في الوقْت الذي تعرفُ الساحة السياسية والحقوقية في المغرب نقاشا متناميا حوْل إلغاء عقوبة الإعدام، خاصّة بعْد الرسالة التي وجّهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش شهر نونبر الماضي، والتي أشادَ فيها بالنقاش الدّائر حول عقوبة الإعدام في المغرب، عادَ الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام إلى مطالبة الدّولة المغربيّة بإلغاء العقوبة نهائيّا. وعَلى الرّغم من توقيف تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب منذ سنة 1993، حيثُ كانتْ آخر عملية إعدام نفذت في قضية الكوميسير "ثابث"، إلّا أنّ الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام يُطالبُ بإلغاء العقوبة من القانون الجنائيّ، والتي يرَى أنّها عقوبة "لا إنسانية وانتقام ومسّ بالكرامة". وقال رئيس الائتلاف، عبد الرحيم الجامعي، في نَدوة تحتضنها الرباط اليوم الجمعة وغدا السبت "سنظلّ نؤكّد للمحافظين والمدافعين على الإبقاء على عقوبة الإعدام أنّ هذه العقوبة غير مشروعة دستوريا، ولا مبرّر ولا مصداقية لها قانونيا"، وأضاف "سنظلّ نجادلهم ونناقشهم حتى يقتنعوا بضرورة إلغائها". ويظهرُ أنّ دستور 2011، الذي نصّ على الحقّ في الحياة، كانَ حافزا إضافيّا للائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام للمُضيّ في مطالبه الداعية إلى إلغاء العقوبة بصفة نهائية، وقال الجامعي "دستور 2011 مكّن الائتلاف من آلية جديدة للمرافعة، وأضاف عنصرا ضروريا لتعميق الحوار والنقاش حوْل هذا الموضوع". وانتقد الجامعي امتناع المغرب عن التصويت على البروتوكول الاختياري الثاني لإلغاء عقوبة الإعدام بالجمعية العامّة للأمم المتحدة شهر دجنبر الماضي، قائلا "بعْد النقاش الواسع الذي شهدتْه الساحة، ظهر تردّد وتخلّف سياسي لدى المسؤولين في الحكومة، من خلال الامتناع عن التصويت على البروتوكول الاختياري الثاني". في السياق نفْسه دعا فيليب ميكوس، رئيس قسم التعاون ووزير مستشار لدى بعثة الاتحاد الأوربي بالمغرب، الدولة المغربية إلى التصويت على البروتوكول، قائلا "يجب على المغرب أنْ يعمل على السيّر في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام"، واعتبر ميكوس أنّ مؤشّرات إلغاء العقوبة في المغرب "متقدّمة"، مشيرا في هذا الصدد إلى مضمون الرسالة التي وجهها الملك إلى المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، معتبرا إياه "مؤشّرا إيجابيا نحو إلغاء العقوبة". غيْرَ أنّ رئيس الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان عبد الرحيم الجامعي يَتوّقع بروز صعوباتٍ أمامَ المُطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام، في ظلّ تنامي ظهور التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، قائلا "هناكَ عوْدة قويّة إلى استعمال الإعدام للانتقام باسم الشريعة، وهذا خلَق جوّا من الردّة". وأبْدى الجامعي تخوّفه من أنْ تُؤدّي الأعمال الإرهابية التي تقوم بها التنظيمات المتطرفة إلى تعطيل المساعي المبذولة لإلغاء عقوبة الإعدام، خاصّة في ظلّ تصاعد الأصوات المُطالبة بالانتقام من المتطرّفين، من طرَف القادة السياسيين والمثقفين، وانطلاق تنفيذ عمليات إعدام تحت ضغْط الشارع، لوقف التطرّف وزحفه. مَحليّا، قالَ مصطفى الريسوني، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان إنّ عقوبة الإعدام في المغرب قبْل وقفها كانتْ تنفّذ في الغالب بدواعي سياسية، مشيرا إلى أنّ من ضمن 41 حالة إعدام التي نُفّذتْ في المغرب 38 منها كانتْ ذا طابع سياسي، وعلّق قائلا "هذا الرقمُ يبيّن أنّ تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب كان يتمّ في الغالب لاعتبارات سياسية". وعلى الرغم من أنّ توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام لم تكنْ حاسمة بشكل واضح، إلّا أنّ الريسوني اعتبرَ أنّ توصيّة المجلس التي تنصّ على ألّا ينفّذ حكم الإعدام إلا بعْد اتّفاق خمسة قضاة أثناء المداولة في المحكمة الجنائية الابتدائية، وخمسة في مرحلة الاستئناف وخمسة في مرحلة النقض، يجعلُ من تنفيذ عقوبة الإعدام مستحيلا، وقال "يستحيل أن يتّفقَ كل هؤلاء القضاء على حُكم واحد". غيْرَ أنّ ما ذهبَ إليه عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان لم يُقنع رئيس الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، وقالَ الجامعي "المجلس الوطني لحقوق الإنسان يجب أنْ يتبنّى موقفا واضحا بعْد التقرير الذي قدّمه رئيسه أمام غرفتيْ البرلمان، وفي الوقت الذي يتمّ تدارس مشروع القانون الجنائي"، وأضاف "يجب على المجلس أنْ ينتصر لقانون جنائيّ خالٍ من عقوبة الإعدام، مهْما كانتْ دواعيها". ويَرى الجامعي أنّ تبنّي المجلس الوطني لحقوق الإنسان لموقفٍ واضح إزاءَ إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي المغربي، سيسهّل مأمورية النواب في غرفتي البرلمان، وكذا الحكومة، لإلغاء العقوبة، أثناء عرْض مشروع القانون الجنائي على البرلمان، وختمَ الجامعي، في رسالة غير مباشرة إلى حزب العدالة والتنمية القائد للتحالف الحكومي "إذّاك لن تكون الحكومة إلا منادية بإلغاء عقوبة الإعدام، وسيكون حزب العدالة والتنمية مثل حزب العدالة والتنمية التّركيّ، المُناصر لإلغائها".