سمحت لي ظروف إقامة مؤقتة في هذه المدينة الهادئة، أن سجلت بعض الارتسامات ولو من باب الشكر وإفشاء التحية والسلام.. * القنيطرة ودعت إلى غير رجعة مخلفات الوجود الأجنبي مع ما اقترن به من سلبيات أخلاقية ومجتمعية. * افتقاد المدينة لجوانب كثيرة من معالم مدينة العبور من جنوب ووسط البلاد نحو شمالها.. وأن إنجاز الطريق السيار ترك المدينة تواجه مصيرها اعتمادا على إمكانيتها ومؤهلاتها. * يكاد جميع سكان المدينة ممن حاورتهم أن القنيطرة بدأت مسيرة النمو والتحول في السنوات الأخيرة فقط.. وهو ما عكسته المشاريع العقارية التي شملت جميع محاور شوارعها وأطرافها.. * يرجع الفضل في جانب كثير من هذه النهضة العمرانية إلى الكفاءات ورؤوس الأموال الوافدة من مدن مختلفة كفاس والرباط وطنجة إلخ... * إن نسبة هامه من الساكنة خاصة من الأطر، اختارت وفضلت الإقامة في القنيطرة والتنقل للعمل في المدن المجاورة خاصة الرباط بسبب شروط السكن المشجعة وحركة القطارات المكثفة. لكن القنيطرة، فعليا بإمكانها أن تكون حاضرة وطنية وجهوية رائدة: وهذا لن يكون بمحض الصدفة أو من باب التمني لعدة اعتبارات. موقع المدينة الاستراتيجي وسط المغرب النامي وسهولة التواصل مع مختلف مناطق البلاد شمالا وجنوبا وشرقا وهو ما كرسته محاور الطريق السيار في أفق تعزيز شبكة السكة بالقطار فائق السرعة. المدينة تتوسط إطارا جغرافيا وبيئيا نموذجي: الغابات، تنيات نهر سبو الفريدة، شواطئ ذات جمالية خاصة وطيور مهاجرة تؤتت فضاءات المدينة، مناخ شبه معتدل على مدار السنة، يتوج كل هذا وذاك بسهول الغرب عنوان قوة المغرب الأخضر. احتضان المدينة لمجموعة من المؤسسات ومراكز التكوين تعززت بنواة جامعية من أجل تأهيل العنصر البشري والرفع من المردودية. المجتمع الغرباوي بمختلف مكوناته وأطيافه مجتمع شاب ونشيط ومضياف يفتح أحضانه للجميع. ساكنة مقبلة على الحياة وقوة استهلاكية بامتياز كلما اتسعت لها أبواب الرزق وفتحت أمامها آفاق العمل والإنتاج... رغم كل هذا وذاك تعكس المدينة كمجال معماري وتخطيط مجالي وبنية سكانية ومجتمعية واقتصادية: جوانب كثيرة من سلبيات ومعوقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فكيف السبيل إلى مدينة ناهضة شكلا ومضمونا؟ ابتداءا وانتهاءا، ليست هناك وصفة سحرية لمعالجة كل الاختلالات.. لكن الأمر يتطلب الاستعمال الأمثل لهذه المؤهلات والتوظيف المعقلن لمختلف الإمكانات المتاحة أو الممكنة في إطار مشروع مجتمعي تنموي تتظافر فيه جهود الجميع بعيدا عن الحسابات الضيقة والغايات المبيتة التي ابتليت بها البلاد والعباد وتبقى هذه الملاحظات من باب النصيحة: نصيحة زائر مجتهد وكفى. من ذلك أولا: إعطاء المدينة الناهضة كل الشروط المعمارية والبنيوية والمجالية والتأهيلية والهيكلية حتى يكون نموها نموا عقلانيا ومتكاملا ومنسجما ييسر الحركية والولوجية والاستقطاب الاقتصادي ويقضي على مظاهر البداوة والتشتت أو سوء الاستغلال للمجال العمراني (واقع التمدد العمراني الوحيد الاتجاه، جنوب شمال، متوارث عن واقع المدينة كخط مرور وعبور). ثانيا: تكريس خيار وسياسة انفتاح الجامعة على المحيط وكذلك المحيط على الجامعة ومراكز البحث.. وهذا من أكبر أعطاب وتحديات التكوين الجامعي عامة، لأن الجامعة لم تخلق لتكون جزيرة مغلقة أو فضاءا لتكوين أطر معينة وفق تخصصات محددة سابقا من المركز تكرر نفسها عبر مختلف الجهات، بل لتكون الجامعة والمحيط في شراكة دائمة وأبدية ومصيرية للفعل في المجال التنموي بشريا وإشعاعيا وتأطيريا. ثالثا: تواجهك في المدينة بنايات فخمة ومتميزة تعلمك أنها مكاتب وإدارات ومؤسسات الاستثمار الفلاحي .. لكن هل توجد مؤسسة علمية رفيعة المستوى تحتضن كفاءات علمية وتخرج خبراء في مجال البحث الزراعي والغابة والتغذية والأحياء المائية والبحرية وتربية الطيور ذات بعد محلي وجهوي ترقى إلى مستوى إمكانيات الغرب الغني. رابعا: حسب علمي المتواضع إن اتحاد المقاولات في الدول لا يقف عند حدود الدفاع عن مصالح رجال الأعمال بل يكون قاطرة للتنمية والاستثمار في العنصر البشري والبحث العلمي من خلال اتفاقيات تعاون وشراكة مع الجامعات ومراكز ومختبرات الأبحاث وفعاليات المجتمع المدني وإنشاء المؤسسات الخاصة بالتكوين.. وأنه سيكون من الأنفع أن تكون له فروع بعدد الجهات للاقتراب أكثر من قضايا وآفاق التنمية فلاحية كانت أم سياحية أم صناعية وتجارية أو بيئية. خامسا: يظهر أن مجال عمل المجتمع المدني بالقنيطرة جد شاسع ومعقد بالنظر إلى تعدد قضايا المدينة ومجال نفوذها وإشعاعها.. مما يفرض تكاثف الجهود وتنسيق المبادرات والتدخلات وتنويع مصادر التمويل والدعم.. وقد راعني ما تعانيه بعض المناطق الخضراء من إهمال بالرغم من موقعها في واجهة المدينة وقلبها النابض.. أتمنى أن تحظى المناطق الخضراء وعمليات التشجير بعناية خاصة وكذلك نظافة شارع محمد الخامس، خاصة وأن مياه النهر توفر مصدرا فريدا لتحويل المدينة إلى حديقة مزهرة تعانق الحزام الغابوي الذي يشهد عمليات اجثتات واسعة. وأخيرا.. أعتقد أن مدينة القنيطرة فعليا مقبلة على قفزة تنموية واعدة في مختلف المجالات وأن الزيارة الملكية في شقها الأول وما رافقها من مشاريع الخير والتأهيل جاءت لتبارك هذه الانطلاقة.. شريطة أن يكون لسكان المدينة وكل الفاعلين والمتدخلين الإرادة الصادقة والعزيمة الخالصة لتجعل حاضرتهم قطبا عمرانيا وسياحيا واقتصاديا بامتياز بفضل ما حباها الله من خيرات وإمكانيات قل نظيرها في مناطق وحواضر وجهات كثيرة من المملكة الشريفة والله ولي التوفيق. [email protected]