حكومة 2007، ستكون الحكومة التاسعة والعشرون منذ حكومة امبارك البكاي التي تأسست عشية استقلال البلاد في 1955، والذي أعيد تعيينه على رأس حكومة ثانية في 26 أكتوبر 1956، وهي الحكومة المنبثقة من انتخابات سجلت أدنى نسبة للمشاركة في تاريخ المغرب الانتخابي. "" كتب مراسل جريدة "إلباييس" الإسبانية بالرباط "إغناسيو سيمبريرو" بعد انتخابات 2007: "الآن يأتي دور الملك لاختيار وزير أول يتكلف ببدء المفاوضات لتشكيل الحكومة، وترجح الأوساط السياسية ومختلف الصحف الوطنية احتمال تعيين أحد السياسيين الشباب من حزب الاستقلال الذي حاز أكبر عدد من مقاعد البرلمان لتشكيل حكومة مدعومة من الأغلبية (الحكومة السابقة)، وقد رشح الكثيرون لمنصب الوزير الأول كل من عادل الدويري (43 عاما) وزيرا للسياحة وكريم غلاب (41 عاما) وزيرا للتجهيز والنقل". لكن ما الذي يريده المغاربة؟ إنهم ينتظرون من الحكومة الجديدة أن تكون أولا وقبل كل شيء حكومة منسجمة، فاعلة وفعالة، قادرة على إعادة بعث الأمل، الأمر الذي افتقده المغاربة مع سابقاتها رغم كثرة أخطائها. بالرجوع إلى تاريخ الحكومات المغربية يتضح أن الحكومة التي ضمت أقل عدد من الأعضاء هي الحكومة التي ترأسها الملك الراحل الحسن الثاني حين كان وليا للعهد في 27 مايو 1960، وكانت قد ضمت 11 وزيرا وكاتب دولة. أما الحكومة التي تشكلت من أكبر عدد من الأعضاء هي التي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي من 4 فبراير 1998 إلى 9 أكتوبر 2002، وكانت قد ضمت 41 عضوا. وقد ضمت 8 حكومات أقل من 20 عضوا، في حين ضمت 10 حكومات أكثر من 20 عضوا، والملاحظ أنه منذ غشت 1971، وبدءا من الحكومة التي ترأسها محمد كريم العمراني، لم يقل عدد أعضائها عن 25 عضوا. وحسب بعض المتخصصين ووزراء سابقين، مارسوا مسؤولياتهم في إطار حكومة مطبوعة بكثرة أعضائها، أقروا بأن عدد وزراء الحكومة التسع والعشرون، المرتقبة، لا يجب بأي حال من الأحوال أن يفوق عددهم 30 وزيرا، بمعدل وزير لكل مليون مغربي. وحسب جملة من المفكرين، من ضمنهم عز الدين العلام، من أسباب ضمان تكريس قواعد الحكامة الجيدة العمل بالفكر السياسي الحديث القائم على وجود قواعد قانونية وضعية ومؤسسات تحدد وتقنن العلاقة التي تجمع بين الحاكمين والمحكومين، وتبتعد عن اعتبار حاشية الملك امتدادا ليد الحاكم، ما دام عليها أن تقوم على وجود بيروقراطية عقلانية أو إدارة عمومية يرتكز تعيينها على مبدإ الكفاءة وخدمة الصالح العام والمجتمع المدني، وهنا يكمن التنافر بين العقلية المخزنية وفكرة الدولة الحديثة، فالثقافة السياسية التقليدية تقوم على نفي الفرد والعقل وتثبيت منطق الزعامة والشعبية، وهذا نهج في التدبير لا يتماشى مع شروط الحكامة الجيدة التي ينادي بها القائمون على الأمور. وأقر الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن الفعالية في التدبير والانسجام السياسي، في معالجة الملفات الكبرى، يفرض أن يتم التقليص من عدد أعضاء الحكومة المقبلة لتفادي التجربة السابقة. ومن المعروف، أنه كلما كثر عدد الوزراء، وبالتالي القطاعات، يصبح التدبير الحكومي صعبا، وكلما قل واندمجت القطاعات يكون من السهل على رئيس الحكومة تدبير العمل الحكومي، علاوة على أن كثرة الوزارات وتضخيم القطاعات يحجب الرؤية الواضحة. وفي انتظار الحكومة الجديدة، التي يأمل الكثيرون أن تضم أعضاء أقل من سابقتها باعتبار أن قائدها شاب، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تقر بأن المغرب حقق خطوة هامة وأن المعلومات توضح أنه تم احترام المعايير الدولية، ويبقى أن تكرس الحكومة الجديدة هذه الخطوة. بينت التجربة أن تضخم عدد الوزراء غالبا ما شكل عائقا في وجه الانسجام والتنسيق ووحدة التدبير في جملة من القطاعات، وبذلك يرى الكثيرون بأنه يجب عدم تجاوز 30 وزيرا، علما أن أفضل حالة، حسب الخبراء والمحللين الدوليين، أن لا يتجاوز عدد أعضاء الحكومة القادمة العشرين حتى ولو أدى الأمر إلى تجميع القطاعات وكتابات الدولة والوزارات المنتدبة في أقطاب قطاعية كبرى، ما دام أنه حصل إجماع بخصوص كون كثرة عدد الوزراء أضحى تعبيرا على سوء تدبير الحكامة. تشكل الآن منظومة الحكم الجيد للدولة بكافة مكوناتها وأبعادها المؤسسية والتنظيمية والإدارية والتشريعية أهم حافز على النمو الاقتصادي وضمان استدامته وفي جذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب دورها الهام والفاعل في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولن يتأتى هذا إلا من خلال حكومة منسجمة وفعالة. فنظام الحكم الجيد، من بين ما ترتكز عليه الكفاءة، وهي تتمثل في قدرة الحكومة وسعيها لإدارة الموارد وتوفير الخدمات ووضع وتطبيق سياسات وأنظمة سليمة وسيادة الشفافية. ففي فرنسا مثلا تتشكل الحكومة من 15 وزيرا يدبرون دخلا قوميا يناهز 1800 مليار، في حين إن حكومتنا السابقة تألفت من 36 عضوا يدبرون دخلا قوميا لا يتعدى 56 مليار، علاوة على ما أدت إليه هذه الكثرة من تجزيء الملفات وصعوبة تجسيد وحدة الرؤى على أرض الواقع. هذا إضافة إلى تضخيم ميزانية التسيير (أجور الوزراء وتعويضاتهم وكل ما يرتبط بمصاريف ممارستهم لمهامهم)، وفي هذا النطاق، ومن أجل تقليص عدد أعضاء الحكومة القادمة هناك من اقترح تحويل كتابات الدولة والوزارات المنتدبة إلى مديريات تابعة لوزارات، لكن لا زالت هناك أصوات تنادي بإحداث وزارات جديدة، مثل وزارة الأمن الوطني ووزارة الزواج. وبخصوص هذا الاقتراح الأخير، سبق لفعاليات نسائية أن طرحت فكرة إحداث وزارة الشؤون النسائية، وقد أظهر هذا الاقتراح ردود فعل متباينة تراوحت بين التأييد المشوب بالاندهاش والرفض المقرون بالسخرية باعتبار أن زحف العنوسة والعزوبية لم يرق بعد عندنا إلى درجة الأولويات. لكن القاعدة تظل هي تشكيل الحكومة الجديدة انطلاقا من حاجيات ومتطلبات التدبير وليس ارتكازا على توازنات وحسابات سياسية كما ساد من قبل، إذ تم إحداث وزارات لمجرد تمكين أحد الزعماء السياسيين من الاستوزار. والآن أضحى بارزا، أكثر من أي وقت مضى، أن ترسيخ الحكامة الجيدة يشكل عاملا أساسيا لجلب الاستثمارات الأجنبية، كما أن الحكامة الجيدة تستوجب درجة عالية من الانسجام والتنسيق بين الوزارات وعدم تداخل الصلاحيات فيما بينها، وهذا يدفع في اتجاه تقليص عدد أعضاء الحكومة والاعتماد على الكفاءة والتجربة والدراية لاقتراح الوزراء. من الملاحظ أن تكاثر الوزارات والوزراء تبع نفس منحى تناسل الأحزاب السياسية عندنا، إذ سبق وأن تم خلق بعضها بطريقة قيصرية سريعة أو بواسطة استنساخ بعض المديريات لتلبية رغبة بعض الأحزاب لاستوزار أحد زعمائها أو أعضائها البارزين، الشيء الذي سبق وأن ساهم في بلقنة الحكومة. علما أن آخر تعديل عرفته حكومة إدريس جطو أدى إلى تجميع عدد من القطاعات في وزارات معينة، وذلك بعد ملاحظة أن العدد الكبير من الوزراء ساهم في بطء الفعالية وضعف الأداء وعدم التعامل مع القضايا الحيوية بما يلزم من الجدية والمسؤولية، علما أن الملك محمد السادس سبق وأن وجه نقدا شديد اللهجة لحكومته قبل تعديلها الجزئي، آنذاك كان إدريس جطو قد دخل في مفاوضات غير معلنة مع الأحزاب المشاركة في الحكومة والتي كانت ترفض تحجيم مشاركتها، ودافعت بقوة على تقليص الوزراء التقنوقراطيين عوض السياسيين. وكانت النتيجة تقليص عدد أعضاء الحكومة من 39 إلى 35 وزيرا، لتضطلع بإنجاز البرنامج الملكي والذي استهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمكون آنذاك من المحاور التالية: تعليم نافع وسكن لائق وتشغيل منتج والاهتمام بالموارد البشرية كأهم رأسمال تتوفر عليه البلاد. وحسب المراقبين طرأ هذا التعديل الجزئي في صفوف الحكومة لتعزيز فعاليتها لمواصلة الإصلاحات وإحداث الأوراش الكبرى. ومن المعلوم أن هذا التعديل الجزئي أُجرِيَ في غضون 12 ساعة، مع الاكتفاء بإخبار الأحزاب السياسية لكن دون استشارتها في الموضوع. ومهما يكن من أمر، إن كثرة الوزراء والوزارات يثقل كاهل الشعب، كما يزيد من عبء ميزانية الدولة الملزمة باستمرار مِنَحٍ للوزراء السابقين مدى الحياة. فمن ناحية التدبير العالي، يرى الكثيرون أن مالية البلاد ومستوى سيرورة نِسَبِ نُمٍُو لا تؤهلها حاليا لتحمل ثقل كثرة الوزراء الممارسين منهم والسابقين، لذا أضحى من الضروري تقليص عدد أعضاء الحكومة المقبلة، لأنه بالنظر إلى أغلب الدول المتقدمة، فإن عدد أعضاء حكومتها أقل بكثير من أعضاء حكومتنا، رغم أن تلك الدول أغنى من بلدنا وتحقق نسبة نمو إيجابية، وهنا يبرز من جديد السؤال الذي سبق وأن طرحه الكثيرون من قبل: هل المغرب في حاجة فعلا إلى حكومة يتجاوز أعضاؤها عشرون وزيرا؟ وفي هذا المضمار، يتأكد من جديد سداد أمل الملك الراحل الحسن الثاني في أن تنصهر الأحزاب السياسية المتواجدة في عهده، وكان لا يتجاوز عددها 16، وكتلتين أساسيتين إضافة إلى واحدة وسطى عند الاضطرار. وفعلا تكونت الكتلة الديمقراطية وكتلة الوفاق وبقيت بعض الأحزاب في الوسط، إلا أنها تعثرت وذهبت في مهب الريح، والآن ونحن أمام وجود أكثر من 40 حزبا، يتأكد من جديد صَدُّ أمل الملك الراحل، باعتباره شرطا من شروط بروز حكومة منسجمة ومتجانسة بعدد وزراء ووزارات تتحملها ميزانية الدولة بدون عناء.