نعم...لنواصل.. لكن بأي وتيرة؟ ..وكيف؟ حوادث السيرببلادنا ما زالت تحصد الأرواح وتخلف الخسائر والإعاقات.نعم ثمة بصيص من أمل ، فالعد التنازلي بدأ، وهناك أرواح أُنْقِذَتْ وفق إحصائياتٍ سُجِّلتْ، سنلتقي على درب التفاؤل والأمل، ولن نختلف مع شعار هذه السنة : لنواصلولكن ..بأي وتيرة ؟ وكيف؟ النسبة تبدو بسيطة، وباعتراف الجميع، نسبة الفئات عديمة الحماية من بين الضحايا تتجاوز الخمسين بالمائة، لو سلطنا الأضواء على ظروف نقلهم وتنقلهم على الطريق، ووفرنا لهم ظروف الوقاية ، ومعايير السلامة، لتضاعفت النسبة، وتحسنت الوتيرة، ولربحنا مزيدا من الأرواح. ومثلما أن المتدخلين الرسميين، أو من يلف لفهم، وينسج على شاكلتهم يرددون باستمرار أن مسؤولية العنصر البشري تتجاوز 80 بالمائة ويراهنون دوماً على انتظار ما سيجود به التحسيس والتغريم، فإننا كمجتمع مدني لن نمل من القول بأن الفئات عديمة الحماية من أطفال وراجلين ومعاقين ودرَّاجين (مستعملي الدراجات) قلما تتوفر لهم ظروف الوقاية ووسائل الحماية. فحاشية الطريق في قُرَانا وبوادينا ما زالت مُهْمَلة، والأرصفة في مُدننا ما زالت مُصادرة ومحجوزة، وبها اختلالات لا عَدَّ لها ولا حصر، والطرق في تجهيزها وإعادة تهيئتها ما زالت تخضع لنمطيةٍ تجعلها مجالا لتحرك المركبات بكل أنواعها تتزاحم وتتسابق وتتصادم، ومواقف السيارات مُغيَّبة أو معدودة، والقطارُ عندنا ما زال الصعود إليه والنزول منه ضرباً من التحدي ومصدرَ كل الأخطار، في غياب أرصفة في مستوى الولوج إليه. وَلِجَانُ السير في جماعاتنا تكاد لا تجتمع إلا بمناسبة، واجتماعاتُ اللجان الجهوية برئاسة السادة الولاة المنصوص عليها في إستراتيجيتنا الوطنية تبدو آخر ما بُفكَّرُ في تفعيله وأجْرأتِه.متفائلون، وسنظل متفائلين، ولكن ما ذا صنعنا لتغيير الواقع، وتأمين السلامة الطرقية لمختلف فئات مستعملي الطريق، عدا الوصلات التحسيسية والحملات الزجرية؟العالم الآن قرية صغيرة، والبوابة الإلكترونية تُوقِفُنا على التجارب التي تتجاوز فيها المدنُ ذاتَها وتنافسُ غيرَها في إخضاع الفضاء الطرقي ليكون مُنْصِفاً يراعي متطلبات كل الفئات، وخاصة الفئات عديمة الحماية. وثمة مُدُنٌ بدأت ببضعة كيلومترات لمسارات الدراجات، وهي في كل مُخطط ترفع الوتيرة وتعمل جادة على تعميم المسارات والمحطات. وكثيرة هي المدن التي كان فيها ضحايا حوادث السير بالمائات، أخضعت فضاءها الطرقي لمعايير السلامة، فسجلت عَدّاً تنازليا نحو العشرات.وشارعٌ تنفتح عليه أبواب مؤسسات تعليمية ، كانت تتكرر به الحوادث مُخلِّفةً وفياتٍ وإعاقات، تَمَّ تسييجُ أرصفته، وضبطُ مجالات عبوره، فعرف السلام وَعَمَّهُ الأمان. فمتى نتجاوز الحملات الظرفية لتحرير الأرصفة؟ ومتى نسهر على استوائها وصيانتها، وحمايتها من الاختلالات؟ومتى نعلن عن تعبئة لتعميم الولوجيات بمعاييرها السليمة إلى كل الأرصفة والمنشآت؟ومتى تعرف مدننا محطات لوقوف السيارات تستجيب للحاجة المتزايدة لركن السيارات، وإخلاء هامش الطريق ليكون مساراً آمنا للدراجات؟ ومتى تُعلن مدننا التنافس لتحرير المسار المستقل للنقل الحضري وتأهيله، حتى يصير الوسيلة الأسرع، والْمَرْكَبَ الْآمَن؟ ومتى نكف عن الترديد ولسنوات متتالية أن 90 بالمائة من المغاربة لا يحترمون علامة قف، لنباشر حملات موضوعاتية لتعزيز احترام الإشارات المرورية، وفي طليعتها علامة قف، ولنعلن بعد دراسة جديدة عن تقلص في النسبة ، وتحسن في احترام ضوابط السير على الطريق؟ ومتى تعتبر السلامة الطرقية وتطبيق معاييرها الهاجس الأول لدى مخططي المدن، والمسؤولين عنها، والمقررين فيها؟ إننا نُعلنُ واثقين أن الحرص على التنسيق بين مختلف الفاعلين، والسهر على تفعيل وأجرأة كل محاور الإستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية ، كل ذلك سيكون كفيلا بتخفيض إحصائيات الحوادث ومخلفاتها بنسبة ملموسة، ورفع وتيرة المواصلة بالصورة المأمولة. فتنظيم السير على الطرقات قبل أن يكون تشريعاً وتشويراً، وتحسيساً وتغريماً، هو تخطيطٌ بعنايةٍ وتحسُّبٍ يُهيَّأ، وتجهيزٌ بتبصرٍ واحترامِ معاييرَ يُنْجَزُ ويتحقق، وهو قبل هذا وذاك انشغالٌ مستمر بمعالجة الاختلالات، وحرصٌ على تفادي تكرار نفس الأخطاء، وَتَحَدٍّ ينبغي أن يرفعَهُ ويتعبأ لربح رهانه الجميع.... -رئيس جمعية فاس للسلامة الطرقية