في المغرب، كلما ذكر اسم إيران وحزب الله اللبناني وجماعة "أنصار الله" اليمنية، يزداد الحديث عن التشيع والتحذير من خطره على المغاربة، لتظهر فجأة "عاصفة الحزم" العسكرية التي وحدت دولا عربيا، وضمنها المغرب، ضد معاقل الحوثيين، في سياق حرب قاتلة وصفت أنها نزال حقيقي بين السنة والشيعة في منطقة عربية تائهة، واختلط فيها السياسي بالعقدي. هنا في المغرب، عادت العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران إلى مجاريها، بعد قطيعة خمس سنوات لسبب عقدي سياسي أيضا، وهو التخوف المغربي من انتشار التشيع وتهديده لوحدة المذهب.. وما ﻹيران من يد في هذا كله.. ورغم ذلك، ظهرت مؤشرات على ارتفاع عدد الشيعة في المغرب في الآونة الأخيرة، حتى أن مطمح الوجود القانوني ظل حاضرا، وأثار ضجته الشهيرة قبل أسابيع مع تيار "الخط الرسالي". ما يعجبك في المغرب ويطمئنك أكثر، هو الاحتياط اللازم والجاهزية في التصدي ﻷي تهديد روحي وأمني، فالمساجد بعد الصلوات الخمس وفي الجمعات تصلي على الرسول الكريم وتترضى على الصحابة الأربعة الكرام، لتتربى في قلوب وعقول المغاربة عقيدة الإسلام الحقيقي، "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، بعيدا عن "متطرفي" الشيعة.. ثم يدعو الإمام للملك، في إشارة إلى ولاء سياسي، وجب أن يتمثل ديمقراطيا طبعا، بعيد عن فكر الخوارج المتعصب. ولا أدري صراحة لم كل هذا التهويل من الشيعة بالمغرب، الذين يعتنقون مذهبا دينيا له ولاءاته التاريخية وحتى السياسية، وينتج لنا فكرا مذهبيا قد يكون متوسطا إلى متطرف، ناسين أو متناسين المذهب السني الذي له أيضا ولاءاته التاريخية والسياسية، وينتج لنا أيضا فكرا مذهبيا على الشاكلة ذاتها، في تنوع مذهبي تحكمه قواعد ووجب أن تحكمه قوانين وأعراف مقبولة، رغم أن الإسلام واحد وما أنزل الله بهذه المذاهب من سلطان. لماذا نتناسى في الطرف السني الولاء التام للسعودية ولأحفاد محمد بن عبد الوهاب، هذا الأخير الذي أنشأ له أتباعه منذ عقود خلت تيارا ومذهبا فريدا يحصر الإسلام في نقاب وجلباب قصير ولحية وسواك ويحرم الطبل والألحان مثلما يمنع انتقاد الحكام ويسمي هذا كله "منهج الفرقة الناجية" التي ما دونها في النار.. وهذا كله في وقت ظل فيه من يدعون أنهم "علماء السلف الصالح" يكنزون الريال والدولار ويتمرحون في الفيلات الفخمة والسيارات الفارهة، ناصحين الشباب بالزهد وترك الدنيا والجلوس لتعلم التوحيد دونه من"علوم الكفر والإلحاد"!! أليس هذا تطرف ديني يستوجب التحذير منه ومناشدة الناس الهرب منه والفرار إلى أصل الإسلام الوسطي بطبيعته والمنفتح في أصوله والمتماسك بقواعده المقاصدية وأسسه العقدية والفقهية، أم أن سياسة التقارب المغربي الخليجي تفرض السكوت عن مذهب لطالما فرخ شبابا حمل السلاح وارتدى الأحزمة الناسفة، بعد أن سئم من واقع متخلف ومن تحقيق حلم خلافة إسلامية هي في ذهنه مظاهر دونها نهضة حضارية وإنسانية وتكنولوجية. في المذهب السني توجد "داعش" و"القاعدة"، الوجهة العالمية لمصاصي الدماء وجزاري الرؤوس وقطاع الأيادي، وهي أكبر تجل للتطرف الإسلامي، الذي أخذ الدين من جهة تنفيذ الحدود وقتال المرتدين والصليبيين والصفويين، وفق تعبيراته، وليس قتال أكبر سرطان وجرثومة خبيثة في المنطقة وهي إسرائيل، وليس بناء مجتمع متماسك روحيا واجتماعيا وماديا، بل حتى أن بلدان العرب والمسلمين ما سلمت من تطرفه الدموي والإجرامي. أما مذهب الشيعة، فقصة التطرف هنا لا تتوقف أيضا، بدء من الطعن وسب الصحابة وأمهات المؤمنين، وإدعاء العصمة لعلي بن أبي طالب وعدد من أئمتهم بل وإدعاء تحريف حاصل في القرآن زد على ذلك نكاح المتعة.. ما يثير من النعرات الطائفية وتربي حقدا دفينا لدى السنة، دون أن نتحدث عن قتالهم وتضييقهم للتيار السني في عدد من بقاع العالم، وما قصة أحواز إيران هنا ببعيد. في الشيعة وسطيون مسالمون ومتطرفون محاربون، كما الأمر بالنسبة لأهل السنة، فالتطرف لا دين ولا مذهب له، وحين ندعوا لتعايش مجتمعي مع الشيعة في المغرب، فهنا نعني مغاربة يشتركون روح هذا الوطن ويمشون فوق ترابه ويعيشون تحت سمائه، تعايش نحتاج فيه لتحكيم القانون وفوقه الشرع، في قضايا التجاوزات الفكرية والعقدية، وقانون مكافحة الارهاب واضح في هذا السياق. في المغرب، سمعت دعاة ورجال دين ومفكرين يحذرون مما أسموه "السرطان الشيعي" حتى أن منهم من أخرج الشيعة من الملة، وهو المنطق الذي ذكرني بتجمع مصري حاشد للتضامن مع سوريا، وجرى بداية صيف 2013 تحت رعاية الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، حيث تعالت أصوات تكفر شيعة مصر وتطالب بقطع العلاقات مع إيران.. بعدها بأيام قتل مصريون 4 من شيعة بلدهم وخلق الأمر توترا طائفيا مزق البلد أكثر مما هي ممزقة. يا عباد الله.. دين الإسلام واحد، ولا مجال فيه لمذهبية تفرق وتثير حروب التكفير وقطع الرؤوس والتنكيل بالجثث، من كان يؤمن بالله ورسوله فليتبع القرآن والسنة وفق فهم وسطي سليم.. أما خلافات الصحابة وأحقية هذا بالخلافة من ذاك، فقد دفن معهم وما ذكرته بطون كتب التاريخ هو للاستئناس والتعرف على تجارب أمم سبقتنا لها ماكسبت ولنا ما سنكسب.. ويا أبناء الوطن، إن الولاء لهذه الأمة ولهذا البلد، ومن حاول ذلك مع "داعش" أو مع "إيران" فللقانون كلمته الأولى والأخيرة ومؤسسات الدين موجودة.. وهذا الوطن يتسع لكل الأفكار شرط ألا تهدد سلمه المجتمعي والسياسي والديني والأمني.. الشيعة إخوتنا لأنهم أبناء الوطن، كما الحال لمن هم نصارى ويهود.. وليس هناك مجتمع يفزع من هؤلاء سوى أنه يعتقد خطأ أنه يعيش في دولة هشة ليس لديها مؤسسات، والمغرب خلاف ذلك.. وكفانا من زرع بذور فتنة لسنا في حاجة إليها بتاتا.. [email protected] www.facebook.com/attariqHadda