في رحلة تمتد من 2011 تاريخ اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي حتى 2014 تلقي الكاتبة والصحفية جميلة القصوري الضوء على أبرز المحطات في تونس بأسلوب جريء بعيد عن الحياد وثائر. ومواقف القصوري جاءت في كتابها الجديد (شوك وحرير) وهي مجموعة من مقالاتها الصادرة بجريدة (الصحافة اليوم) التابعة لدار لابراس التونسية. وجاء الكتاب في 207 صفحات من القطع المتوسط. وجاء غلاف الكتاب في لون أزرق خافت يخفي وراءه صورة للكاتبة التي تسعى من خلاله لتخليص الحرير من الشوك عبر نظرة نقدية للعديد من المواضيع الشائكة التي طفت على السطح بعد الانتفاضة من بينها مسألة الهوية وحرية المرأة والتطرف الديني وغيرها. وتقول الكاتبة ألفة يوسف في تقديمها للكتاب "هو كتاب موقف ورأي وهو رصاصات رمزية في صدر الحياد والخمول والجمود .. جميلة القصوري لا تجيد المهادنة ولا المرواغة ولا تنشد إرضاء أحد .. بل تنشد إرضاء نفسها". وتضيف "وحده قلمها الجامح المتحرر من أي محاباة هو المنتصر المغوار". والكاتبة التي لها باع في المجال الثقافي حاولت أن تعبر شواطىء الثقافة لترسو بسفينتها في بحور متعددة غاصت فيها لتتحدت باستفاضة عن الوضع الاجتماعي المتأزم واقتصاد بلادها العليل والواقع السياسي المترواح بين الاستقرار والتعثر. لكن ما يجمع بين هذه المقالات أنها جاءت ملخصة لأبرز المحطات الرئيسية لتونس منذ الثورة. محطات كانت محط تمحيص ونقد لاذع من الكاتبة بأسلوب ساخر كان أقرب للكوميديا السوداء في عدة مرات. وحتى الإشارات المتفائلة كانت متشائمة حيث تقول "لعل الجانب المشرق للثورة هو سقوط الأقنعة على وجوه كانت تظهر العفة ولكن الثورة أسقطتها وأظهرت جشعها وانتهازيتها ونفاقها وتبدل المفاهيم." وبينما تبدو مقالات القصوري ظاهريا متفرقة لا رابط بينها إلا الزمن فإن نظرة متأنية تظهر أن ما يجمع بينها رؤية جريئة وأسلوب لغوي راق مكتظ بالاستعارات والأوصاف والصور المميزة. وعن هذا تقول ألفة يوسف "ألطف ما في الكتاب هو امتلاك صاحبته ناصية الإبداع اللغوي .. فشوك وحرير هو منجم من الصور والاستعارات المبدعة التي تفاجئ القارئ وتداعبه وتشاكسه وتشده شدا". وتعرض الكاتبة الفوضى المنظمة وتمر بأبرز المحطات التي حصلت في تونس خلال السنوات الأربع الماضية من هجوم إسلاميين على معرض للمنحوتات واغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد على يد جماعات إسلامية متشددة. وفي إحدى مقالاتها تتحدث القصوري عما يسمى "الربيع العربي" قائلة "لعنة الربيع ومواسم الأحزان .. مرت سنتان على الثورة ولم يتغير الشيء .. مازال الشعب منقسما إلى قسمين قسم توليه الحياة وجهها وقسم توليه الحياة قفاها." وتنتقد القصوري في مقالاتها بشدة الفوارق الاجتماعية والمادية التي تعمقت بعد الثورة حين تقول "لم يتغير شيء حتى الغيث النافع تآمر على المهمشين والفقراء .. فأغرق بيوتهم وجرف أدباشهم وقتل أبناءهم." وتضيف قولها "الفوارق أصبحت خيالية وحتى الأحلام لم تعد من نصيب الفقراء". ورغم أن الانتقال الديمقراطي في تونس كان ملهما لانتفاضات في دول عربية وحظي بإشادة واسعة في الخارج كانت أغلب مقالات القصوري مصبوغة بتشاؤم كبير وبنقد ذاتي للتجربة المحلية في تفاصيلها التي قد لا تظهر للخارج. وتتحدث الكاتبة لرويترز مفسرة النظرة التشاؤمية التي صبغت أغلب كلماتها قائلة "تونس بقيمها واعتدالها ووسطيتها وشعبها اليميني واليساري تجد نفسها في خضم وضع شائك .. اضطربات اجتماعية وعودة للوراء وإحساس مطبوع بالخوف والرعب والمجهول الذي ينتظرها." وتقول القصوري "أنا كنت شاهدة على فترة صعبة وشائكة في أربع سنوات كانت كأنها أربعة قرون مليئة بالتراكمات."