التي لا يشك فيها عاقل، فيكون الرجل لا شيء عنده متوقفا على السؤال، فإن تولى ولاية عمل أصبح-بمجردها- يشيد القصور ويزخرفها، ولم يكفه شراء الدور وإبقاؤها على بنائها، حتى يأمر بهدمها وبنائها ثانيا على مقتضى رأيه.." جرمان عياش: يرى هذا الباحث أن هناك عاملين أساسيين كانا وراء فشل هذه التجربة الإصلاحية(15): - العامل الفكري: الحركات الإصلاحية لم تقترن بأي تقدم علمي أو فكري، كما كان عليه الأمر في أوربا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فالمجتمع المغربي والدولة المغربية كان يعمهما الإنحطاط الفكري والمادي وتغيب عنهما فكرة التقدم والتطور،"إن فكرة التقدم كانت أساس ومنطلق النهضة الإقتصادية والفكرية والتطور السياسي والإجتماعي الذي عرفته أوربا، أما مغاربة القرن التاسع عشر فأين هم من هذه الفكرة التي لابد منها لمن شرع في الخروج ببلاده وأهله من الجمود والتخلف؟" بل إن الفكرة السائدة حينئذ بالمغرب -حسب عياش- هي الجمود والإنغلاق بدعوى التشبث بالأصول. - غياب طبقة إجتماعية أوفئة قوية ونشيطة تبارك وتساند عملية التحديث والإصلاح، فقد كانت جميع تدابير الإصلاح تقوم بها الدولة وفي غالب الأحيان قرارت فردية للسلطان، وهو عكس ماحدث في أوربا القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث قادت البرجوازية والنبلاء المنفتحون عملية التحديث. ومع ذلك لا ينفي جرمان عياش وجود قوة ثانية الى جانب المخزن، كانت قادرة على إنجاح الإصلاح وهي الشعب/القبائل، لكن هذه القوة الشعبية في نظره لم تكن مؤطرة ومنظمة بل وعانت من سياسات المخزن الهادفة الى تحجيمها وإضعافها فلم يكن لها أي دور في مجال الإصلاح. محمد عابد الجابري: يرى أن فشل الإصلاح يرجع الى كونه قد تم بدون تقديم مقدمات وتمهيد أصول، ويقصد بذلك تطهير جهاز المخزن من الفئات المحافظة المعرقلة للتحديث(كتاب، وزراء...) يضيف الجابري أن فشل هذه التجربة يرجع الى ما يسميه"ظلام الحقل المعرفي والإيديولوجي السائد"(فقهاء، علماء،متصوفة...)(16) هذه التجربة الإصلاحية والنقاش الذي أثارته منذ انطلاقها ولازالت تثيره الى اليوم تحتاج الى وقفات متأنية، لاعتبار أن مسألة التحديث والإصلاح في المغرب المعاصر لم تنته بعد، وهي عملية دائمة ومتجددة، خاصة وأنها أصبحت موضوع إجماع داخلي منذ أواخر القرن الماضي، بل وغدت مطلبا خارجيا حتى،(إصلاح الإقتصاد، الإصلاح السياسي والدستوري، إصلاح القضاء، إصلاح المناهج والبرامج التربوية، إصلاح قوانين الأحوال الشخصية...)،بغض النظر عن مدى جدية بعض الأطراف المنادية بالإصلاح، وعن أهداف وحدود وأولويات المشروع الإصلاحي المنادى به. سؤال الإصلاح بالمغرب بين الأمس واليوم: عاش المغرب منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر تجربة إصلاحية انتهت بالفشل، واليوم، ومنذ تسعينيات القرن الماضي عاد خطاب الإصلاح الى واجهة النقاش السياسي والفكري ببلادنا، بل وشهدت البلاد إنجاز وفتح عدد من الأوراش الإصلاحية(إصدار مدونة الإسرة، فتح الملف الحقوقي وإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، مشروع الحكم الذتي بالصحراء المغربية...)، غير أنه في المغرب كما في مختلف دول العالم الثالث مازال الماضي يلقي بظلاله الداكنة على الحاضر، ومازالت التجارب والحسابات الراهنة لا تتم بمعزل مطلق عما تختزنه الذاكرة الجماعية من نتائج المراحل الغابرة(17)، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل الشروط الحالية للتحديث والإصلاح تختلف في الجوهر عن نظيرتها في التجربة السابقة والتي أدت بها الى الفشل؟ والى أي مدى يمكن الإفادة من هذه التجربة لتجنيب مشاريع الإصلاح وجهود التحديث في مغرب اليوم، المصير الذي آلت إليه تجربة الأمس؟ بكل تأكيد التاريخ لا يعيد نفسه، إذ لا يصح القول بتطابق ظروف الإصلاح بين مغرب الأمس ومغرب اليوم، لكن ذلك لا ينفي في المقابل وجود عناصر مهمة للتشابه تجعل من إمكانية الإستفادة من الماضي أمرا قائما، ومن إمكانية الإعتبار من مصير تجربة الأمس أمرا واردا: *على المستوى الخارجي: تميزت ظروف المشروع الإصلاحي الأول باشتداد الضغوط الإستعمارية على المغرب بهدف إضعافه، تمهيدا لاحتلاله بشكل مباشر، ولايمكن اليوم إنكار أو تجاهل التحدي الخارجي الذي تواجهه بلادنا وعموم بلدان الجنوب، على مختلف المستويات، من انتهاك متزايد لسيادتها تحت عناوين شتى(حماية حقوق الإنسان، تحقيق الإصلاح، تهديد الأمن..)وهيمنة على ثرواتها الوطنية واختراق لمنظومتها الثقافية والقيمية باسم تحرير الإقتصاد العالمي وعولمة الثقافة، مما جعل البعض يسمي نزوع القوى العظمى الى الهيمنة على الدول والشعوب المستضعفة في عالم اليوم، بالغزوة الإستعمارية الثانية. لقد استهدف المشروع الإصلاحي بالأمس منع وقوع المغرب تحت الإحتلال ففشل في ذلك، واليوم ينتظر من مشاريع لتحديث والإصلاح تأهيل البلاد لمواجهة تحدي العولمة بكل أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، فهل ينجح في ذلك؟ *على المستوى الداخلي: يمكن الجزم بأن الأوضاع الداخلية للمغرب بالأمس كما اليوم قد تميزت بهشاشة البنيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وإختلال الإدارة، أضف الى ذلك سيادة واضحة للشعور بالحيرة والقلق حول مستقبل البلاد، وانقسام واضح للمجتمع حول نفسه، بين نخبة سياسية وثقافية معجبة بالتجربة التحديثية الغربية ،وتسعى الى استلهامها بكل تفاصيلها المادية والثقافية، وأخرى متحفظة على هذه التجربة، ولاترى خلاصا للبلاد من محنتها إلا باستلهام التراث، رغم وجود اتجاهات داخل الفريقين معا، تتراوح بين التطرف والتطرف المضاد. خلاصات عامة حول إشكالية الإصلاح بالمغرب المعاصر: إن تفحص المعطيات والنقاشات السابقة حول موضوع الإصلاح بالمغرب المعاصر يسمح لنا بالخروج بالخلاصات التالية: *ضرورة النظر الى مشروع الإصلاح كبنية غير قابلة للتجزيء: بحيث يشمل هذا المشروع كل جوانب الحياة برؤية شمولية وتكاملية ، ثم لا بد من إستحضار التحديث الفكري في أي مشروع إصلاحي، مع مراعاة الإنسجام والتناغم بين الإصلاح الفكري والإصلاح المؤسساتي، فالأول هو الذي يحدد الرؤية العامة ثم يترجم الى تكوينات مؤسساتية تتواكب مع الإصلاح الفكري وتتعبأ به وتؤدي الى أهدافه(18)، وأي إغفال للإصلاح الفكري سيجعل الإصلاح المؤسساتي بلا معنى. * لا بد من الإجماع حول هوية المشروع الإصلاحي: فالأمر لا يتعلق بوصفة جاهزة للاصلاح ، يقدمها شخص ما أو هيئة أو فئة معينة ولا تنتظر سوى التنزيل ، بل المطلوب لنجاح أي مشروع تحديثي أن يكون هذا المشروع خلاصة إجماع واتفاق حول مشروع مجتمعي على أرضية ثقافية وحضارية تضمن وحدة المجتمع وتحترم ثوابته وتسمح بالإختلاف خارج هذه الثوابت، وهذا يتطلب منذ البدء التواصل والحوار بين نخب ومكونات المجتمع بمختلف خلفيلتها المرجعية والفكرية. * إشراك المجتمع ضمان نجاح الإصلاح: إذ لا يصح التفكير أو الإصلاح بالنيابة عن المجتمع، بل المطلوب إشراكه وتعبئته وتوعيته ليتفاعل إيجابيا مع مشروع الإصلاح، حتى يصبح هذا المشروع مشروع مجتمع لا مشروع شخص أو نخبة أو هيئة مهما علا شأنها، فتتم بذلك مقاربة مشروع الإصلاح في إطار تكاثف جهود الدولة والمجتمع معا بعيدا عن محاولة أي طرف منهما لتجاوز الطرف الآخر وإضعافه. إن المطلوب في هذا الشأن هو أن تكون المصالحة بين المجتمع والدولة هي العنوان البارز المؤطر لجهود الإصلاح والتحديث،أما الصراع والتنافر بينهما فلن يؤدي إلا الى إضعافهما معا لصالح الأطماع والتدخلات الأجنبية. * عمق المشروع الإصلاحي شرط ضروري لنجاح الإصلاح: فلا يجوز أن يقتصر الإصلاح على إدخال ترميمات على الأوضاع القائمة بشكل يؤدي في الأخير الى إعادة إنتاج التخلف والجمود في ثوب جديد يوهم بالإصلاح لا غير، سواء تعلق الأمر بالإصلاح الفكري أو الإصلاح المؤسساتي. * التدخل الأجنبي لا يعفي من مسؤولية توفير شروط نجاح الإصلاح: إنه لا يمكن إنكار الدور السلبي الذي لعبه التدخل الأجنبي في عرقلة مشاريع الإصلاح والتحديث في المغرب، كما في العالم العربي والإسلامي عموما، خلال التاريخ المعاصر مثل ما حصل في المشرق مثلا مع تجربة محمد علي في مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن هذا المعطى الموضوعي لا يمكن أن تحميله كل مسؤولية الفشل، كون هذا التدخل ما كان لينجح في تحقيق أغراضه لولا ضعف الجبهة الداخلية ولولا ثغرات مشاريع التحديث نفسها، إن هذا الموقف يحيلنا على ما ذهب إليه المفكر الكبيرمالك نبي من أن الإستعمار لا يمكن أن ينجح لولا وجود القابلية للإستعمار. على سبيل الختم: لقد حاولت مقاربة إشكالية الإصلاح في المغرب المعاصر،بالتركيز بالأساس على أول تجربة إصلاحية عرفتها البلاد في هذه الحقبة، والتي انتهت بالفشل والسقوط تحت الهيمنة الأجنبية مع بداية القرن العشرين، أما جهود ومشاريع التحديث الموالية وخاصة تلك التي انطلقت منذ تسعينيات القرن الماضي فلا زالت تراوح مكانها، ويصعب التنبؤ بمصيرها وانعكاساتها على مستقبل البلاد في ظل ظروف دولية تزيد من تضييق الخناق على الخيارات الوطنية والتحررية للقيادات والشعوب المستضعفة، مما يجعل الإعتبار من مصير التجربة السابقة واجب اللحظة الحضارية، والأخذ بأسباب نجاح التحديث والإصلاح واجبا لا يعلوه واجب. الهوامش: 1- الشافعي العلوي ،"محاضرات في تاريخ المغرب المعاصر"، كلية الآداب بفاس، 1998،م. دون طبع. 2-3- نفس المرجع السابق. 4- نسبة الى المخزن، وهو مفهوم يطلق في التاريخ المغربي على الجهاز الإداري المشرف على تسييرشؤون البلاد، ويوجد على رأسه السلطان، 5- محمد المنوني، "مظاهر يقظة المغرب الحديث"، الجزء 1، ط. 2، ص.43 بتصرف. 6- الشافعي العلوي، "محاضرات في تاريخ المغرب المعاصر"، كلية الآداب بفاس، 1998،م.دون طبع، بتصرف. 7- محمد المنوني، "مظاهر يقظة المغرب الحديث"، الجزء 1، ط. 2، ص.80 و84 و87، بتصرف، 8- نفس الوجع ص 92 و 99. 9- الشافعي العلوي، "محاضرات في تاريخ المغرب المعاصر"، كلية الآداب بفاس، 1998،م.دون طبع، بتصرف 10- نفس المرجع السابق 11- محمد المنوني، "مظاهر يقظة المغرب الحديث"، الجزء 1، ط. 2، ص.115و116 و121، بتصرف، 12- نفس المرجع السابق ص 135 و136 بتصرف، 13- الشافعي العلوي، "محاضرات في تاريخ المغرب المعاصر"، كلية الآداب بفاس، 1998،م.دون طبع، بتصرف، 14- محمد المنوني، "مظاهر يقظة المغرب الحديث"، الجزء2، ط. 2، ص.من 141 الى 144 بتصرف، 15-61- الشافعي العلوي، "محاضرات في تاريخ المغرب المعاصر"، كلية الآداب بفاس، 1998،م.دون طبع، بتصرف، 17- أحمد عصيد، مشاريع الإصلاح بالمغرب، مجلة نوافذ،عدد 12 و13، أكتوبر 2001، ص.173 18- طارق البشري، الإصلاح الفكري والمؤسسي وتحديات المستقبل، مجلة المنطلق، العددان 108 و109،صيف وخريف 1994، ص. 43.