عقد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، مساء الثلاثاء، اجتماعاً بين رئيسي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في البلاد، وذلك من أجل إنهاء حالة التوتر التي حدثت بين المجلسين، في أعقاب تصريحات أدلى بها رئيس المجلس اليهودي، ونسب فيها كل الأعمال المعادية للسامية إلى الشباب المسلمين الموجودين فى فرنسا. وعقب انتهاء الاجتماع الذي استمر نصف ساعة تقريباً في القصر الرئاسي الفرنسي "الإليزيه"، عقد كل من "بوبكر" رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، و"كوكيرمان" رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية، مؤتمراً صحفيا تصافحا فيها أمام عدسات الصحفيين، وبعثا برسالة صداقة جديدة. وفي التصريحات التي أدلى بها "بوبكر" أكد أنهم يؤمنون بمبدأ التعايش بين المواطنين الموجودين في فرنسا ويمثلون أدياناً مختلفة، مشيراً إلى أن دعوتهم اليوم إلى القصر الرئاسي "من أجل توحيد وجهات النظر الخاصة بحماية القيم الفرنسية، ومن ثم نحن ندعو الجماعتين اليهودية والإسلامية إلى ضبط النفس، والإيمان بمبدأ التعايش السلمي معاً"، ومن جانبه قال "كوكيرمان": "نحن نعيش في سفينة واحدة، ونجادل معاً لمواجهة العنصرية، ومعاداة السامية". تنديد ومقاطعة من جهتها ردت الهيئات الممثلة لمسلمي فرنسا على هذه الإساءات، من خلال اتحاد مساجد فرنسا الذي عبر عن "صدمته العميقة" من تصريحات المسؤول اليهودي، "لأنها مثل هذه التصريحات لا تعمل إلا على تشويه صورة المسلمين"، يورد الاتحاد ذاته. وهو نفس الموقف الذي عبر عنه عبد الله الرزقي رئيس المرصد الفرنسي للأعمال الإسلاموفوبيا مطلبا بضرورة "التوقف عن تسويق صور خاطئة عن المسلمين والخلط عمدا بين الإسلام والإرهاب"، مضيفا بأن "الأمر يتعلق بشباب فرنسي يقوم بأعمال عنف وليس بشباب مسلم، لأننا في فرنسا لم نتعود على تعريف المواطنين بدياناتهم وإنما بانتمائهم للجمهورية الفرنسية". وكان التوتّر قد بلغ حدّ مقاطعة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، حفل العشاء السنوي الذي أقامته المؤسسات اليهودية يوم الاثنين، ويحضره سياسيون وفاعلون من مختلف الشرائح والديانات الفرنسية، في مقدمتهم الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، حيث أدان المجلس تصريحات كوكيرمان، واصفاً إيّاها ب"غير المسؤولة وغير المقبولة". في سياق ذي صلة، كشف الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، خلال العشاء السنوي ذاته، عن الشروع، شهر مارس القادم، في تنزيل قانون جديد ضد "التطرف الإسلامي الجهادي"، مشيرا إلى أن مؤتمرا يهم محاربة انتشار خطاب الكراهية سيعقد في أبريل القادم.. فيما دعا شركات الإنترنت الشهيرة ك"غوغل" و"فيسبوك"، إلى ضرورة الانخراط في هذا المسار. الإسلاموفوبيا في ارتفاع هذا ولم تخبُ بعد التداعيات السياسية والاجتماعية التي خلفتها الأحداث الدموية التي شهدتها باريس الشهر الماضي، فالأصوات والسلوكات العدائية تجاه المسلمين في فرنسا ما زالت في ارتفاع، حيث نبهت هيئات حقوقية مسلمة بفرنسا إلى تصاعد الأعمال المعادية للإسلام، بينها تخريب المساجد والتضييق على مسلمين، أغلبهم من النساء ورغم الدعوة التي أطلقها زعماء فرنسيون للتحلي بروح "الوحدة الوطنية" في البلد الأوروبي، في أعقاب الهجمات المتطرفة التي طالت صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة ومتجرا يهوديا مطلع العام الجاري، إلا أن الأعمال المعادية للمسلمين ما زالت في ارتفاع، حسبما كشف عن ذلك عبد الله زكري، رئيس وحدة رصد حوادث العداء للمسلمين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي اعتبر تصريحات كوكيرمان "لا تساهم في أن التعايش السلمي." وبعد أحداث "شارلي إيبدو" الإجرامية، أصدر المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا تقريرا يظهر بالأرقام هذا التصاعد الكبير في الأعمال العدائية ضد المسلمين، مشيرا إلى أن هذه الفترة سجلت أزيد من 400 عمل عدائي، ما يحيل إلى ارتفاع بنسبة 70%، مقارنة مع سنة 2014.. فيما قال المرصد إن تلك الأحداث "خلقت شكلاً من الهستيريا المساعدة على تصاعد هذه الأعمال". وتتنوع الأعمال العدائية ضد المسلمين في فرنسا، التي بلغت 764 حالة العام 2014، ما بين التمييز والخطابات العدائية، إلى جانب إتلاف وتخريب وتدنيس لمباني إسلامية واعتداء لفظي وجسدي، فيما تظل النساء أكثر من يتعرضن لتك الاعتداءات بنسبة تصل ل80% الوافي: نحتاج لقمة ضد الإسلاموفوبيا نزهة الوافي، البرلمانية المغربية وعضو الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، استغربت الصمت الرسمي "الرهيب" الذي تواجه به التصريحات والأعمال المعادية للإسلام والمسلمين في فرنسا، معتبرة أن تلك التصريحات، مثل ما جاء على لسان رئيس مجلس التمثيلية اليهودية بفرنسا، "غير مسؤولة وخطيرة" وتهدد سلامة وأمن المسلمين، من بينهم المغاربة القاطنين في البلد الأوروبي. ودعت الوافي، في تصريحها للجريدة، إلى ضرورة النأي عما وصفته "الاستعمال السياسوي للإسلام الأوروبي في البلدان الأوربية"، على أن هذا الاستخدام غير المرغوب "يغذي إحساس الاستعداء وأطروحة المتطرفين المبنية على الصراع الديني.. التي لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين". ويبقى الحل، من وجهة نظر البرلمانية المغربية، التعامل مع الإسلام كقضية داخلية "من منظور المواطنة"، داعية إلى تنزيل الدستور المغربي، الذي يلزم، وفقها، الدولة المغربية إحداث "لُجَينات يقظة" لتتبع ورصد أحوال المغاربة في البلدان الأوروبية والمساندة القانونية لهم، "بما يحميهم من أي تهديد يطال أمنهم وسلامتهم". واقترحت الوافي في هذا السياق إلى مبادرة دولية تجمع وزراء خارجية الدول الإسلامية والأوربية، من أجل النظر في التعاون حول التصدي لظاهرة العنصرية والإسلاموفوبيا والحد من العنف والإرهاب، موضحة أن تلك القضايا "تجاوزت حدود التداول المدني والإعلامي والأكاديمي"، على أن الأمر يحتاج "فضاءً للحوار الديبلوماسي الرسمي.. للتصدي لأوجه العنف والعنف المضاد".