شكلت ندوة" مركز "هسبريس للدراسات والإعلام" حول الصحراء الاستثناء لغة وخطابا وتحليلا عبر تجاوز ما هو متداول حول ملف الصحراء تاريخيا وسياسيا وتدبيريا. سياق الندوة: تزامن تنظيم الندوة مع رفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون تقريرا لمجلس الأمن الدولي تمهيدا للتجديد السنوي لمهمة بعثة الأممالمتحدة في الصحراء داعيا فيه المغرب وجبهة البوليساريو إلى "مضاعفة الجهود للتفاوض على حل سياسي مقبولا من الطرفين.مضيفا انه : "بعد 40 عاما من بدء هذا النزاع (...) لا شيء يبرر البقاء على الوضع القائم". موضوع الندوة: توفق مركز "هسبريس للدراسات والإعلام" في اختيار موضوع الصحراء والذي له راهنيته وحساسياته وتحدياته وتعقيداته. موضوع يهيمن عليه الكثير من المغالطات والتأويلات والمناورات، ويحضر فيه القليل من الشجاعة الفكرية والموضوعية وقول الحقيقة. ندوة مركز هسبريس أعادت للمواجهة معادلة معقدة تخص ملف الصحراء مفادها من يتحدث فيه لا يتوفر على المعلومة الدقيقة، ومن له المعلومة ويدبر الملف يفضل الصمت، وهذه إحدى الطامات الكبرى حيث يلتزم المسؤولون عن تدبير ملف الصحراء الصمت الرهيب وكأن الشعب المغربي ليس له الحق في معرفة كل صغيرة وكبيرة عن ملف يعتبره قضيته الأولى. ويشهد تاريخ الصحراء المغربية على ذلك، فبعد مرور اكثر من 40 سنة على ملف الصحراء وما عرفه من مفاوضات ومن انتصارات ومن انتكاسات فلم نر أو نسمع مستشارا للملك او وزير خارجية او مسؤول كبير مغربي ممن يدبر ملف الصحراء يتواصل مع الرأي العام المغربي حول تطورات او مستجدات ملف الصحراء اللهم ما يصدر من بلاغات أو أخبار بئيسة – من حين لآخر- ترددها وسائل الإعلام العمومية بلغة خشبية وغامضة. نوعية الضيوف: نوعية المشاركين في الندوة أضفت قيمة على نجاح الندوة لكون هؤلاء الباحثين غير منتمين لفئة ما يسميه باسكال بونيفاس في كتابه - المثقفون المغالطون او خبراء الكذب- بل لمثقفين لهم معارف عميقة بملف الصحراء ودراية بانتصاراتها وانتكاساتها وقرب من صناع القرار سواء داخل المغرب أو داخل جبهة البوليساريو. مثقفون لا يتقنون فن المراوغة ولا يتكلمون لغة الخشب ولا يتحدثون لإرضاء جهات أو خدمة أجندات إنهم : محمد اليازغي القيادي الاتحادي، والمؤرخ والسياسي والدبلوماسي حسن أوريد، والمحجوب ولد السالك متزعم "خط الشهيد" المعارض لجبهة البوليساريو الانفصالية من داخل مخيمات تندوف. خطابات المتدخلين: تميزت هاته الخطابات بلغة الوضوح وبجرأة المقاربة وبشجاعة الرأي. خطابات المتدخلين كشفت عن عدة حقائق مهمة لملف الصحراء تاريخيا وسياسيا وتدبيريا. خطابات الباحثين حسن أوريد ومحمد اليازغي والمحجوب ولد السالم كشفت عن حقائق فتحت من خلالها علاقات جديدة حول ملف الصحراء من منظور نقدي عرت عدة حقائق في ملف الصحراء بلغة غير مألوفة في الخطاب السياسي والإعلامي والأكاديمي المغربي. مضامين الخطابات: تعرضت مضامين المتدخلين لعدة قضايا تداخلت فيه المقاربة التاريخية مع السياسية مع التدبيرية مع النقدية، يمكن اختزالها في القضايا التالية: 1-قضية الصحراء والأخطاء التاريخية القاتلة اتفق كل المتدخلين أن الدولة والأحزاب المغربية ارتكبت اخطاء تاريخية أثرت- سلبا- في مجرى تاريخ الصحراء منذ حل جيش التحرير بداية الستينات، إلى عدم الحسم في مسألة الحدود مع الجزائر التي تعتبر من أخطر القنابل الملغومة التي ورثت عن الاستعمار. وفي هذا الصدد اعترف السيد اليازغي: أنّ المغربَ ارتكبَ أخطاءً كبيرة في الصحراء، خلال بداية الستينّيات والسبعينيات من القرن الماضي، أدّتْ إلى تعقُّد القضيّة مؤكدا أنَّ المغربَ ارتكبَ خطأيْن كبيريْن، غيّرا مجْرَى الأحداث في الصحراء، أوّلهما حينَ أقْدمَ على حلّ جيش التحرير وثانيهما حينَ وُوجهت التظاهرة التي قامَ بها الشباب الصحراوي بقيادة مؤسس جبهة "البوليساريو" الوالي مصطفى السيد، سنة 1972 بالقمع من طرف الجنرال أوفقير. فكرة رد عليها القيادي ولد السالك بقوله حتى الأحزاب المغربية ارتكبت أخطاء الى جانب النظام مبرهنا على ذلك بقوله خلال : "سنة 1972 جاء الولي مصطفى السيد، (مؤسس جبهة البوليساريو)، إلى الأحزاب السياسية، لدفعها لتحرير الصحراء من يد الإسبان، لكن ردود بعضهم، وفي مقدمتهم علي يعتة، وعبد الرحيم بوعبيد كانت مخيبة، بدعوى أن السياسة ليست للأطفال، فيما ذهب علال الفاسي للقول، ناضلوا وسنتفاوض باسمكم مع الإسبان" . هذه الأخطاء التي أكدها عليها حتى الأستاذ حسن ارويد الذي اعترف بأن ملف الصحراء عرف اختلالات تدبيرية من طرف الدولة والحكومات والأحزاب. ويتبين من مداخلات المشاركين أن هناك إجماعا حول مسؤولية الدولة والأحزاب في كل الانتكاسات وفي مقدمتها تأسيس جبهة البوليساريو التي ركز عليها القيادي السابق في الجبهة الانفصالية قائلا :"هم (يقصد النظام والأحزاب) من دفعونا لتأسيس الجبهة، وبعد ذلك استقلبتنا الجزائر ونظام القذافي وتم تمويلنا، بالأموال والسلاح، مشيرا إلى أن "هذا لم يكن من أجل سواد عيوننا، ولا من أجل مصلحة الصحراويين بل من أجل الهيمنة على المغرب العريي . وأضاف أنه: "لم تكن عبر التاريخ مشاكل بين الصحراويين والأسرة الملكية في المغرب، لكن أخطاء الوسطاء هي من أنتجت البوليساريو ويمكن أن تنتج أشياء أخرى"، مسجلا أن إعلانهم "للبوليساريو كان إيمانا منا بضرورة تحرير الساقية الحمراء، وواد الذهب وحملنا السلاح ولم نكن نعرف الجزائر بل لأننا لم نجد خيارا غير ذلك". وفي هذا السياق مرر القيادي ولد السالك عدة رسائل للدولة المغربية، منها عدم الاستمرار في ارتكاب نفس الاخطاء وضرورة احترام الانسان الصحراوي الذي يفضل الكرامة، وأن لا ينظر له كمواطن من الدرجة الثانية، مبرزا أن "الإهانة والتهميش لن تؤدي إلا إلى نتيجة واحدة هي البوليساريو، أو شيئا آخر لا يحمد عقباه، وكانت هذه من بين أهم رسائل القيادي ولد السالك . 2-البولسياريو منظمة استالينية وفاسدة وفاقدة للمشروعية تاريخا اتفق كل المتدخلين ان جبهة البوليساريو هي جبهة خرجت عن أهدافها التحررية الوحدوية منذ دخول حكام الجزائر على الخطّ .واصفين جبهة "البوليساريو" كتنظيم "استاليني" يبيع للاجئين على اراضي جزائرية وهم إقامة دولة الساقية الحمراء وادي الذهب، منظمة فاقدة الشرعية للحديث باسم الصحراويين، ولا تمتلك استقلالية القرار. أما السالك متزعم "خط الشهيد" فقد اكد أن "نزاع الصحراء الغربية، وتأسيس البوليساريو جاء نتيجة، لأخطاء فادحة للنظام المغربي، والأحزاب المغربية،ومضيفا : علينا ألا نخاف من أخطائنا"،واصفا قيادة البوليساريو بالضعف والعجز والفساد وبانها جبهة تشترك القادة الجزائريين الرشوة والفساد. 3-الرابحون والخاسرون في استمرار النزاع بالصحراء من أهم ما أثار الحضور هو تركيز المتدخلين على الخسارة والربح في استمرار النزاع . وكانت كلمة القيادي كلمة قوية وعميقة الدلالة رد فيها على ما جاء في كلام محمد اليازغي قائلا: إنّ الزّعْمَ بأنّ طولَ النزاع لا يضرُّ هو على خطأ وهو كلام تردّده جبهة البوليساريو والجزائر و"المافيا المغربية" ومرتزقتها لانهم مستفيدون من هذا الوضع . وبلغة حادة أكد ولد السالك تلاقي مصالح أعداء خارجيين للوحدة الترابية – الجزائر والبوليساريو- مع مصالح أعداء داخليين هو – المافيا المغربية والمرتزقة بالقضية –مؤكدا أن الخاسرين هم سكان مخيمات تندوف قائلا: منْ يُريد إنهاء مشكل الصحراء » هم النزهاء المعذبون في المخيمات"، معتبرا استمرار النزاع "جريمة في حقّ الإنسانية"، مضيفا "يجب إنهاء النزاع لإنقاذ سكان المخيمات من الجحيم". ووافق الاستاذ حسن أوريد المحجوب السالك بالقول "لا يُمكن لملف الصحراء أن يستمرّ عشرين أو أربعين سنة إضافية، الأسر هناك ممزقة وأولائك أبناؤنا".واصفا المفاوضات بين المغرب وقيادة البوليسلريو ب"العبثية التي لن تأتي بأي حل" .لان قيادة البوليساريو والجزائر وبعض اللوبيات المغربية والمستفيدون من الريع والمافيات المتحكمة في ملف الصحراء تسترزق بقضية الصحراء. 4-حلول حل النزاع الصحراء أكد المتدخلون أن حل النزاع يتطلب إعادة النظر في منهجية تدبير الملف - - تقوية ومأسسة الحوار بين أطراف الصراع- استمرار دمقرطة المغرب- واحترام حقوق الإنسان وحمايتها- الحوار مع أبناء الصحراء لأنّ الإنسان لا يُولَد وحدويّا، بل يصير كذلك بالحوار والنقاش- إبعاد الفاشلين في تدبير ملف الصحراء – إعادة النظر في الجمعيات التي تمثل المغرب بالداخل بالخارج في ملف الصحراء - عدم اتخاذ الصحراء سجنا لمعاقبة الموظفين الفاسدين او الفاشلين- وضع حد للاسترزاق بقضية الصحراء- احترام عادات الصحرواي- رفض الحثالات- نهج حوار شامل وصريح ومسؤول مع كل الصحراويين – تحديد معايير تمثيلية الصحراويين – احترام كرامة الصحرواي بدل الاستمرار في ترسيخ الريع السياسي والاقتصادي- ضرورة استرجاع الدولة هيبتها على الصحراء بدل هيمنة بعض الاعيان والتي حولوا الصحراء الى ضيعة محفظة لهم الخ. وفي نفس السياق أورد حسن أوريد، ما صرح به أعيان الصحراء للملك الراحل الحسن الثاني ذات يوم:" إن كان لازمًا أن تستقدموا الحثالة لتسييرنا، فيمكن أن تستقدموهم من عندنا وليس من خارج الصحراء". مستدركًا:" لم نعد نريد الحثالة لا هنا ولا هناك، نحن في حاجة إلى الأخيار.القادرين على انتاج حوار "شجاعًا، وجريئًا، وشاملًا، وممتدًا، وليس مجرّد تمرين أكاديمي"، وأن يجمع جميع الأطراف، بدل التعويل بشكل تام على الأممالمتحدة التي تخضع قراراتها للتوازنات الدولية. بصفة عامة شكلت ندوة "مركز هسبريس للدراسات والإعلام" استثناء في الخطاب والمنهج والمعرفة السياسية ، عمل المحاضرون فيها على تمرير عدة رسائل إلى من يهم الامر وبالخصوص رسائل القيادي السابق في البوليساريو الذي اعترف بأن "المغرب اليوم ليس هو المغرب القديم، الذي غادرناه مكرهين قبل أربعين سنة. ونشير- هنا -توافق لغة وخطاب الندوة مع لغة وخطاب جلالة الملك في خطاب الذكرى 39 المسيرة الخضراء حيث جاء خطاب حقيقة ونقد ذاتي وواقعية سياسية، وخطاب كشف وتعرية وفضح اتجاه قضية عادلة عملت الجزائر استغلالها لتصفية حساباتها السياسية والتاريخية مع المغرب وحولها بعض الأعيان والمفسدين الصحراويين الى وسيلة للابتزاز للدولة المغربية التي فقدت الكثير من هيبتها بسبب سياسة الصمت وترضية الخواطر والخوف غير المبرر من هؤلاء الفاسدين والانتهازيين. وهو ما يجعلنا نتسائل لماذا لم تتم اجراة مضامين الخطاب الملكي الثوري؟ كيف ستتعامل الدولة والحكومة والأحزاب مع رسائل المشاركين في الندوة؟ ومتى تقوم الدولة والأحزاب المغربية بنقد ذاتي ومواجهة بعض الأعيان والنخب بالصحراء على اساس المساواة وتكافئي الفرص؟ ومتى ستفتح الدولة المغربية والأحزاب حوارات حقيقية وجادة مع كل الصحراويين دون أي تمييز بينهم؟ وهل للدولة والاحزاب ارادة في تغيير منهجية والمسؤولين عن تدبير ملف الصحراء الذي يدخل هذه السنة لمرحلة دقيقة قابلة لكل الاحتمالات؟ *أستاذ التعليم العالي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال [email protected]