كان التلميذ نائما في انتظار صباح اليوم الثاني من أيام امتحان الباكالوريا ، حين شعر بوالده الموظف يوقظه وهو يصيح : -انهض ..انهض بسرعة . نط التلميذ من فراشه ، وهو يظن أن حريقا شب بالبيت ، أم أن مصيبة حلت بأهله .سأل والده ووجيب قلبه يكاد يسمع من صدره : -ما الأمر أبي ..ما الذي حدث ؟ أجاب الأب بحماس منقطع النظير : -لقد توصلت على التو بامتحان الرياضيات الذي ستجري فيه اختبار صباح الغد .لدي الاسئلة والأجوبة معا.هيا استعد لتقرأها وتتدرب عليها في ما تبقى من الوقت قال الابن وقد سره الخبر : -من أين حصلت عليها أبي ؟ ابتسم الاب وقال : - بالمال يا ولدي نشتري كل شيء . طبعا هذا الحوار المتخيل ،لا شك أنه دار بين بعض الاباء الذين تمكنوا من التوصل إلى تسريبات امتحان البكالوريا في وقت مبكر من ليلة الامتحان .العديد من التلاميذ المحظوظين ذهبوا وفي جعبتهم الاجوبة الكاملة والصحيحة للامتحان،هذا الامتحان الموجه لأبناء الشعب من طنجة على الكويرة .والذي من المفروض أن يكونوا جميعا سواسية أمام أسئلته . وزارة التربية الوطنية هي المسئول الأول والأخير عن سرية الامتحانات وسلامتها إلى أن تصل إلى قاعات الامتحان بأمان .لكن يبدو أن وزارة السيد بالمختار لم تتمكن من حماية نفسها من دواعش سرقة الامتحان ، ليتسرب هذا الاخير وتصبح الفضيحة بجلاجل على حد تعبير إخواننا المصريين . بمجرد ما علم المغاربة بموضوع التسريب ،حتى خرج السكان في العديد من المدن وخاصة مدينة الدارالبيضاء ينددون بالتسيب الذي ينخر منظومتنا التعليمية . هذه المنظومة المتهالكة التي ما أن تحاول النهوض من كبوتها وترميم بيتها، حتى يأتي طارئ جديد فيهدم دعائم سمعتها لتسقط من جديد أرضا وتمرغ سمعتها في الوحل . احدى الجرائد اليومية نشرت على صدر صفحتها الاولى ، صورة شرطي وهو يمسك بأوراق مسربة في سجن عكاشة .بمعنى أنه حتى السجون التي هي تحت المراقبة المشددة لحراسها ، لم ينسها أصحاب الحسنات من المسربين فعمموا التسريبات من باب الحق في المعلومة للجميع . لا شك أن فضيحة تسريب الامتحانات وخاصة امتحان الرياضيات يطرح أكثر من تساؤل حول القيم التي أصبحت تحظى بأولوية في اعتبارات بعض المغاربة .هل انقلب سلم هذه القيم لتصبح الانتهازية والوصولية هي التي تتربع على رأسه ، هل أصبح أولائك الذين يكدون ويجتهدون ويسهرون الليالي لتحقيق نتائج مرضية مجرد أغبياء لم يفهموا كيف تدار الأمور في هذا البلد . الحقيقة أنه ومهما وجهنا من لوم لوزارة التربية الوطنية أوالحكومة بالتقصير واتخهمناها بالتقصير في مثل هذه النوازل ، فإن الأمر الأكيد الذي لا يمكن أن نختلف حوله هو أن الشعب يجب أن يعي أن تشجيع القيم الانتهازية تضر بأبنائنا وتضر بسمعة هذا الوطن . والحكومة أيضا مطالبة بأن تعيد القيمة للقيم النبيلة من خلال العمل على تخليق الادارة ، واستقلالية القضاء ،وتطوير منظومة التربية والتعليم والإعلام معا .لعلنا في المستقبل نتمكن من تربية أجيال أخرى على قيم أكثر نبلا ، وداعية إلى العمل الجاد لا التكاسل وانتهاز الفرص التي يوفرها المال والعلاقات لأبناء بعض الأسر المحظوظة . المغاربة اليوم يطالبون على صفحات التواصل الاجتماعي برأس وزير التربية الوطنية ، يردونه أن يرحل لأن الفضيحة وقعت بين جدران وزارته . السيد رئيس الحكومة ، ثارت ثائرته ورأى في تسريب الامتحان مسا بسمعة البلاد والعباد .وأكد السيد بن كيران أنه اتصل بوزير الداخلية لإجراء بحث معمق في هذه النازلة حتى يعاقب الفاعل او الجهة المسئولة عن التسريب وفق ما ينص عليه القانون . طبعا من المستبعد أن يستقيل وزير التربية الوطنية فالتعديلات الحكومية زادت عن حدها ، وزلات الوزراء تعددت بتعدد طوارئ تثير غضب الشعب .والكل لازال وإلى الآن يتحدث عن آخرها والمتعلقة بما فعلته جنيفر لوبيز بوزير الاعلام . أما أولائك الذين غادروا فعدده ليس بالقليل ، وإذا ما أصبحنا نقيل كل وزير أثر كل نازلة مثيرة فربما لن نخلص . ما ندعو إليه وزارة التربية الوطنية كحل للخروج من أمكانية تسريب الامتحانات مستقبلا ،هو أن تعيد النظر في طريقة وأسلوب اعداد الامتحانات .الطريقة التقليدية لم تعد مجدية وقد أثبتت فشلها .يمكن أن نقترح على الوزارة أن تلجأ للأسلوب الذي اعتمدته وزارة العدل في الأعداد للمباريات ، حيث قامت بنسخ كل امتحان أثناء دخول المتبارين إلى قاعة الامتحان .وفرت آلات النسخ وتم التوزيع الفوري لأوراق المباراة على المتبارين مما مكنها من تقليص هامش التسريب والتلاعب بالامتحان . ويمكن التفكير أيضا في وسائل وطرق أنجع وأفضل حتى لا تبقى البكالوريا مجرد بضاعة قابلة للبيع لدى خفافيش الظلام . -كاتب