يشارك المغرب في الدورة الثانية لأشغال "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة 2015"، التي تنطلق في أبوظبي اليوم الثلاثاء، ولمدة ثلاثة أيام، برئاسة العلامة الموريتاني الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس المنتدى، وبمشاركة أكثر من 350 شخصية من العلماء والمفكرين الإسلاميين من شتى أنحاء العالم. وأورد محمد البشاري، منسق منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، أن هذه الدورة تناقش المخاطر التي تعصف بالأمة الإسلامية، وإمكانية وضع حد للنزيف الذي يهدد مستقبلها، إلى جانب السعي لخلق تيار سلام قوي في المجتمعات المسلمة يناهض تيار العنف والغلو والتطرف". واللافت أن المغرب يشارك في هذا الملتقى بوفد رسمي وازن يتقدمه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف، ومحمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وأحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، وأحمد عبادي، أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء، وعبد الله بوصوف، أمين عام مجلس الجالية المغربية المقيمة في الخارج، وشخصيات فكرية وعلمية، منها محمد الروكي، وعبد الحميد عشاق، وعبد المجيد الصغير، وإبراهيم مشروح، وغيرهم. ولم يسبق لمُمثلي المؤسسات الدينية المغربية أن ساهموا جميعاً بمثل هذا الحضور الجماعي الوازن في لقاء يُعنى بقضايا السلم، كما هو الحال في "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة 2015"، فما هي أسباب الإنزال لممثلي المؤسسات التي تعنى بتدبير الشأن الديني بالمغرب للمشاركة في منتدى علمي خارج البلاد؟ ترسيخ الإسلام المغربي وعادة لا يتم حضور هذه الشخصيات بهذه الكثافة إلا في حالة وحيدة فقط، محلياً، في لقاءات تحظى برعاية فعلية أو رسمية لملك البلاد، أو في فعاليات الدروس الحسنية الرمضانية، ما يجعل باب السؤال مشرعا حول أهمية هذا الحضور الرسمي، وإذا ما كان يتعلق بإرادة ملكية لترسيخ الحضور المغربي في جانبه الديني لمناهضة آفة العنف والتطرف. منتصر حمادة، الباحث في الشأن الديني، اعتبر أن الحضور الديني الرسمي، ممثلا في العلماء الرسميين للبلاد، "يفيد أن هناك إرادة ملكية لترسيخ الحضور المغربي في المشروع، الذي تحتضنه دولة الإمارات، موازاة مع تكثيف التنسيق المغربي الإماراتي في العديد من القطاعات الأخرى. واعتبر حمادة، في اتصال مع هسبريس، أن الحضور المغربي يندرج أيضاً في سياق "عرض التجربة المغربية في الموضوع، والتي تتوزع على شقين اثنين: شق قديم، يهم معالم التدين المغربي الوسطي والمتسامح والمنفتح، ومتأصل منذ قرون مضت". وتابع بأن هذا الشق يُفسر مثلا أن يكون المغرب أول دولة عربية إسلامية تستقبل بابا الفاتيكان، قبل اعتداءات 11 شتنبر 2001، في فترة حكم الملك الحسن الثاني، أي قبل الفترة التي سوف تتميز بفورة في الحديث عن الانفتاح، والاعتدال، والوسطية، والتسامح". واستطرد الباحث بالقول: "هذه الفورة جاءت مباشرة بعد واقعة نيويورك وواشنطن، بمعنى أن المغرب كان يُمارس الانفتاح والتسامح على أرض الواقع، وليس في الندوات والملتقيات، كما هو قائم بشكل كبير اليوم". ويناقش المنتدى موضوعات تتمثل في "النصوص الحاكمة القيم المفاهيم القواعد، والوسائل، وجغرافية الأزمات في المجتمعات المسلمة، وتجربة السلم والمصالحة في المجتمعات المسلمة، وتجارب السلم والمصالحة في العالم". ويناقش المؤتمر قضية تكفير المجتمع وخطورتها على الأمن والسلام الاجتماعي، والجهاد، وتقسيم المعمورة إلى دار سلم ودار حرب، ومدى خطورة هذا الطرح على التعايش السلمي، وتطوير الخطاب الديني. تسويق للتجربة المغربية ويذهب حمادة إلى أن الحضور الوازن للمؤسسات الدينية الرسمية، يدخل في باب استعراض التجربة المغربية في تدبير الشأن الديني، والتي انطلقت على عهد الملك محمد السادس، في نهاية 2002، مع تعيين أحمد التوفيق وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية". وتابع المحل بأن "هذه التجربة تتميز بتكريس ما يُشبه "الحكامة الدينية" في تدبير الملف، عبر توزيع المهام والاختصاصات، وفصل المؤسسات وتأهيل الفاعلين الدينيين، من أجل مواجهة لائحة من التحديات التي تواجه التدين المغربي، سواء كانت تحديات عقدية أو مذهبية أو سلوكية، وفكرانية أو إيديولوجية. وزاد المتحدث أن التجربة المغربية في مجال تدبير الشأن الديني تتميز كذلك "برغبة العديد من الدول العربية والإفريقية وحتى الأوروبية، في الاستفادة منها، بصرف النظر عن بعض التحفظات والمؤاخذات التي قد توجه إلى بعض تفاصيل التجربة". ويكمل الباحث "إجمالاً، مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب، أصبح تجربة رائدة، وأصبحت أضواء صناع القرار في المنطقة إقليمياُ وعالمياً، تسلط عليه أكثر من أي وقت مضى، فضلا عن أضواء المراكز البحثية والمؤسسات الإعلامية". وفي هذا الصدد يسأل مراقبون عن أسباب عدم طرق هذه الدول العربية والإفريقية والأوروبية أبواب مرجعيات أخرى رائدة، من قبيل مرجعية مؤسسة الأزهر الشريف، ومرجعية مؤسسة خادم الحرمين، والاهتمام بالمدرسة المغربية المعاصرة في تدبير الشأن الديني وحدها؟. يجيب حمادة قائلا: "صحيح أن المنتدى يتميز بمشاركة العديد من الرموز الدينية في المؤسسة، من قبيل شيخ الأزهر، أحمد الطيب، والأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، جعفر عبد السلام، وشوقي علام، مفتي الديار المصرية، ولكن أغلب هذه المراجع تعاني في ديارها مع بعض تبعات أحداث "الربيع العربي"، في شقيه الديني والسياسي". واسترسل "هذا خلاف السائد في الساحة المغربية، ومن هنا بعض أسباب هذا الإنزال الديني المغربي الرسمي في منتدى أبو ظبي، بل إنه حتى منسق المنتدى، محمد بشاري، أحد ممثلي الجالية المسلمة في فرنسا، من جنسية مغربية، دون الحديث عن لائحة عريضة من الأسماء العلمية المغربية المشاركة في اللقاء". وأضاف المتحدث أنه عند تأمل تعامل أفارقة موريتانيا ومالي والنيجر والسنغال مع المغاربة إجمالاً، ومع مؤسسة إمارة المؤمنين بالتحديد، سوف "تتضح بعض معالم الأجوبة على السؤال الذي يتردد كثيراً خلال السنين الأخيرة، بخصوص هذا الاهتمام الكبير بالتجربة المغربية في تدبير الشأن الديني. ولفت الباحث إلى وجود ما سماه بعض "القنابل الدينية الموقوتة"، من تيارات وجماعات، لديها مشكلة حقيقية مع الإسلام الثقافي في نسخته المغربية، ولديها مشكلة بنيوية مع الوسطية في نسختها المغربية"، على حد تعبيره. وخلص حمادة إلى أن المشاركة المغربية في المنتدى "ليست من أجل تمرير شهادة حسن سيرة وسلوك لباقي المشاركين، وإنما لإعطاء بعض الدروس النظرية والعملية في موضوع التصدي للعنف والتطرف الذي يهدد الدين والدولة في الوطن العربي خصوصا، وفي العالم الإسلامي بشكل عام".