حين هبت رياح الربيع العربي على المغرب ، استبشر الشعب المغربي خيرا بتأسيس حركة 20 فبراير التي آلت على نفسها أن تتحدث بلسان الشعب وتدافع عن حقوقه وكرامته، وتحارب الفساد والظلم والرشوة والمحسوبية والزبونية، داعية إلى إعادة ثروات الوطن إلى الشعب منطلقة من فكر حر نزيه قائم على تحقيق العدالة الاجتماعية لجميع المغاربة باختلاف لهجاتهم وأديانهم وألوانهم .وقد ظهرت هذه الحركة بعد نجاح الربيع العربي في تونس عام 2011، وظهور مقدمات نجاحه في مصر حيث قام مجموعة من الشباب المغربي أغلبهم ينتمون إلى اليسار الراديكالي بتسجيل فيديو قصير في الفايس بوك دعوا فيه الى التظاهر يوم 20 فبراير 2011، فتمت الاستجابة لهذا النداء من طرف آلاف الشباب الذين نظموا مسيرات ناجحة في معظم المدن المغربية مرددين شعارات تنادي بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، وبعد ذلك انضم معظمهم إلى الحركة وتم تأسيس فروع لها في معظم أقاليم المملكة . وكان من النتائج التي أسفرت عنها نضالات الحركة : - التحرر من عقدة الخوف واتساع مجال حرية التعبير واختفاء بعض الخطوط الحمراء . - تغير مفهوم السلطة حيث أصبحت تعتمد على الهدوء ومراقبة الاحتجاجات عن بعد، ونهج سبيل الحوار والإقناع مع الاقتراب من الشعب لتفهم حاجياته من خلال تفعيل دور بعض جمعيات المجتمع المدني. - تجاوب الخطاب الملكي 9 مارس2011 مع مطالبها، وإعلانه عن إصلاح دستوري سيستجيب لكل طموحات المغاربة . - استفادة بعض الأحزاب السياسية من مكاسب الحركة ،حيث قامت بقطف ثمار الأشجار التي سهرت الحركة على غرسها وسقيها وتعهدها حتى أزهرت وأثمرت وحان أوان قطافها. - وصول بنكيران إلى رئاسة الحكومة بعد تحقيق حزبه للأغلبية ليؤكد المشهد الحكومي أن العمل بين الإسلاميين (العدالة والتنمية) واليساريين (التقدم والاشتراكية) أمر لامناص منه. - اتساع مجال حرية التعبير في الحقل الإعلامي خاصة في الصحافة الورقية والإلكترونية . - تراجع كثير من المفسدين عن مخططاتهم ومشاريعهم الإفسادية خوفا من المحاسبة والعقاب. - ارتفاع نسبة فاعلية الرأي العام، حيث أصبح يشكل قوة ضاغطة بإمكانها إسقاط أي مسؤول لمجرد أول إخلال بالمسؤولية أو وضع اليد على المال العام. - استثارة الأحزاب السياسية لتجديد نفسها واعتماد آليات جديدة تتناسب مع تطورات المرحلة الراهنة . - نشر أدبيات جديدة للنضال السلمي مدعومة بثقافة شعاراتية جديدة. ولقد استطاعت الحركة استقطاب عدد من التنظيمات والجمعيات الحقوقية والشخصيات السياسية والثقافية من مذاهب مختلفة عقائديا وسياسيا، مما أسهم بشكل قوي في دعم الحركة ومساندتها ومدها بشحنة قوية من الثقة في النفس في نضالاتها . وكان من المفروض أن تستفيد الحركة من الدستور الجديد، لكن ماوقع هو العكس المزيد من الرقابة على الحركة والتضييق عليها ومنعها من ممارسة انشطتها واعتقال البعض من نشطائها وهذا أول فشل للدستور فبدل أن يشجع الهيئات السياسية والنقابية الجديدة قام بقمعها بدعوى مخالفة القانون. وقد حظيت هذه الحركة بتعاطف معظم المغاربة ، وحققت مسيراتها نجاحا كبيرا في كثير من المدن المغربية، إلا أنها أخذت تتراجع بشكل تدريجي حتى وصلت إلى وضع اكتفت فيه بالوقفات الأسبوعية والنضال المناسبتي، وانعطف كثير من نشطائها إلى الاشتغال في إطار الجمعيات الحقوقية ومساندة بعض الفئات المتضررة . ومن بين الأسباب التي أدت إلى تراجع الحركة وخفوت صوتها نذكر مايلي: 1- تضييق السلطات على الحركة ومنع أنشطتها . 2- تنوع الانتماء الإيديولوجي في الحركة، إذ شهدت الحركة توافد ممثلين عن أحزاب سياسية وتوجهات دينية ولغوية لاتخلو من نزعة سياسية الشيء الذي كدس فيها انتماءات سياسية ودينية مختلفة ومتعددة، ولكل انتماء منهجه الخاص في الإصلاح والتغيير، كما أن لكل انتماء أولوياته وأجندته الخاصة، مما أدى في النهاية إلى احتدام الخلاف بين أعضائها، بعد أن تم اتفاقهم على الاتحاد والإلتحام وتجميد كل الخلافات الفكرية والإيديولوجية إلى مرحلة مابعد إسقاط الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية . 3- محاولة بعض الهيئات السيطرة على الحركة والإستبداد بتسييرها . 4- عدم نضج الرؤية لدى أعضاء الحركة حال دون تبين الأفق وتغيير الاستراتيجية، وللحركة عذرها فهي لم تكن تتوفر على الوقت الكافي كي تجدد نفسها، كما أن ضعف إمكانياتها المادية والاضطهاد الذي كانت تتعرض له أحيانا لم يسمحا لها بمسايرة إيقاع التطورات السياسية والاجتماعية التي كانت تقودها السلطة من جانب والأحزاب السياسية من جانب آخر، ومما لاشك فيه أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الفاعلين السياسيين الذين كانوا يدعمونها،إذ لم يسارعوا إلى إبداع استراتيجية جديدة، كما توانوا عن تجديد الأشكال النضالية، بعد أن تبين أن المسيرات والوقفات فقدت كثيرا من فاعليتها ، وأصبحت أمرا مألوفا لم يعد قادرا على الاستئثار باهتمام كثير من المواطنين . 5- ضعف الإمكانات المادية لم يسمح للحركة بفتح مقرات لها، وإنجازماتراه مناسبا من الأنشطة التواصلية . 6- عجز الحركة عن استقطاب أطر عليا فاعلة واقتصارها في الغالب على المعطلين أفقدها شيئا من مصداقيتها لدى من ينظرون إلى الأمور بسطحية، إذ أصبحوا يرون أن منتهى أهدافها هو تشغيل أعضائها . 7- انسحاب أتباع جماعة العدل والإحسان من الحركة في مطلع سنة 2012 بعد أن كانوا يشكلون النسبة الكبرى في تنشيط المسيرات التي قامت بها الحركة ومما لاشك فيه أن حضورهم كان وازنا بما عرفوا به من الحماس ودقة التنظيم ،ومن الطبيعيي أن يترك انسحابهم فراغا كبيرا في الحركة. وقد جاء انسحاب الجماعة بشكل مفاجئ معلنا عن فشل العمل السياسي بين اليساريين والإسلاميين، ولم تكن التصريحات الموضحة لأسبابه مقنعة مما أدى إلى طرح مجموعة من التأويلات التي تشم منها رائحة اتهام الجماعة بالتواطؤ مع المخزن .بالرغم من أن ناطقها الرسمي صرح بأن السبب الرئيسي يتمثل في كون الحركة استنفدت مالديها ولم تعد قادرة على إبداع أساليب نضالية جديدة من أجل الضغط بشكل أقوى لانتزاع الحقوق المشروعة، مما يفهم منه ان الحركة لم تستطع أن ترقى إلى الطموحات النضالية التي كانت الجماعة تستشرفها. المغرب في ظل غياب الحركة : إحياء للذكرى الرابعة لتأسيس الحركة والتي صادفت يوم الجمعة 20 فيراير 2015. وفي أجواء من الحماس، وقف حوالي 200 شخص من الفبرايريين أمام البرلمان في الرباط وهم يرددون شعارات تهم الكرامة والديموقراطية وإسقاط الفساد. وقال أحد المشاركين لفرانس برس :"نحن هنا لنظهر أن حركة20 فبراير مستمرة، لقد شهدت تراجعا بالتأكيد لكنها ما زالت حية". صحيح أن الحركة مازالت حية لكنها لم تعد بالحيوية التي كانت عليها، ولم تستطع المحافظة على حضورها اليومي من خلال الوقفات والمسيرات الاحتجاجية ، وأصبحت تكتفي بالنضال المناسباتي، وأصبح غيابها عن المشهد السياسي واضحا، وذلك لأسباب يطول شرحها، منها ماذكرناه في هذا المقال ومنها مالم نذكره، إلا انها رغم كل ذلك ماتزال حاضرة في كيان معظم المغاربة بأفكارها ومبادئها وروحها النضالية المستميتة،وبجرأتها النادرة على المطالبة بالحقوق، وماتزال دروسها في النضال مرجعا لكل المناضلين، وماتزال شعاراتها تتردد على ألسنة المحتجين في وقفاتهم الاحتجاجية أو مسيراتهم النضالية، وماتزال ثقافتها الإحتجاجية مترسخة في كل المناطق المغربية، والواقع يشهد على أن مختلف شرائح الشعب المغربي قد تحررت من عقدة الخوف، ولم يعدهناك مانع يمنعها من ممارسة حقها في عرض مشاكلها ومطالبة السلطة بحقوقها، فحتى سكان الدواويرالجبلية ينزلون الى المدينة من أجل تنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية أمام الولاية أو أمام بعض الإدارات الأخرى للاحتجاج والمطالبة بحقوقهم . ويبدو أن الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني التي بذلت جهودا كبيرة في التسويق للإصلاحات الدستورية ونظمت حملات عديدة من أجل الدعوة إلى التصويت عليها، قد نسيت أو تناست ماقدمته خلال ذلك من وعود والتزامات وضمانات بمحاربة كل أشكال الفساد، والسعي إلى تحقيق عدالة اجتماعية تنعم في ظلالها كل طبقات الشعب بالكرامة والعيش الكريم . ومعظم المغاربة أدركوا أن الطريقة التي طبقت بها الإصلاحات الدستورية لم ترق إلى مستوى طموحات الشارع المغربي وانتظاراته. وماتزال الأسباب التي من أجلها خرجت الحركة قائمة، من استمرار للفساد وسطوة للمفسدين، والتضييق على كل أشكال النضال الحر النزيه، وغياب العدالة الاجتماعية، بل ازداد الوضع سوءا بتجميد الأجور والرفع من الأسعار . فهل هي استراحة المحارب، أو هي وقفة تأملية لمراجعة الذات والوسائل والغايات، وستعود بعدها الحركة لتدشن بداية مرحلة جديدة من النضال السلمي، تكون أكثر قوة وعمقا وانضباطا ، وأكثر انسجاما وتفهما، وذلك برفع شعارات أقوى من تلك التي رفعتها من قبل والتركيز على الأولويات الكبرى في الإصلاح السياسي والاجتماعي، وذلك من أجل مغرب ديموقراطي قادر على ضمان الكرامة والحقوق الإنسانية لجميع المواطنات والمواطنين، دون الانجرار إلى مستنقع الصراعات الإيديولوجية التي سوف لن تزيد الوضع إلا استفحالا .