لابد لمن اضطلع على فحوى الرسالة التي وجهها زعيم الانفصاليين في " تندوف " إلى صاحب الجلالة والتي نشرت صحيفة " الشروق " المخابراتية الجزائرية نصها ,, أن يستلهم منها عديد الملاحظات الهامة في إطار أجواء التوتر الأخيرة بين الجبهة الإنفصالية والشعب والحكومة المغربية . وهو ما يمكن تفسيره لو طرح سؤال من قبيل : لماذا كل هذا السعار الجزائري ؟؟ . واقع الرسالة وظرفيتها الموازية لكل الأحداث السابقة في " العيون " ولأجواء التوتر القائمة بين " الرباط " و " مدريد " جاء ليفسر هذا العواء الجزائري الإسباني منذ خطاب صاحب الجلالة الموجه لشعبه المحتجز في " تندوف " ,, وقبله منذ إعلان " الأممالمتحدة " قبل سنوات عزمها الراسخ على إيجاد حل سريع ومقبول لقضية منطقة أصبحت تشكل قلقا كبيرا ل " البيت الأبيض " والذي يرى في انعدام استقرارها انعداما لإستقرار " الولاياتالمتحدة " خاصة وأن نفوذ القاعدة أصبح أكثر توسعا بشراكات مؤكدة مع قادة الجبهة الإنفصالية وبدعم واضح من قصر " المرادية " ,, الذي وبصورة أوضح غير من توجهاته وأصبح حليفا شريكا للتنظيمات الإرهابية في المنطقة ولو بصورة غير مباشرة ,, وذلك لزعزعة استقرارها واستقرار شعوبها لأغراض يعلمها العالم أجمع . ولعل توقيت إرسال هذه الرسالة والذي تم بعد أسابيع على أحداث " العيون " ليطرح أكثر من علامة استفهام مادام أن ردة الفعل في هذه الرسالة إن صح وصفها بذلك قد أتت متأخرة من طرف النزاع الانفصالي ,, وهو ما يؤكد من جديد دور " الجزائر " المفضوح في هذه اللعبة ,, فتحركات قادة الجبهة الانفصالية تتم بمباركة أولى من قصر " المرادية " ,, والحديث عن قصر " المرادية " معناه الحديث عن الجيش الذي يحكم هذا البلد منذ الاستقلال ويستقوي على شعبه وليس عن دمية " بوتفليقة " المغلوب على أمره . كما أن توقيت توجيه هذه الرسالة والتي جاءت بعد المسيرة المليونية التي شهدتها مدينة " الدارالبيضاء " قبل أيام ,, لتؤكد بالملموس على أن الجبهة الانفصالية تعاني التصدع الداخلي ,, ولغة " اليأس " قد نخرت صفوفها الداخلية ,, وأمكن القول أن صورة الجبهة القوية تنظيميا والتي تحاول الإستقواء إعلاميا ببضع مرتزقة الإعلام الإسباني لتعاني داخليا في صفوفها وفي المخيمات نفسها ,, والتي راجت أخبار قوية عن تلقي ساكنتها المحتجزة لخطاب صاحب الجلالة الأخير بصدر رحب وهو الذي خاطب شعبه المحتجز فوق أراض جزائرية وأكد على أن المملكة ملكا و حكومة وشعبا لم ولن تنسى رعاياها المحتجزين في " تندوف " وهو ما يفسر سعار الجلادين في سجن المخيمات وسعار قادة الجيش في قصر " المرادية " ,, فما كان إلا القيام بتخطيط دقيق ومحكم لسيناريو تتقن الجبهة الانفصالية فصوله ذبحا وتبولا على جثت حتى الكلاب ما أمكنها الإقدام على خطوة جبانة مثيلة لها . هذه التطورات وإن كان الإعلام الجزائري والإسباني يحاول تصويرها على أنها نقطة تأكيد قوة الجبهة داخليا وخارجيا فإنها أبدا لا تفسر ذلك ولعدة أسباب . منها عودة مئات المحتجزين في مخيمات العار إلى أرضهم وأرض وطنهم رغم عودة بعض منهم لغرض إثارة الفتن ولخطط كشفت أخيرا ,, وكذلك انشقاق عدد من القادة الفرعيين في الجبهة وعودتهم للمملكة عودة المواطن المغربي لوطنه وأحدهم سفير " الرباط " الجديد في " مدريد " ,, ومنها أيضا التقارير السرية التي كشف موقع " ويكليكس " عنها أخيرا والمؤكدة بلغة دبلوماسية عربية أمريكية وازنة استحالة إقامة دويلة جديدة في المنطقة تعاكس منطق الجغرافيا والتاريخ ,, وأن الذي تحدث عنه زعيم الانفصاليين في رسالته تلك لصحاب الجلالة من عزلة دولية يعانيها " المغرب " ليناقضه بلغة كاملة موقعه الجديد كشريك استراتيجي مع " الإتحاد الأوروبي " ,, حتى وإن انساق الأخير خطئا وراء أطروحات إعلامية إسبانية مسترزقة ودعا " المغرب " خطئا لفتح تحقيق في أحداث " العيون " الأخيرة . وليناقضه في صورة ذلك أيضا مكانة " المغرب " لدى قصر " الإليزيه " القوة الوازنة في القرارات الدولية ,, ولدى حكومة " ساباثيرو " التي ما فتئت تؤكد على ضرورة مراجعة موقف جديد من الجبهة الإنفصالية بعد كل ما شوهد من مشاهد ذبح وتبول على جثت ,, أصحابها لم يحملوا سلاحا واحدا يقيهم شر كل... ,, السؤال عن ما اقترفته من جرائم بشعة ينتظرها في عذاب قبر أليم قريب غير بعيد . هذه التطورات الأخيرة التي انفجر فيها الصوت الإنفصالي من قلب قصر " المرادية " حيث الدمية راقدة في جمودها ,, وحيث شاربو دماء الشهداء والمختطفين في " القبائل " وغيرها من مناطق أشقاءنا في " الجزائر " يلعبون آخر أوراقهم في مسار حلمهم الوهمي بتأسيس دويلة جديدة في المنطقة ,, على " المغرب " أن يستغل وضعه الراهن لصالحه ولصالح وحدته الترابية التي لم ولن يُمس شبر واحد من ترابها بأمر من الشعب الذي خرج جزء صغير منه في المسيرة التاريخية ل " الدارالبيضاء " والذي أربكت رسالته حسابات " المراكشي " الذي بدا من خلال رسالته لملك البلاد وكأنه يلعب أاخر أوراقه السياسية يائسا منتظرا ردا لا يبدو وأنه سيلقاه من القصر الملكي ب " الرباط " الغير مستعد في الوقت الراهن لخوض لعبة عنوانها أنا من قتل أبناء من شعبك وتبول على جثتهم ومخاطبك اليوم ب " جلالة الملك " . وإذا أمكننا اليوم الحديث عن يأس واضح ظهر بجلاء على الجبهة الإنفصالية بعد أزيد من ثلاث عقود في هذا النزاع أرهقت " المراكشي " رغم ما أغنته من بطون له ولقادته وأرهقت مدبري الملف في قصر " المرادية " الذي تكرر اسمه لأزيد من ثلاث مرات بين هذه السطور تأكيدا غير جديد على دوره الشيطاني في هذا النزاع المفتعل ,, فإن كل هذه التطورات الحاسمة في ملف الوحدة الترابية لتستدعي يقضة الشعب و الحكومة والبرلمان من أجل الإسراع في إخراج مقترح الحكم الذاتي للوجود ,, وذلك حتى يتسنى للصحراويين الحكم في مصالح المنطقة تحت سيادة المملكة المغربية برايتها الحمراء ونجمتها الخضراء . مادام أن الأوان قد آن لأن تتخد هذه القضية مسارها الجديد القاضي بتحول ديمقراطي حداثي يحكم فيه " الصحراويون " مناطقهم بشفافية ونزاهة تحت السيادة المغربية . فلغة الخشب احترقت ,, ولغة اليأس قد دبت في صفوف جبهة لغتها القديمة الجديدة الذبح والتبول على جثت المسلمين . كما من شأن طرح هذا المقترح على أرض الصحراء أن يفضي لضربة طاعنة قاضية للجبهة الإنفصالية ولمساندتها الرئيسية في " الجزائر " العاصمة ,, وربما إيقاف المفاوضات نهائيا مع الجبهة الإنفصالية ,, فأول من سيدافع عن هذه القضية هم الصحراويون أنفسهم وقبلهم الشعب المغربي قاطبة ,, وعليه وجب على لجنة السيد " عمر عزيمان " الإستشارية للجهوية الموسعة ,, الإسراع الفوري لأجل إخراج هذا المقترح الذكي والحل النهائي لهذه القضية على أرض الواقع ,, فحلم الدويلة لم ولن يتحقق يوما بتأكيد دبلوماسي أمريكي وزان في المنطقة ,, مهما صرف من ملايين وملايير الدولارات قطرية كانت أم جزائرية ,, فالقرار قرار الشعب والحكم حكم 35 مليون مغربي ,, ومادام هذا القرار بيد الشعب ف " المغرب " في أمن وأمان ,, ولا خوف على " المغرب " ولا خوف على صحراءه ,, مع التحية للإبن العاق وقبله للمنقلب على والده ,, ومع التحية لمن يلعبون آخر أوراقهم في هذه القضية . ومن أراد التوبة فالله يحب التوابين ومن أراد الفتنة فإن الله حامي هذا الوطن والدين.