أنهت الاشتراكية الأممية أشغالها باعتماد »إعلان الرباط«، بما هو خارطة طريق للاشتراكيين الديموقراطيين وحاملي المشروع التقدمي الإنساني في كرتنا الأرضية. 1 – سيعود كل الحاضرين إلى بلدانهم بعد «التجربة المغربية»، ووقوفهم على وجود حركة اشتراكية أصيلة، مرتبطة بقضاياها الوطنية وتخوض معركة التحديث والدمقرطة، بجرأة واستماتة، مع الانتماء إلى الأفق الإنساني الواسع. حركة تكافح من أجل رفع راية الوطنية، من خلال الالتزام بوحدة مصير الوطن، وفي الوقت نفسه تعانق القيم الكبرى التي بها تستهدي العقول النيرة وحركات التنوير والتيارات التقدمية، من أجل عالم عادل، متضامن، ويقتسم فيه الكل الثروة بعدالة، فوق كوكب يساهم الجميع في إنقاذه من جشع الرأسمالية التي تهدد توازنه الإيكولوجي. وفي هذا الاجتماع سطر المجتمعون أسس عالم جديد، يملك مفاتيح الحلول التقدمية ويحافظ للسياسة والالتزام الفكري والإديولوجي على معناهما، بما يخدم البشرية، بدون إقصاء أو عنصرية أو تقوقع. 2 – كانت للمؤتمر الاشتراكي الأممي قيم مصاحبة: هي الثقة والاحترام والتقدير . ومن المحقق في هذا الباب أن الاجتماع، بحد ذاته، كان عربون ثقة من طرف عموم الاشتراكيين في العالم، ثقة في الحزب الذي احتضن ثلاثة اجتماعات في اجتماع واحد: لجنة إفريقيا والأممية الاشتراكية للنساء والمجلس الدولي للمنظمة، وهو حدث نادر وغير مسبوق، بشهادة كبار قادة الاشتراكية العالمية، والذين رافقوا تجربة الأممية لأزيد من عقدين متواصلين من الزمن، كما هو حال رئيس لجنة إفريقيا أو الكاتبة العامة للمنظمة الأم. والاجتماع عربون تقدير واحترام لهذا الحزب، الذي قرر احتضان هذا المنتدى، فوق الأرض الإفريقية التي تنتمي إليها حركته الاشتراكية، وهو احترام عبر عنه المجتمعون بالحضور الكثيف أولا، وبالمشاركة في كل محطات النقاش بحرية وبقوة ثانيا، ثم بالإشادة بما تحقق والظروف التي تمت فيها هاته المشاركة، ثالثا. وما من شك أن النتائج التي وصل إليها المجتمعون، بعد نقاش من مستوى رفيع، ستظل في سجلات الأدبيات الأممية، ومرجعية فكرية وسياسية وتنموية عند الاشتراكية العالمية، مرتبطة في الوقت نفسه مع مدينة الرباط ودولة المغرب التي تم فيها تسطير هذا الأفق الإنساني المشترك. 3 لم يكن الانتماء إلى الأممية الاشتراكية جدولا هادئا ، دوما، بلا عواصف ولا نتوءات، بل يمكن القول إن الأممية كانت في لحظات طويلة من تاريخها ساحة للخصوم من أجل الإِضرار بمصالح المغرب، ومعاكسة قضيته الترابية، وحلبةً لتأْليب القوى التقدمية والاشتراكية، وما إلى ذلك من مظاهر الخصام مع المغرب، في شخص الاتحاد الذي يرافع عن عدالة قضيته.. ولعل أكبر تحول يحسب للاتحاد هو أن تنتقل المنظمة إلى منطق جديد لا يعادي المغرب ويتقبل مواقفه ومرافعاته في قضيته الوطنية الأولى. وهو أمر لم يكن تسجيل النقط الايجابية فيه هينا لولا مثابرة وتصميم واستماتة الاتحاديات والاتحاديين بقيادة كاتبهم الأول. 4 – لقد ظلت الاشتراكية الديموقراطية مدرسة في الواقعية السياسية والجيوسياسية. تحتكم إلى موازين القوة في التحليل وفي قراءة تقلبات العالم، وأفرزت شخصيات وتيارات تجد في هذا المجهود الواقعي، سبيلا في فهم العالم أولا، ثم تغييره ثانيا، ثم تجويد العيش فيه ثالثا، مع بناء جسور ثابتة بين بني البشر مبنية على الاستقلال والحرية والسلامة الوطنية والتضامن الكوني، وقد كان للمغرب الفخر بأن يحتضن هذا النقاش، كما كان للاتحاد الاعتزاز بأن هويته الاشتراكية الديموقراطية لا تقدم فقط خارطة طريق لبلادنا بل تسهم، أيضا، بالقسط الضروري في بناء الحلول في العالم. 5 – أنهت الأممية الاشتراكية منتداها، لكن الأفكار والمشاريع والخطط العملية التي تفرعت عنه، ستبقى حاملة للبصمة المغربية، حيث تلتقي الروح النضالية لحزب القوات الشعبية مع الروح الوطنية الجامعة التي تحرك بلادنا، ويقودها ملك أبان عن جدارة ديموقراطية واستحقاق تضامني كبير، فاجأ الجميع، ولعل الحاضرين وقفوا على هذا الانسجام والانصهار، الذي يجعل منجزات المملكة تفتح الطريق لاشتراكييها واتحادييها في إسماع صوت البلاد في المحافل الدولية، كما يؤمن ويعتقد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية… 6 – إن في وجود الاشتراكية الديموقراطية وبين ظهرانينا، رسالة أو درس مغربي، على أن الديموقراطية التمثيلية كما يؤمن بها الاتحاد، وسيلةٌ وغايةٌ، وهي ضمانة لكي لا تتحول الديموقراطية إلى «أوليغارشية» مالية في يد القوى الليبرالية المتوحشة ومصْلٍ لميلاد التغول وارتفاع هيمنته واكتساحه.. بمعنى آخر، دافع الاتحاد، من تحت مظلته الاشتراكية الديموقراطية وبوضوح أهدافه الوطنية، عن «ديموقراطية تعاقدية»، تجعل الوطن والإنسان أولوية وهدفا أسمى، كما هو متعارف عليه اشتراكيا عبر دول العالم وعبر ما حققته الاشتراكية الديموقراطية من مكاسب تفرض نفسها على كل ذي عقل… 7 – أنهت الأممية الاشتراكية منتداها ومؤتمرها، ويمكن للاتحاديات والاتحاديين أن يفتخروا بدون أدنى مركب تعال، أو نقص، كذلك، ومن حقهم أن يعتزوا بأنهم قادرون، نساء ورجالا، بما راكموه من خبرة، قادرون على تنظيم تظاهرة كبرى من حجم جمع كل اشتراكيي واشتراكيات العالم. ويفتخرون بأنهم يقدمون أنصع الصفحات في العمل من أجل بلادهم، عبر وصفة حية وجيدة للديبلوماسية الحزبية، كما تريدها بلادنا ويريده عاهلنا، أي ديبلوماسية ترفع راية الوطنية مع الحفاظ على أولويات شعبنا وأرضنا ومؤسساتنا. ولا يحذو الاتحاديات والاتحاديين، في هذا السعي، سوى هدف واحد هو أن تربح بلادنا وينتصر وطننا ويحقق، بواسطة مناضلي الاتحاد ومناضلاته، الإشعاع الذي يليق به…