عاش المغاربة في هذا الأسبوع حدثين رمزيين هامين في تاريخ المغرب الحديث: الحدث الأول تجلى في العمل النبيل الذي شرع فيه السيد وزير الصحة وهو نزع قيود مجموعة من المغاربة المنبوذين بسجن بويا عمر والذين ينعتهم المجتمع بشتى ألفاظ الإقصاء مثل(الحمق والجنون والهبل)، ونقلهم من هذا الوضع إلى وضع الرعاية الصحية النفسية، في انتظار إيجاد الحلول لنماذج أخرى من المنبوذين (المشردون، والمعطلون، وضحايا الإدمان، والمقصون من التغطية الصحية، ومن المشاركة السياسية،وووو...).أما الحدث الثاني فتجلى في ما قامت به أياد آثمة من تسريب لاختبار مادة الرياضيات لمستوى الباكالوريا. وموضع العجب في هذين الحدثين التاريخيين يكمن في كونهما يعبران عن مفارقة خطيرة وعميقة تجسد الصراع القائم اليوم بداخل المجتمع المغربي، وتنذر بمستقبل مغربي غامض: إنها مفارقة العقل واللاعقل، وما تخفيه من حروب طاحنة باطنية وعلنية بين معسكريهما، فكيف ذلك؟ إذا كان سلوك الحكومة في شخص وزير الصحة يدل على هدم اللاعقل المغربي ورمزه الخرافي "بويا عمر" من خلال كسر قيود جماعة مغربية مسجونة بداخله و محاولة إدماجها في مجتمع العقل، فإن هناك جهات أخرى تقوم بالفعل المعاكس أي بهدم العقل المغربي(ورمزه الرياضيات) لتضع بذلك اللبنات الأساسية لسجن "بويا عمر" جديد وكبير يتسع لمجموع الشباب وعموم الشعب المغربي مستقبلا. إن استهداف مادة الرياضيات بالضبط: مادة التمرن على التفكير والمنهج العقلانيين، ينطوي على رمزية خطيرة جدا، إذ لا يعد الغش فيها، في نظري، جناية قانونية فقط، بل محاولة للزج بالشباب المغربي في حظيرة اللاعقل وما تشمله من عاهات وآفات سيتحول معها الشعب مستقبلا، بجملة واحدة، إلى شعب من غير العقلاء في سجن خرافي كبير اسمه بويا عمر الكبير. والأخطر من هذا أننا سنعيش فيه غير واعين بحمقنا، وسنظل نرى تصرفاتنا الخرقاء (من غش ونفاق وجميع ألوان الفساد) سلوكات راقية وحداثية. إذ متى كان الحمقى يعرفون أنهم كذلك؟ ووحدها الشعوب العاقلة بالشمال وباقي العالم سترى سفهنا. لكنني أشك في أنها ستبادر إلى هدم بويا عمرنا وإعادة إدماجنا كمرضى نفسيين في مصحاتها؟ بل قد تهتبل الفرصة للسياحة عندنا والتفرج على هبلنا ونقل صوره، وإنتاج أفلام ضخمة عنه، وربما وجد علماؤها في ثقافتنا وعاداتنا المريضة مجالا خصبا لتأسيس فرع جديد من علوم الإثنولوجيا والأنثروبولجيا خاص بظواهر مرضنا، كما كان الحال عند ظهور طلائع الاستعمار الأولى. نسأل الله اللطف فيما جرت به أقداره وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، آمين. -أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة المغرب