التجميل الانثوي نموذجا يشكل التجميل اليوم ملاذا لكل الباحثين عن تغيير أشكالهن وأجسامهن ومظهرهن، خصوصا عند النساء اللواتي تأثرن بالصورة الاعلامية، التي تمجد قيم اللذة والجمال والاستهلاك. حتى أنه يمكن القول أنن بتنا نشهد موجة جديدة في عالمنا المعاصر والتي يطلق عليها "أنا أتجمل إذن أنا موجود". والاستهلاك لا ينحصر على المواد والأشياء والماديات، بل أصبح يهم حتى القيم والمعاني والرموز. ومن بين مظاهر التحول القيمي بل نقول الثورات القيمية، هو تسليع الإنسان. فإذا كنا بالأمس نرى كيف أنه في البلاد الغربية وفي بعض البقاع الشرقية المتسمة بثقافة الاستهلاك، تتهافت لجعل تقنيات الطب في خدمة الإنسان لكي يمدد له في عمره، حيث برزت للوجود مجموعة من الشركات والعيادات الخاصة التي تقدم لزبائنها أصنافا من العلاجات، كالتجميل والتجبيد وإطالة "أمد الحياة"، وبشكل خاص، إبراز مفاتن المرأة وجعلها أكثر "جنسانية" وأكثر إثارة للرجل. فإن واقع الحال في البلاد العربية والمغرب واحد منها، بدأ يتعاطى لهذا النوع من "العلاجات"، والوصفات السحرية التي تستجيب لطلب أنثوي بشكل خاص، وتحاول أن تغير من الشروط البيولوجية للمرأة لكي تستجيب للطلب الشبقي عند الرجال. ولعل التردد الكبير على مصحات التجميل بالمغرب، في الآونة الأخيرة خير دليل على ما ندعيه تعميم مجازف حتى. ولهذا نفهم لماذا أصبح اليوم يقدم في الاشهارات وفي الاعلانات الصحفية والتلفزية وغيرها من القنوات والوسائط، مظاهر التجميل الحديث والمتفنن في إبراز مفاتن المرأة –بشكل خاص- وهذا لا يعني أن الذكور مستثنون من هذه الموجة، لكنهم بدرجة أقل. وقد سبق أن أسر لي أحد أطباء الاسنان أنه في كل شهر، تأتيه زبائن (خاصة من الفتيات)، لكي يضع لهن ما نسيمه بالدارجة المغربية (باك) في الفم، رغم أنهم غير محتاجات له. وهناك مظاهر أخرى، تقليدية منها بطبيعة الحال عادة التسميين أو تفخيم الأرداف والصدر عند المرأة، والتي كانت عادة صحراوية. تستعمل فيها كل أنواع الحذاقة والمهارة الأنثوية لابراز المرأة في مظهر جمالي يستجيب للبيئة الصحراوية، حيث الرجل الصحراوي، ينظر للمرأة في حجمها وحجم بعض المناطق الأكثر إثارة جنسيا، ومنها بطبيعة الحال، الأرداف (النص بالدارجة) والصدر (أي النهدين). وهي نظرة كما قلت تنسجم مع هذه البيئة التي يحضر فيها الجسد القوي عند الرجل، والسمين والمثير جنسيا عند المرأة. لكن وجه الاستغلاب، هو عولمة هذه الوسائل، حيث تخطت البيئات الجغرافية، لتحل إلى بيئات -ربما إلى عهد قريب- كانت مقاييس الجمال تركز على نحافة جسم المرأة وعلى رشاقتها وعلى اعتدال "حروفها" خصوصا الأنثوي منه. لكن يزول العجب إذا ظهر السبب، فالأمر في اعتقادنا مرتبط بموجة تسليع و استهلاك كل شيء وعلى رأس ذلك الجنس، حتى أننا ندعي أن هناك طقوس للاستهلاك، تملكت المجتمع المغربي بأكمله، وبشكل خاص الفئات الشبابية وحتى الشائخة. فهناك مرحلتين حاسمتين في الاهتمام بالمظهر الجمالي: مرحلة الطفولة عند الشباب، وفي بداية مرحلة الشيخوخة عند كبار السن. وقد غذت العوالم الافتراضية والقنوات التلفزية والاشهارات وموجات الماركتينغ، هذه الرغبات الدفينة في أعماق البشر. لا ننسى ونحن نحاول أن نقدم تفسيرا سوسيولوجيا لظاهرة التجميل التقليدية على الطريقة الصحراوية، أن نشير إلى تحول هام ودال في الوقت نفسه، وهو المتعلق بظاهرة العزوف عن الزواج، وبارتفاع ظاهرة ما يسمى في الحسن المشترك بمفهوم "العنوسة"، ولعل المؤشرات الرقمية التي تطلعنا بها المندوبية السامية للتخطيط، كفيلة بالتدليل على هذا المعطى الرقمي، حيث حسب آخر المعطيات، هناك نسبة 50 بالمائة من الفتيات المغربيات اللواتي هن في سن الزواج، وهن "عانسات". كل ذلك يدفع باتجاه البحث عن حلول -قد تكون معقولة او غير ذلك- لكن المهم هو الوصول إلى تحقيق الرغبة الكبيرة التي تستحوذ على قلوب وعقول النساء، وهي الزواج، أو في حالات أخرى، الظفر بخليل أو عشيق يحقق للفتاة المتعة الجنسية. فكما لا يخفى على احد لقد أصبحت الفتاة تطلب اللذة مثلما يطلبها الرجل، وهذا على عكس ما كان في مغرب الأمس، وهو علامة على تحولات بل زلازل همت حقل القيم وباقي الحقول المحاثية له. ويمكن أن نشير ونحن في معرض حديثنا عن ظاهرة التجميل التقليدية، إلى مسألة تبدو لنا في غاية الأهمية، فمقاييس الجمال تختلف من جيل إلى آخر، ومن شريحة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، بل من حضارة إلى أخرى، فإذا كان الرجل العربي القديم، يتغنى بسواد الشعر، وكبر العينين عند المرأة، فإن هذه المقاييس تتعرض من فينة إلى أخرى ومن حقبة إلى أخرى، لمجموعة من الانزياحات والتغيرات والتبدلات، بحسب ثقافة الأجيال، وبشكل خطير بما تقدمه الآلة الإعلامية الرهيبة والتي تعمل على تسويق النماذج بل إلى حد تنميط الأذواق البشرية. فقد غدا اعتبار الرشاقة عند المرأة عنصرا حاسما في تحديد جمالها وأنوثتها. واليوم مع هذا التحول الذي ينزاح ضدا على كل الثقافات والأذواق والخصوصيات، فحتى "المحجبات"، سواء اللواتي ينتمين لحركات الاسلام السياسي، أو غيرهن بدأن يتعاطين لهذا النوع من التجميل والاهتمام بالجسد، وإبراز أنوثته، بالرغم من وجود بعض المواقف المتحفظة حوله، لكن ذلك يؤكد أن هذه الظاهرة، بدأت تخترق كل الحساسيات والخصوصيات والتيارات، مما يدل على وجود نوع من التفضيلات في سلم القيم عند الأجيال الجديدة. ولهذا فنحن، لا نمانع في استشراف نتيجة قد تكون مفاجئة للجميع، وهي أن هذه الظاهرة قد تغدو عالمية، إذا ما تم تقديمها في قالب إعلامي خداع ومثير. فكبر النهدين اليوم يقدم عنوانا على لذة جنسية لا تضاهى، كما أن اتساع الحوض والأرداف، يحدث في الرجل رجة قصوى في الهاب المشاعر الجنسية والتي قد تقلب الأذواق الفطرية في الممارسات الجنسية المتعارف عليها. فلا نشك أننا في عالم الانهيار التراجيدي للفطرة السليمة.