عندما وقعت حادثة اصطدام شاحنة مع حافلة للركاب قرب طانطان اتفق الناس سريعا على تسميتها بالفاجعة، وذلك حتى قبل أن يعرفوا من هم ضحايا الحادث. بعدها، سمعنا أن الحافلة المنكوبة كان بها رياضيون عادوا من بوزنيقة بعد مشاركتهم في تظاهرة رياضية، فتألم الناس أكثر، ولو كان لهم الخيار لأطلقوا عليها اسما أكثر قوة من عبارة «الفاجعة». بعد ذلك، عرف الناس ما هو أنكى من ذلك، وهو أن الضحايا ال35 من ركاب الحافلة المنكوبة أغلبهم أطفال، فلم يعرف الناس ما يفعلون غير الإمساك برؤوسهم ألما وحسرة. في هذه الحالة، يكون الصمت أبلغ معبر عن واقع الحال. الغريب أن الأخبار الأولى تحدثت فقط عن رياضيين متجهين من الدارالبيضاء نحو طانطان، ولم تكن هناك أدنى إشارة إلى أنهم أطفال؛ وهذه، ربما، حيلة من نوع خاص اعتمدها أولو الشأن لكي يخففوا من صدمة ما حدث وصاروا يعطوننا الأخبار قطرة قطرة، ربما خوفا علينا حتى لا نموت حسرة. اليوم، يتداول الناس صور الأطفال الذين قضوا في ذلك الحادث الذي سيظل الغموض يلفه إلى وقت طويل، وكأن حوادث السير القاتلة التي تكون في بوزنيقة أو تأتي منها لا بد أن تكون غامضة ومحيرة ومذهلة. قبل أشهر، مات الرجل الثاني في حكومة بنكيران في سكة قطار بوزنيقة ولازلنا لا نفهم ما حدث، بل لازال رئيس الحكومة نفسه وصديق عمر باها يطلق اللغز تلو اللغز وكأنه يغذي هذه النار الجامحة حول موت باها. وقبل موت باها، مات الراحل أحمد الزايدي في نفس المكان تحت قنطرة في بوزنيقة، ولازال الناس يتساءلون حتى اليوم كيف لرجل يعبر تلك الطريق باستمرار أن يبقى مسجونا داخل سيارته التي انغلقت أبوابها فجأة وغرقت في مياه ضحلة. وها هي حافلة أطفال طانطان تعود من بوزنيقة ويموت أطفالها بتلك الطريقة المؤلمة، وسيظل الناس يتساءلون عن السبب الحقيقي، وهل كانت الشاحنة التي صدمتهم تنقل فعلا مواد بترولية مهربة، وهل انفجرت قنينة غاز في الحافلة، وهل كانت لعنة ما تطارد الحافلة من بوزنيقة حتى طانطان؟ لكن الحقيقة أنه لا توجد لعنة في بوزنيقة حيث يوجد الموت الغامض، بل اللعنة توجد في الرباط حيث توجد الحكومة المريضة. رئيس الحكومة، عبد الإله بنكران، لايزال إلى اليوم يتحدث، بألم كبير، عن فراق رفيق عمره عبد الله باها، وله الحق في ذلك، لكنه لم يتحدث عن هذا الموت المفجع لعشرات الأطفال المغاربة في حادث سيظل غامضا ومثيرا. الناس لا يؤمنون بلعنة اسمها «لعنة بوزنيقة»، لكنهم بالتأكيد يؤمنون بلعنة اسمها «لعنة المسؤولية»، لأن المسؤولين المغاربة، الذين ينكِّسون الأعلام ويعلنون الحداد ويملؤون شاشة التلفزيون بالتعازي وعبارات المواساة ويقيمون صلاة الغائب في مساجد البلاد حين يموت مسؤول أجنبي، لا يفعلون ربع ذلك عندما يلقى العشرات من فلذات أكبادنا حتفهم حرقا في واحدة من أبشع الحوادث التي عرفتها البلاد. أرواح أطفالنا رخيصة جدا إلى درجة لا تستحق معها تنكيس علم أو إقامة صلاة الغائب أو إعلان حداد وطني. لكن ربما يكون المسؤولون المغاربة أكثر حكمة ويعرفون أن إعلان الحداد في كل مرة تحدث فيها حوادث مفجعة سيكون بمثابة إدخال للبلاد في موجة حداد لانهائي، لأن المغرب، الذي يوصف بكونه أجمل بلد في العالم، لن تتوقف فيه قريبا مثل هذه الحوادث المفجعة، لذلك قد تظل أعلامنا منكسة إلى الأبد، ولنتذكر ما حدث قبل بضع سنوات في طريق «تيشكا» بين مراكش وورزازات، حين قضى قرابة 50 شخصا في حادثة رهيبة بسبب تلك الطريق الأفعوانية، واليوم لاتزال تلك الطريق على حالها، ولايزال المارون منها يتلون الشهادتين قبل بدء المغامرة. الذين يطالبون باستقالة المسؤولين بسبب فاجعة الحافلة ليسوا واقعيين بالمرة، فهذه البلاد لا يستقيل فيها أحد، والشيء الوحيد الذي استقال من زمان هو القانون، لذلك يفعل كل واحد ما يشاء على هواه دون أن يحاسبه أحد، لذلك فإن طرقنا مغشوشة، وعماراتنا بنيت بالتحايل، ومستشفياتنا يعشش فيها النصب وأشياؤنا الباقية تدل على أننا بلد مغشوش يتوهم فيه الناس أن التقدم ممكن بالعمارات والمقاهي الفارهة، لذلك سنظل نتعايش مع الكوارث والفواجع إلى زمن طويل جدا. عندما وقعت حادثة طانطان سارعت وزارة الداخلية المغربية إلى نفي قطعي وقاطع لإمكانية أن تكون الشاحنة التي صدمت الحافلة محملة بمواد بترولية مهربة، وهذا النفي مرده إلى الفضيحة التي يمكن أن تشكلها ارتباط هذه الفاجعة بعمليات التهريب. لا يهم، فربما قد تكون تلك الشاحنة غير حاملة لمواد نفطية مهربة، لكن من المفيد أن نذكّر الناس بشيء حدث في مدخل طانطان، في نفس المنطقة تقريبا التي جرت فيها فاجعة الحافلة. هناك رأينا شرطيا يكاد يرقص أمام سائح إسباني من أجل الحصول على خمسين درهما لاقتسامها بين ثلاثة. ألا ترون أن الحواجز الأمنية التي يقف فيها بوليس على تلك الشاكلة يمكن أن تمر منها قنابل ذرية وليس فقط شاحنة محملة بالنفط المهرّب؟