هي واحدة من الصحفيات المشتغلات بإيطاليا بتركيز على قضايا الهجرَة، فيما هي سليلَة لتجربَة هجرَة قادتها من المغرب صوب مستقرّها الأوروبيّ.. متموقعة من بين قلائل المغاربة الذين يتواجدون بردهات التحرير الصحفيّة وسط الديار الإيطاليَّة، ومبرزة وجها مغربيّا بعيد عن التنميط الذي يسود تمثلات الإيطاليّين عند استحضارهم لصور المغرب والمغاربَة. كريمَة موال، وهي التي بلغت منتصف ثلاثينيات عمرها، ما تزال محتفظَة بروح "تَامغرَابِيت" في دواخلهَا رغم مرور ما يعادل رُبع قرن عن استقرارها بفضاء عيشهَا الحاليّ.. بينما يلازم المغرب والمغاربة التواجد ضمن العديد من المواد التي تنجزها ويطالعها عدد كبير من أبناء بلدها الجديد عبر "صاحبَة الجلالَة" التي تثق في التعامل مع موال بإيطاليا. رحيل الطفولة شدّت كريمة موال رحالها صوب الديار الإيطاليّة، وتحديدا صوب مدينة تُورِينُو بشمال البلاد، وهي في سنّ التاسعة.. مرفوقة بأخويها نورا وصلاح الدين من أجل الالتحاق بالوالدين اللذان كانا قد نفذا تحرّك هجرة قبل سنوات من بداية تسعينيات القرن الماضي. وكانت كريمَة قد شرعت في تمدرسها الابتدائيّ فوق التراب المغربيّ، بوصولها إلى بداية السنة الثالثة من التعليم الأساسي وتمكّنها من التعرف على استعمالات اللغة العربيَّة والاستئناس ببعض القواعد المقترنة بالفرنسيّة، غير ان تحويل بيئة العيش الخاصة بها جعلها تستهل منطلقها الدراسي من جديد وكذا مواجهة تحدّي الاندماج. تقول موال، ضمن لقاء لها مع هسبريس، إنّ صغر سنّها أثناء استقرارها بإيطاليا قد ساعدها في البصم على اندماج سلس وسط المجتمع الإيطالي الذي استضافها.. وتزيد في ذات الإطار: "لم تكن الصعوبات تناهز ما هو معاش حاليا، وذلك باعتبار الصور السيئة لم تكن قد نالت من تمثلات الإيطاليين التي تقترن بالهجرة والمهاجرين، وهو ما ساعدني كثيرا". تشبث بالأصل ما تزال كريمة موال متشبثة بلغتها الدارجة المغربيَّة وهي تستعملها بإتقان غير متأثر بالسنوات ال25 التي أمضتها، إلى حدود الساعة، وسط الديار الإيطاليَّة.. وتعود موال إلى ما تحتفظ به ذاكرتها قبل أن تقول: "فرحت حين التحقت بأسرتي في إيطاليا كي أبقَى إلى جانبها، بينما الارتباط بالمغرب لم ينقطع بالمرّة رغم كون تواجدي الجغرافي قد جعلني أنأى عن الوطن الأمّ". وتضيف ذات المغربيّة: "الثقافة المغربيّة لازمت الفضاء البيتي لأسرتي دون أي انقطاع، وذلك ما يزال مستمرا حتّى الآن ضمن ممارسات مقترنة بالحديث والطبخ واللبس وحتّى استهلاك المنتجات التلفزيّة.. وفي هذا الإطار أؤكّد أن تقوية أواصر العلاقة مع ثقافتي الأصليّة قد تمّت عبر حرصي الطفولي في متابعة القنوات التلفزية المغربيّة وبرامجها.. كما أن الزيارات الصيفية المتواصلة التي تنقلني صوب المغرب قد دأبت على جعل الوصال مع الوطن مستمرّا إلى الآن". مسار الدراسة لم تعتر المسيرة الدراسية والتكوينية لكريمة موال صعوبات جمّة، إذ كان المرور سهلا بين فصول التمدرس الابتدائي والإعدادي والثانويّ.. وحين التحصّل على شهادة الباكلوريا قبل 14 سنة، اضطرّت كريمة لمغادرة شمال إيطاليا وهي تتحرّك من تورِينُو صوب ميلانُو لأجل معانقة مرحلة أكاديميَّة ودّت الانغماس فيها. ولجت موّال جامعة رُومَا متخصّصة في اللغات والثقافات الشرقيّة، وعن هذا الاختيار تعلّق بقولها: "وددت خوض التجربة بناء على إرادَة غمرتني من أجل معاودة اكتشاف جزء غير يسير من أصلي وهويتي وانتمائي، وظفرت خلال هذه الفترة من معطيات جعلتني أضبط عددا من اللغات إلى جوار التمكّن الأكاديمي من كفاءة انعكست بإيجابية على مساري المهنيّ اللاّحق". بصمت كريمة موال على تألّق في دراسة حضارات منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وعدد من بلدان القارة الآسيويّة، ظافرة بإعجاب مشاركيها التكوينات ومؤطريها في البحوث.. هذا قبل أن تتخرّج حائزة على الدكتورَاه بتميّز شجعها على التطور الموافق لتنامي الطموح. موال والصحافة تشتغل كريمة موال ضمن الميدان الصحفي منذ ما يعادل 8 سنوات، وقد شرعت في ذلك خلال مسارها الجامعيّ.. حيث تنتمي اليوم إلى طواقم صحيفة "لَارِيبُوبلِيكَا" الإيطاليّة، زيادة على التواجد الذي تبصم عليه بمواد تهمّ المنتجات السمعية البصرية التلفزية وكذا صحافة ال"أونْلاَين". ويهتم الأداء المهني لموال بالهجرة وقضاياها والسياسات المتعاطية معها، كما تختصّ في شؤون الجاليات المسلمة بإيطاليا وأوروبا، وتحديدا الجالية التي تنتمي إلى ذات وطنها الأم، المغرب.. "كانت الاستفادَة المهنية منطلقة من ردود الأفعال التي تلت أحداث 11 شتنبر بأمريكا، وكذا الحراك الذي همّ شمال إفريقيا، إذ رغب الإيطاليون في معرفة ما يجري وأيضا الانفتاح على أفكار صحفيين متأصلين من بلدان تعدّ مصدرا لما يعرفه الغرب من جدل واسع" تفيد كريمة. إلى جوار "لَا رِيبُوبلِيكا"، تتعامل موال مع شبكة تلفزيونات ال"رَاي" بإيطاليا، زيادة على الجريدة الرقمية الاقتصاديّة "صُولي 24 أُورِي".. وهي ذات المنابر التي وضعت فيها الثقة منذ تواجد الشابة المغربيّة الإيطاليّة ضمن مراحل التكوين الأكاديمي بجامعة رُومَا.. فيما يعدّ مجال العمل التلفزي الوثائقي، بباكورة إنتاج اقترنت بالهجمات الإرهابية على مَانهَاتن وتداعياتها على مسلمي أمريكَا، واحدة من الانشغلات الكبرى لموال التي بصمت على تسجيلات وثائقية أخرى، بعدد من المجالات الحياتية والمهنية، بثّت تلفزيا. عن المستقبل تعتبر كريمة أم مسارها المهني، وكذا ما وسم شخصيتها على المستوى التكوينيّ، يجعلها تحسّ بالفرح تجاه ما حققته.. قارنة ذلك بانتمائها إلى جاليَة مغربيَّة تواجهها صعوبات جمّة منذ بداية الألفيّة الزمنيّة الحاليّة.. وتعلق موال على ذلك، ضمن لقائها برومَا مع هسبريس، وهي تقول: "أنا راضية عمّا حققته، ومصدر ذلك هو انتمائي للجيل الثاني من الهجرة المغربيّة صوب إليطاليا الذي يثير نقاشات كثيرة بالبلد منذ مدّة غير يسيرة". "مساري ما زال في بداياته، وأمامي أمور عديدة أطمح في تحقيقها بنجاح مستقبلا.. خاصّة على المستوَى المهني المقترن بالصحافة والإعلام.. وأرغب في أن ينعكس كل ذلك بالإيجاب عليّ شخصيا وعلى كلّ أبناء الجاليّة المغربيّة والمسلمَة بإيطاليا كما بأوروبَّا، فنحن سفراء للوطن وهذا لا يدعونا إلاّ إلى الاجتهاد والمثابرَة" تزيد موال. وترى ذات المغربيّة الإيطاليَّة، ضمن مقاربتها لمستقبل الجيل المقبل من صفوف مغاربة إيطاليا، أن افراد الجيل الثالث مدعوُون للتركيز ضمن الدراسة والتكوينات التي يرغبون فيها.. مقدمَة على تحميل أسر ذات الفئة العمريّة مسؤولية العمل على توفير الدعم والمساندة والتوجيه من أجل المساهمة في إبراز رعيل تنأى عنه الصور السلبيّة التي تلازم المهاجرين وأبناءهم في متخيّل مشاركيهم فضاءات العيش بأوروبا عموما وبإيطاليا تحديدا.