ما وقع صبيحة يوم الجمعة 10 أبريل 2015 على مستوى الطريق الوطنية رقم 1 بجماعة الشبيكة التابعة لإقليم طانطان، ليس مجرد حادثة سير عابرة تسبب فيها سائق متهور، نبكي ضحاياها بعض الوقت لننساهم بعد حين. بل هي جريمة متكاملة الأركان، كانت نتيجتها مقتل 35 مواطنا مغربيا حرقا، أغلبهم من التلاميذ والأطر الرياضية، ممن كانوا عائدين إلى منازلهم في مدينة العيون، بعد مشاركتهم في تظاهرة رياضية بمدينة بوزنيقة. والقاتل هو التحالف المقيت بين الفساد والاستبداد، والذي سبق وأن رفعت حركة 20 فبراير اسمه في مسيراتها، وطالب شبابها بإسقاطه في كل الشوارع والساحات التي وطأتها أقدامهم، حتى ينعم المغاربة بحقوقهم وحرياتهم، وحتى ينال المغرب الفرصة التي يستحق في التقدم والازدهار. وهو الشيء الذي لم تنجح الحركة في تحقيقه للأسف الشديد بسبب الانتكاسة التي عرفتها بلدان الربيع العربي، وبسبب التفاف المخزن على مطالبها، وبسبب تواطؤ الأحزاب والنقابات مع لوبيات الفساد والاستبداد من أجل استمرار دار لقمان على حالها، وهو الشيء الذي كرسته الحكومة في نهاية المطاف من خلال سياسة "عفا الله عما سلف" السيئة الذكر. الجريمة ابتدأت حين قررت وزارة الشباب والرياضة جعل أطفال صغار يقطعون مسافة 1300 كلم، ذهابا ومثلها إيابا، على متن الحافلة، من أجل المشاركة في إحدى تظاهراتها الرياضية. في حين أن المنطق السليم كان يقتضي أن تكون رحلة بهذا الطول على متن الطائرة، وهو ما لم يكن ليكلف الوزارة سوى مبلغا بسيطا كزيادة في المصاريف، تضمن بها راحة الأطفال وسلامتهم، عوض المغامرة بهم في طرق معروفة بسوءها ومشهود لها عبر ربوع العالم بخطورتها، وهي التي جعلت منها الحكومات المتعاقبة فخاخا قاتلة تحصد بها أرواح أكثر من 3000 مغربي كل سنة، ليحتل المغرب بفضلها المرتبة الثالثة عالميا على مستوى حوادث السير المميتة. والجريمة اكتملت حين سمحت السلطات للشاحنة المشؤومة التي تسببت في الفاجعة، بالسير في طريق وطنية وهي تحمل آلاف اللترات من الوقود المهرب، في مشهد يتكرر كل يوم أكثر من مرة، بعد أن تواطأ المسؤولون مع مافيات التهريب، التي تستغل رخص ثمنه في الأقاليم الجنوبية، حيث يتم تزويد الشاحنات بخزان إضافي بسعة تفوق الألف لتر يتم ملؤه بالوقود، ليباع بعد ذلك في مدينة أغادير، وهو ما سمح للكثير من المسؤولين والمهربين بمراكمة ثروات ضخمة في وقت قياسي، غير آبهين بحياة المغاربة التي يهددونها بشاحناتهم الملغومة في كل لحظة وحين. والحقيقة أننا لو كنا في بلد ديمقراطي، لسقطت رقاب كثيرة وأسماء كبيرة بعد فاجعة بهذه البشاعة، أما وأننا في المغرب حيث الإعلام متحكم فيه لأبعد الحدود، وحيث سياسة الإفلات من العقاب هي العملة الرائجة، وحيث يغيب القضاء المستقل والنزيه القادر على متابعة أي مسؤول مهما كانت سطوته ونفوذه متى ما تبث تورطه في قضية من القضايا، ، وحيث البرلمان مغلول اليدين ولا تفك قيود أعضائه إلا للتصفيق للخطب الملكية، وحيث الوزراء والمنتخبون يختبؤون وراء حصانة الملك لينجوا بأنفسهم من كل مساءلة أو محاسبة... فإن القصاص وتحقيق العدالة تبقى مجرد أحلام بعيدة المنال. بل إن حتى مطلب إعلان الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام، والذي امتلأت به صفحات أغلب المغاربة على شبكات التواصل الاجتماعي، لم تعره الدولة المغربية اهتماما، وكأن أبناء الشعب حين يموتون غدرا لا يستحقون بعض الحزن، ولا يستحقون أن تنكس الأعلام ترحما على أرواحهم، مثلما يحدث في كل البلدان التي تحترم مواطنيها حين يلم بهم حادث أليم، بل كما تفعل الدولة المغربية نفسها حين يموت ملك أو رئيس دولة أجنبية على سريره الوثير. لذلك فلا تستغربوا أن يظل الموت يطاردنا، ويحصد أرواحنا وأرواح أطفالنا بأرخص الأثمان، ففي نهاية المطاف لن نكلف الدولة سوى كفنا وقبرا، وسهرة غنائية لا تخلف موعدها المقدس، ليتم فيها الرقص على جراحنا دون رحمة أو شفقة. -رئيس مركز الحريات والحقوق