بابتسامة تحمل الكثير من معان الأمل والصبر والإصرار.. يستقبل الشاب السوري خلدون سنجاب زائريه، الذين يقفون مبهورين أمام حركات شفتيه، ولسانه، وهو يحرك بهم "فأرة" الحاسب الآلي، مترجما بشكل عملي، الشعار الذي يردده دائما "لا يأس أبدا في هذه الحياة، فالأمل معقود دائماً بالله". سنجاب (38 عاما)، أو "الشاب المعجزة"، كما يلقبه كل من يراه، تعرض وهو في ال 17 من عمره لحادث أثناء ممارسته السباحة على شاطئ مدينة طرطوس السورية، أدى إلى إصابته بشلل رباعي في جميع أنحاء جسده عدا عضلات الوجه، وشلل "الحجاب الحاجز"، جعله يستخدم جهاز تنفس صناعي بشكل دائم، ليبقى على قيد الحياة. لا قيود تقيّد أحلام وطموحات سنجاب، الذي يرى أنه "بالإصرار والمثابرة والتحدي والتوكل على الله يمكن للإنسان أن يحقق ما يصبو إليه"، قائلاً بصوته الهامس لمراسل الأناضول "رسالتي للجميع هي أن على الإنسان أن يستغل وقته، وصحته، ليكون منتجا قبل فوات الأوان". ويتابع واليقين يشع من عينيه، "عندما يصيبك اليأس، فلتغيّر حينها وجهة قلبك وقبلته، من المخلوق إلى الخالق، وابتسم فالابتسامة تفتح اﻷبواب المغلقة". الحياة "لا تنتهي بالبلاء طالما أن هناك عقلا سليما، وقلبا مؤمنا، ولسانا ذاكرا، وصديقا صدوقا، وأملا برحمة الله في الدنيا والآخرة"، وفق ما يؤمن به سنجاب، الذي وضعت شاشة حاسوب قربه، وأمام شفتيه فأرة صُمّمت خصيصا لحالته، حيث يغوص نحو "20 ساعة يومياً" في ذاك العالم الافتراضي، عالم الإنترنت والبرمجة، مستخدما لسانه وشفتيه فقط. وصمم سنجاب، تطبيقات كثيرة أبرزها "المكتبة البرمجية"، التي تستخدم لتصنيع تطبيقات ورسومات ثلاثية الأبعاد، وتطبيق لتعليم الصلاة، ومكتبة برمجية لحساب مواقيت الصلاة، وبرنامج خاص لمؤثرات الفيديو، وألعاب ثنائية وثلاثية الأبعاد، إضافة للوحة مفاتيح فعلية للكتابة باستخدام فأرة الحاسوب. ويشير إلى أنه يعمل لدى عدة شركات عالمية من سريره، ببرمجة أجهزة الحواسيب، وتركيب برامج الحماية و مديرا ل"سيرفرات لينكس" منذ سنوات طويلة، شاكرا أحد أصدقائه الذي طور فأرة الحاسوب بحيث يحركها بلسانه وشفتيه. ويوضح سنجاب، الموجود حاليا في بيروت، أنه اضطر أيضا ليعكس طريقة تفكير عقله في تحريك الفأرة "فعندما وضعوا الفأرة أمام فمي باتجاهها الطبيعي، أصبح الجزء غير الفعال منها هو الأقرب إلى فمي، فاضطررت لقلبها، فصرت إذا أردت تحريك سهم الفأرة في شاشة الحاسوب نحو اليمين أحرك لساني وشفتي نحو اليسار، والعكس صحيح، وعندما أريد تحريك السهم نحو الأعلى أحرك لساني وشفتي نحو الأسفل، والعكس صحيح، والأمر أصبح طبيعيا عندي". ويلفت إلى أنه يمتلك الكثير من المشاريع التي يرغب بتنفيذها في المستقبل وفق جدول زمني محدد، مشيرا إلى أن ما ينقصه "قليل من الوقت، بعيدا عن العمل الرسمي، لأنتج وأبدع الكثير، فأنا أحب أن أكون منتجا في كل وقت". وضع سنجاب الصحي لم يحرمه من أن يكون ربا لأسرة، فتزوج عام 2008 من "يسرا"، التي تقف دائما بجواره في أي مقابلة، فخورة به، وموصلة صوته الهامس لمن حوله، ما يجعل سنجاب يعتبرها "جوهرة، وملاك أرسله الله إليّ من السماء، أرجو الله أن يقدرني على إسعادها". "تزوجته لأنني أحببته بكل بساطة"، تحكي يسرا عن علاقتها بزوجها، مضيفة "كان يشرح لي بعض الدروس وأنا في المرحلة الثانوية، فأحببته ووقع النصيب". وتتابع "أنا سعيدة جداً أن أكون بخدمة خلدون فور مناداته لي، لا أشعر إلا بالرضا التام والحب الكبير معه وتجاهه، وأنا مقتنعة جدا جدا باختياري وقراري.. خلدون يعني لي الكثير، فهو زوجي وحبيبي وصديقي، وكل شيء في هذه الحياة، ليس لنا إلا بعضنا البعض"، مشيرة الى أنها ومنذ تزوجا لم تسمعه يتأفف من حالته فهو "صاحب أخلاق عالية جدا، يتميز بصبره وطول باله وحلمه"، على حد وصفها. وتشير يسرا إلى أن الأوضاع التي تشهدها سوريا حاليا، "دفعتنا في نهاية 2012 إلى التوجه للبنان، ولكن للأسف الوضع هنا لا يصلح لإقامة شخص بحالة خلدون الصحية، فهناك الكثير من المعاناة، وقد تعرض للموت 5 مرات بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتوقف جهاز التنفس الاصطناعي"، متمنية أن "تتوفر أسباب السفر إلى دولة أخرى، تكون فيها الحياة أسهل بالنسبة لخلدون، وأقل خطورة على حياته". وتوجه يسرا نداء لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لزيارة زوجها في بيته، مستنكرة عدم زيارة أي من موظفي المفوضية لهم، بل وطلبهم أن يحضروا "خلدون سنجاب" إلى مكتب المفوضية في بيروت، وهو الأمر الصعب للغاية، بحسب قولها. ولا تغيب جمل الحمد عن لسان سنجاب، الذي يعتبر نفسه يعيش بنعمة كبيرة، مردداً "طالما أنا على قيد الحياة، فأنا بنعمة عظيمة جدا، وطالما أن عقلي سليم فهذه نعمة أكبر من أي نعمة أخرى"، مشددا على حمد الله دائما "وأنا أدعوه أن يعافيني، بالرغم من أنني بنعمة كبيرة الأن". وعن بسمته التي لا تفارق وجهه، تساءل سنجاب "لماذا أحزن ؟! وما الداعي لذلك؟!"، مضيفا "صحيح أن الله أخذ مني أمرا، ولكنه أعطاني الكثير سواه، وحالي حاليا يستحق مني أن أكون مبتسما دائما. * الأناضول