ذكر رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي السيد عمر عزيمان بأنه يمكن اللجوء إلى التصويت داخل المجلس للحسم في بعض الخلافات التي تهم مضمون التقرير الاستراتيجي الذي سيصدره المجلس، والذي سيحسم في العديد من القضايا والخيارات السياسية التي تهم مستقبل المدرسة المغربية لعشرات السنوات القادمة، ومن بينها وضعيات اللغات ووظائفها التربوية ولغات التدريس. السؤال الذي يطرحه هذا الإجراء هو هل يصح أن يتم حسم خيارات إستراتيجية عبر آلية التصويت داخل المجلس، علما أن المجلس الأعلى ليس مؤسسة منتخبة يحظى بتمثيلية ديمقراطية لمختلف مكونات المجتمع المغربي وللحساسيات السياسية والثقافية التي يعرفها، كما أن طريقة اختيار أعضائه تبقى غامضة ولا تخضع لمنطق ديمقراطي أو تمثيلي، رغم التوزيع الشكلي للفئات الممثلة فيه حسب قانون إحداثه. فالعديد من مكونات المجتمع والفضاء السياسي والثقافي الوطني والمتتبعين ونساء ورجال التربية والتكوين والبحث العلمي يتساءلون عن استحقاق وأهلية العديد من أعضاء هذا المجلس على مستوى الإلمام بالشأن التربوي والتكويني والعلمي، وعن سر إقصاء مكونات مهنية معنية بشكل مباشر بمهام المجلس والشأن التربوي الوطني، وإقصاء مكونات حركية وجمعوية وثقافية كبرى في المجتمع من التمثيل داخل تركيبة المجلس الذي أوكل إليه الحسم في خيارات إستراتيجية ذات قيمة وحساسية كبرى مثل مكانة ووظائف اللغات، ووضعية اللغة والثقافة الأمازيغية، خاصة؟ فإذا توقفنا عند تمثيلية الشأن الأمازيغي في مختلف أبعاده التربوية والثقافية واللغوية والعلمية داخل المجلس وأجهزته التقريرية ولجنه، يتضح بأن الأمازيغية التي سيقدم المجلس بشأنها على قرارات مصيرية، هي غير ممثلة سواء عبر الإطارات المدنية والحقوقية التي تضطلع بالدفاع عنها وإنصافها، أو الباحثين والمثقفين والخبراء المشتغلين عليها، مما يطرح سؤال أهلية باقي أعضاء المجلس للحسم في مكانة الأمازيغية ووظائفها ومكانتها في المنظومة التربوية التكوينية، وكفاءتهم على إدراك وفهم وإعمال مختلف متطلبات أي قرار استراتيجي في هذا الشأن. هذا، دون أن ننسى بأن حضور السيد أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي لم يعد يمثل سوى نفسه، ضمن تشكيلة المجلس هو أمر لا يعني الأمازيغية في شيء ولا يستجيب لتمثيليتها بعد أن تم حل المجلس الإداري للمعهد الذي هو المخول بحكم ظهير تأسيسه لوضع سياسة المؤسسة واتخاذ قراراتها وتمثيليتها، وبعد إقدام عمادة المعهد وأمانته العامة على إجراءات إدارية وسلوكات تدبيرية غريبة أزمت المؤسسة والعلاقات الداخلية مع الباحثين والباحثات، وساهمت بشكل مباشر وفعلي في تأزيم وضعية الأمازيغية وشل الوظائف والأدوار المنوطة بالمعهد. إضافة إلى ذلك، من الواضح بأن تبرير اتخاذ القرارات السياسية بشأن الأمازيغية لا يمكن أن يتم عبر تأثيث تشكيلة المجلس بمؤسسة رسمية، في حين يتعلق الأمر بشأن وقرارات مصيرية تهم مختلف الإطارات المناضلة والمشتغلة في الحقل الأمازيغي، بما في ذلك المجتمع المدني والإطارات السياسية والفاعلين والباحثين والفنانين....وعموم شرائح المجتمع من المواطنين والمواطنات. فإذا كان النقاش الدائر حول خيار لغة تدريس العلوم الذي سيحسم لفائدة الفرنسية أو الإنجليزية، ومستوى اعتماد اللغات الأجنبية وإدماج الدارجة المغربية ومكانة اللغة العربية، يحظى بصدى وتمثيلية مباشرة داخل المجلس، حيث تتوزع تشكيلته وتركيبة أعضائه بين مختلف الأحزاب والإطارات النقابية والجمعوية والتيارات السياسية والإيديولوجية التي يعرفها المجتمع، كممثلي الحكومة والقطاعات الوزارية وغرفتي البرلمان، ولوبيات الفرنسة والتعريب، فإن تمثيل الأمازيغية لغة وثقافة ومشروعا تربويا وعلميا، وشأنا ديمقراطيا وحقوقيا، هو غائب في تركيبة المجلس وأجهزته التقريرية، مما يطرح سؤالا عريضا حول نجاعة رؤيته ومصداقية توصياته ونزاهة قراراته المؤسساتية في هذا الشأن. بل أن أي قرار استراتيجي لا يستجيب لانتظارات الأمازيغ وتعاقدات المرحلة، ومتطلبات الإدماج الفعلي للغة الأمازيغية في مختلف الأسلاك التعليمية وبحصص زمنية تساوي حصص اللغة العربية أو تفوقها، وباعتماد مبادئ الإلزامية والتعميم وآليات التكوين والتقويم، وتخصيص المناصب المالية الضرورية لذلك وفق أجندة محددة وملزمة، ذلك سيؤكد لا ديمقراطية المجلس وسينزع المصداقية عن توصياته، وسيجعلنا غير معنيين برأيه الاستشاري الذي سيفتقد لا محالة لحس استراتيجي ديمقراطي ومنصف وفعلي. ولا شك أن خطورة مثل هذا القرار ستكون بداية معلنة ضد مسار المصالحة والإنصاف الفعلي للأمازيغية وعودة إلى الصفر في تدبير الشأن الأمازيغي، مما سيعني بكل وضوح تملص الدولة واستبدادها، وتلكم لا شك بداية مرحلة جديدة...