توصلت الجريدة من مكتب فرع مدينة القنيطرة للاتحاد الاشتراكي ، بتقرير بشأن الأوضاع بهذه المدينة ، حيث تم تشخيص العديد من المعيقات التي حالت دون تمكينها من لعب دور الحاضرة الجهوية الكبرى القادرة على تأطير المجالات المحلية القروية وشبكة الحاضرات الصغرى والمتوسطة. لقد تطرق التقرير إلى سلبيات السياسة الحضرية (التدبير والتخطيط الحضريين) وتم الكشف عن مواطن الخلل وضعف قدرة الفاعلين في مختلف مناصب المسؤولية التمثيلية على بلورة وقيادة سياسة حضرية في مستوى الانتظارات والتصدي لمظاهر الفساد ورد الاعتبار للعمل السياسي والاجتماعي بها. انتهج مكتب الفرع في إعداد تقريره سياسة القرب من أجل التعرف بعمق على معاناة الساكنة وحاجياتها وتمثلاتها الفردية والجماعية. الملاحظة البارزة في تعبيرات المواطنين تتمثل في استيائهم من استمرار الانزلاقات التي أنهكت المدينة، ومعاناتهم من التهميش جراء سياسة الانغلاق والانفراد في اتخاذ القرارات المصيرية التي تهم مدينتهم. وقد تم اللجوء في جمع المعلومات إلى كل الفعاليات حيث تم الانفتاح على الفاعلين السياسيين في كل القطاعات المهنية والشبابية والنسائية وفي جبهة المجتمع المدني حيث تم الإنصات إلى العديد من الجهات الفاعلة في المدينة، وتم استحضار الانتظارات الآنية والمستقبلية للساكنة ومتطلباتها الضرورية المستعجلة. التعبير البارز للمجتمع المحلي هو الرفض التام للارتجال الذي يميز تسيير شؤون المدينة وللممارسات غير اللائقة التي عرفتها مجريات الدورة الأخيرة لمجلس المدينة حيث تحولت إلى حلبة للمصارعة وتبادل التهم بالفساد وسوء التدبير بين أعضاء المجلس، واتهام الفريق المسير بالتماطل والوعود الكاذبة وإصدار الخطابات السياسوية، حسب تعبير غالبية السكان، إن لجوء المجلس إلى هذا الأسلوب الملتوي ليس أمرا عاديا مرتبطا بالحياة الجماعية، بل طريقة ممنهجة لإخفاء ضعف القدرة على قيادة التدبير الحضري في سياق التطور العام الذي يعرفه المجتمع القنيطري وضعف القدرة في التحكم في التطورات العميقة التي يعرفها النسيج الحضري وامتداداته الجغرافية ( اتساع رقعة الأحياء المهمشة والمعرضة لمختلف أشكال الإقصاء والحرمان). كما تم تسجيل هوة كبيرة بين التطور الجغرافي والديموغرافي الذي تشهده المدينة وحدة التراجع والتردي الكبيرين في جميع المجالات الحيوية، كالصحة والبيئة والشغل والنقل... إلخ. وفي هذا الباب، ومن أجل الوقوف عن كثب على حدة الخلل في التدبير، اقتصر التقرير على تشخيص حدة التراجع وتدهور الخدمات العمومية في بعض القطاعات الحيوية. قطاع التربية والتكوين بالرغم من كون قطاع التربية والتكوين يعد القضية الثانية بعد القضية الوطنية، فإنه لم ينل ما يستحقه من دعم من قبل مختلف الهيئات والجهات المسؤولة في المدينة. فمازالت الهيئات المنتخبة بعيدة كل البعد عن اهتمامات السكان في مجال التعليم بمختلف أسلاكه، نظرا لغياب استراتيجية تنموية في تدبير الشأن التعليمي، بدءا بما يمكن أن تقدمه الجماعات المحلية من دعم واحتضان للجامعة والجامعيين والمدرسة والمدرسين والإسهام في بناء المدرسة الوطنية المواطنة. لقد تم تسجيل غياب تام للمجلس البلدي في السياسة التعليمية بالمدينة حيث لم يعط الاهتمام المطلوب لتنفيذ سياسة الحكومة في هذا المجال ( الميثاق الوطني للتربية والتعليم، المخطط الاستعجالي، والمبادرة الملكية لتوزيع المحافظ ومستلزمات الدخول المدرسي التي استقبلتها العديد من الأسر بابتهاج،...). كما لم تعرف المدينة أي مبادرة في مجال الإسهام في تحديد منظومة قيم المدرسة الوطنية التي تستجيب لمقومات المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وفي تحسين الجودة ومحاربة الأمية والهدر المدرسي. وإجمالا، يعاني القطاع التعليمي من عدة مشاكل منها ظاهرة الاكتظاظ، وضعف المردودية والأداء بالنسبة للمدرس، وصعوبة التلقي بالنسبة للتلميذ، وظاهرة ارتفاع مستوى الخصاص في عدد المدرسين وما يسببه من خلل في التمدرس (حذف بعض المواد الدراسية كالاستغناء عن تدريس مادة الفلسفة في الجذع المشترك)، وظاهرة الخصاص في عدد القاعات وقلة الأطر التربوية، وظاهرة غياب سياسة استشرافية بخصوص النمو الديموغرافي بالمدينة وأحوازها وما لذلك من تأثير مباشر على سداد معطيات الخريطة المدرسية ( تم تحويل مؤسسات من سلك إلى سلك آخر ونتجت عن ذلك اضطرابات وصعوبات لدى آباء وأمهات وأولياء التلاميذ أثناء عملية نقل أبنائهم، وعدم استقرار الأساتذة جراء الترحال الدائم بين المؤسسات،..)، وظاهرة ضعف أو انعدام إحداث مؤسسات جديدة في المناطق والأحياء ذات الكثافة السكانية القوية ومن ثم تسهيل التمدرس وتخفيف العبء عن التلاميذ وأوليائهم، وظاهرة غياب الرقابة الفعلية في صرف ميزانية المخطط الاستعجالي وفي الحفاظ على المشاريع المنجزة والممتلكات والتجهيزات المدرسية ( اقتلاع نوافذ أقسام من خشب قديم وجيد وتعويضها بخشب جديد رديء، ناهيك عن الحالة المزرية لجدران وأبواب الأقسام في بعض المدارس والتي تبعث على الاشمئزاز والنفور،...)، وظاهرة الغياب التام للهيئات المنتخبة، وظاهرة ضعف مجهودات الدعم الاجتماعي في مختلف مجالاته، وظاهرة التخريب الذي تتعرض له المؤسسات التعليمية بسبب غياب الحراسة الدائمة للمؤسسات التعليمية وتركها عرضة للنهب وتحويلها إلى فضاءات لمعاقرة الخمور وتعاطي المخدرات من قبل المنحرفين والغرباء. - الفضاءات الثقافية والرياضية : تعرف المدينة غياب الفضاءات الثقافية والاجتماعية التي من شأنها استقبال الشباب وتمكينهم من الشروط الضرورية للدراسة والتحصيل والانفتاح العلمي والثقافي. فبالرغم من هذا الخصاص الكبير في المجال الثقافي والرياضي، تم إقبار مشروع المركب الثقافي الذي كانت تنتظره الساكنة دون معرفة الأسباب، ودون محاسبة المسؤولين عن هذا الإقبار. وفي المجال الرياضي، أدى تخبط فريق النادي القنيطري لكرة القدم في مشاكل كبيرة إلى تدهور وضعه الكروي وترتيبه في البطولة الوطنية. وفي هذه النقطة بالذات استغرب المواطنون من هذه الوضعية حيث ربطها بسوء التدبير المالي والاستغلال السياسوي للرياضة والابتعاد عن الرهانات الحقيقية في هذا المجال. - النقل: تفاقمت أزمة النقل العمومي وتدهورت الحالة الميكانيكية لمعظم الحافلات بالمدينة (Usure) . ونظرا لتفاقم المشاكل في هذا القطاع، أصبح هذا القطاع بعيدا كل البعد عن الاستجابة لحاجيات السكان حيث أصبح يتسبب لهم في تعطيل مصالحهم باستمرار. فوجود شركة واحدة للنقل بعدد محدود من الحافلات لا تغطي كل أحياء المدينة التي عرفت اتساعا ملحوظا وازديادا في عدد السكان. فقد أصبح المواطنون، خصوصا ذوي الدخل المحدود وأبناءهم من طلبة وتلاميذ وعمال، يعيشون أزمة حقيقية في مجال النقل والتنقل إلى المدرسة والجامعة والمستشفى والأسواق ومقرات العمل. كما يتسبب اكتظاظ وتكدس المواطنين في محطات وقوف الحافلات في أوقات الذروة وداخل الحافلات في تفشي السرقة والتحرش الجنسي، والاعتداء على حرمة النساء. - الطرقات بالمدينة: على الرغم من قيام السلطات بإصلاح خط الشارع الرئيسي للمدينة، فإن الوضعية المزرية للطرق في باقي أحياء المدينة تعاني من كثرة الحفر حيث أصبحت تشكل عرقلة حقيقية للسير وتتسبب في تدهور الحالة الميكانيكية لكل أنواع وسائل النقل. كما أدى تدهور وضعية الطرقات وأزقة الأحياء والشوارع إلى وقوع حوادث سير عديدة كان ضحيتها المارة والسائقين على السواء ( تطبيق مدونة السير الجديدة). كما أدى وضع «دودانات» لخفض السرعة بطريقة عشوائية إلى وقوع حوادث سير مميتة أحيانا ذهب ضحيتها عدة أبرياء ( ضحايا طريق مهدية: حسن الجزولي، إدريس الزهار، وصال بنت فاطمة الكانوني). أما الشوارع والأزقة وسط الأحياء فقد تفاقمت بها الحفر إلى درجة أصبح استعمالها في غاية الصعوبة خصوصا عند تساقط الأمطار. - إشارات المرور الضوئية : لقد تم تسجيل نقص شديد وقلة في إشارات المرور الضوئية في العديد من الملتقيات الطرقية ( في أولاد أوجيه والطريق المزدوج الرابط بين الإسماعيلية والحوزية وطريق مهدية) بالرغم من كون هذه الطرقات تعرف إقبالا كبيرا ومكثفا للحافلات وسيارات الأجرة الكبيرة التي تربط كل الأحياء بفضاء الاصطياف المهدية. - الإنارة العمومية: تعرف هذه الإنارة نقصا كبيرا حيث تنعدم في عدد كبير من الأزقة والشوارع والساحات العمومية. فالعديد من المصابيح معطلة، والأغطية أسفل الأعمدة الكهربائية المخصصة لتغطية الخيوط الكهربائية غير موجودة. وهذه الوضعية تشكل خطرا على سلامة المواطنين وأمنهم. فإضافة إلى خفوت الإنارة في الشوارع الرئيسية ( شارع محمد الخامس، محمد الديوري، الشارع المؤدي إلى حي الساكنية...)، فإن باقي الشوارع والأزقة والأحياء (المدينة العليا، ميموزا، فال فلوري، أولاد أوجيه، الإسماعيلية، الحوزية، الخبازات، باب فاس، عرصة القاضي، الساكنية، المغرب العربي، أولاد مبارك، إلخ) فهي شبه مظلمة. - النظافة بالمدينة : يعتبر قطاع النظافة بالمدينة من أكثر القطاعات التي تعاني من سوء التدبير حيث تعرف الأزقة في الأحياء انتشارا كبيرا للنفايات، ناهيك عن تراكمها في جانب الطرقات نظرا لضعف حمولة الحاويات المخصصة لوضع الأزبال مقارنة مع الكميات الحقيقية التي تتخلص منها الساكنة. أما أماكن تجمع الباعة المتجولين، من بائعي الخضر والفواكه والأسماك، فتعرف وضعا كارثيا حيث تنبعث منها الروائح الكريهة باستمرار. وأمام هذا التردي، يتساءل المواطنون عن فحوى تفويت هذا القطاع وما آلت إليه صفقة تدبير النفايات خارج المدينة، ومدى التزام الشركة المعنية بتنفيذ دفتر التحملات الذي كلف ميزانية المدينة مبالغ مالية خيالية. - الوضع البيئي : يعرف الوضع البيئي بالمدينة ومحيطها تدهورا على العديد من المستويات. لقد تسبب اقتلاع الأشجار وانتشار النفايات والأزبال والأكياس البلاستيكية في الأزقة والشوارع والمحيط الغابوي في تدهور البيئة الحضرية وتعريض صحة وسلامة الساكنة للخطر. كما أدى ضعف العناية بالمنتزهات وبالمساحات الخضراء إلى الرفع من حدة التدهور البيئي بالمدينة ( هذا مع العلم أن محيط المدينة يتوفر على مجالات طبيعية هائلة، كنهر سبو، شاطئ المهدية، غابة المعمورة، ضاية سيدي بوغابة). كما أدت المبالغة في توسيع مجال البناء إلى انقراض أماكن وفضاءات الترفيه كالحدائق والمساحات العمومية. وعليه تم الوقوف في هذا المجال على غياب الاهتمام بالبيئة والمناطق الخضراء في التدبير الحضري، حيث تم ترك القطاع للمبادرات الفردية غير المدروسة (تطوع السكان في غرس الأشجار والعناية بها أمام منازلهم). الوضعية الاقتصادية: لقد تم تسجيل استفحال البطالة وسط الشباب أصحاب المهن وخريجي المدارس والجامعات نتيجة انعدام سياسة تنموية تهتم بالقطاعات والوحدات الإنتاجية التي من شأنها توفير فرص الشغل للتصدي لمعضلة البطالة. كما تم تسجيل تجاوزات مفضوحة لقانون الشغل حيث تمارس مجموعة من الضغوطات على الفئة العاملة من الشباب ودفعها للاشتغال لساعات طويلة في ظروف لا إنسانية وبأجور هزيلة. ولتلبية الحاجيات اليومية، يلجأ عدد كبير من الشباب إلى أعمال غير مهيكلة، مما يطبع المدينة بطابعي البداوة والفوضى اللذين ينعكسان سلبا على صورتها الحضرية. السكن والتعمير بالمدينة عرفت مدينة القنيطرة في العشرية الأخيرة توسعا في مجال الإسكان والتعمير، لكن هذا التطور الإيجابي من الناحية الكمية صاحبه تطور سلبي وعكسي من الجانب النوعي والذي يمكن تلخيصه في مجموعة من المظاهر. على صعيد وثائق التعمير، فمنذ 1982، وهو تاريخ المصادقة على المخطط المديري للتهيئة والتعمير، ونتيجة للفشل الذي عرفه تطبيق توجهاته الأساسية، عرف تراب المدينة نوعا من الفوضى العمرانية، وتم الإجهاز على مجموعة من المناطق الخضراء (الحدائق الحضرية ومرجة الفوارات). كما تم تسجيل تغليب قطاع السكن في تفعيل وثائق التعمير ( العمارات والمنازل متعددة الطوابق)، دون الأخذ بعين الاعتبار الإكراهات الطبيعية والتقنية (الفيضانات، البيئة، إلخ) والتجهيزات الواجب إنجازها لتحقيق الأمن المجالي وحفظ ممتلكات وسلامة الساكنة. لقد تمت المبالغة في عمليات البناء أفقيا وعموديا بدون التأكد من مدى قدرة تربة مدينة القنيطرة على تحمل بناء عمارات من 8 طوابق أو أكثر، ومن توفرها على الإمكانيات التقنية والمالية لتعمير منطقة الفوارات ومناطق حقول الالتقاط للماء الصالح للشرب. على صعيد البنية التحتية العمرانية، مازالت المدينة تعاني من خلل كبير في مجال التصريف الصحي، حيث مازالت تتوفر على تجهيزات ترجع إلى عهد الاستعمار حيث تعرضت بعض أحيائها في السنين الأخيرة إلى ظاهرة الفيضانات، خاصة في منطقة الفوارات وباب فاس. على صعيد محاربة السكن غير اللائق والصفيحي، فقد عرفت السياسة المحلية في هذا المجال فشلا ذريعا حيث تم تأجيل برنامج مدن بدون صفيح من 2010 إلى 2012 . على سبيل الختم لا يمكن للمتتبع إلا أن يصاب بالدهشة أمام الواقع الذي تعرفه المدينة، مدينة اليوطي الجميلة التي أنشأتها سلطة الحماية على ضفة واد سبو لتكون عاصمة لجهة غنية بإمكانياتها الطبيعية والاقتصادية والثقافية. إنها تعيش مظاهر الخلل الكارثي وتحتاج إلى قيادات سياسية قادرة على إيجاد الحلول المستعجلة واستشراف المستقبل بتوقعات قابلة للتفعيل تتماشى والإمكانيات التي تزخر بها المدينة ومحيطها الجهوي.