ما يزال عبد الصمد ملازما للسانه الدّارج المغربيّ بالرغم من الأعوام ال25 التي استغرقها في التواصل باللغة الإيطالية ضمن البلد الذي وفد عليه في سن مبكّرة.. مستعينا في ذلك بتواصله المستمرّ مع المهاجرين المغاربة وانشغالاتهم ومشاكلهم، بتواز مع العيشة المغربية التي يوفرها فضاؤه الأسريّ كما دأب على ذلك منذ عقدين ونصف وسط رياح الهجرة. لا يعرف ذات الشاب المغربي، وسط صفوف المهاجرين المغاربة وغيرهم برُومَا، إلاّ بنشاطه الجمعويّ الغزير على الرغم من كونه باصما على مسار أكاديمي علميّ متميّز.. بينما يرَى عبد الصمد أن نشاطه وسط المجتمع المدني، بتركيز على الفئات الصغيرة والشابّة إضافة للهجرة وأبنائها، لا تشكّل متنفسا له بعيدا عن ضغوط الحياة الشخصية والمهنيّة، وإنما تتخطَّى ذلك لكي تمكنه من رابط إضافي يجمعه بالوطن الأمّ وناسه. بسيدي رحّال عاش عبد الصمد الجوزي بمدينة سيدي رحّال التي رأى بها النور عام 1980، وبذات الفضاء الكائن ما بين مراكش وقلعة السراغنة خطَى أولى خطواته وتلقّى أولى دروسه ما قبل المدرسيّة، إلى أن تدرّج ضمن أربعة فصول ابتدائيَّة ما زال يحتفظ بتفاصيلها لاعتبارها تنتمي إلى ما قبل انخراطه في مسار هجرة مبكرة نقلته إلى إيطاليا. التحق عبد الصمد بأبيه الذي رحل صوب الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط باحثا عن فرص لتحسين الأوضاع الاجتماعيّة لأفراد أسرته وكذا عائلته، إذ تمّ ذلك من الجوزي الابن في مطلع العشرية الأخيرة من الألفيّة المنقضيّة.. وبمستقرّه الجديد جاور 6 إخوة آخرين ضمن التحولات اليوميّة التي جعلت منه ما هو عليه الحين. الغريب الوحيد يقول عبد الصمد الجوزي لهسبريس، ضمن لقاء به وسط العاصمة الإيطالية روما، إنّه ما يزال يتذكّر كافّة تفاصيل الطفولة المقترنة بحلوله وسط إيطاليا، حيث كان ذلك تحت شمس صيف حارّة وقبيل الشروع في تلقّي الدروس ضمن أول موسم تمدرس له بالبلد الذي يحمل جنسيته اليوم. "لم يكن هناك أجانب غيري ضمن المدرسة التي سجّلت بها من أجل الانخراط في التحصيل الابتدائيّ، ولذلك كنت الغريب الوحيد وسط المؤسسة التي ارتدتها بتخوّف من تعامل الآخرين، غير أن الأمور تطورت بسرعة وسلاسة كي أحقق الاندماج وسط هذه البيئة، وهذا بفضل مساعدات لتلاميذ قاسموني الأقسام، وعدد كبير من هؤلاء ما زالت تجمعني بهم صداقات حتّى اليوم" يضيف عبد الصمد. تفوق علميّ بصم الجوزي على مسار تمدرس راكم التطور مع النجاحات المتتالية، وعند وصوله إلى المرحلة الثانوية اختار دراسة تقنيّة تستند على توجيه انبنى فوق تفوقه ضمن العلوم، فتخرج بباكلوريا ضمن تخصّص الإلكترونيك الصناعي وتقنيات الاتصال. بعد ذلك تلقّى عبد الصمد عرض عمل مغر من شركة كبرَى تشتغل في الرُّوبُوتِيك والذكاء الاصطناعي، ليهمّ بالشروع في المسار المهنيّ قبل أن ينخرط في مسار للتكوين الجامعيّ، لكنّ أسرته طالبته بمزيد من التحصيل، فما كان له إلاّ أن يرفض التوجّه صوب الاشتغال المبكّر. "لكل ظروفه الاجتماعية التي تحدد قراراته، وبفعل التضحيات الكبيرة التي همّتني، إلى جوار إخوتي، من والديّ ببذلهما كل ما في طاقتهما لضمان تكوني، كنت أبتغي تخفيف الأعباء عنهما.. لكنّهما رفضا ذلك بشكل قاطع وهما يعملان على مطالبتي بشق مسار أكثر عمقا ونضجا" يورد الجوزي. أفلح ذات المغربي الإيطالي في نيل منحة بعد تخطّيه لامتحان استحقاق، وهو ما مكّنه من التنقل صوب الجامعة الثانية لرومَا الإيطاليَّة من مدينة "فرُوزينُولِي" التي تبعد عنها بزهاء 90 كيلومترا.. مرتادا تكوينا أكاديميا ضمن علوم التكنولوجيا الحديثة نشاط جمعوي اكتشف عبد الصمد الجوزي العمل الجمعوي وهو في ربيعه ال16 ضمن جمعية تعنَى بشؤون الهجرة والمهاجرين، إذ غدا فردا من طاقم يقدّم مساعدات لهذه الفئة في ملء استمارات إداريَّة باللغة الإيطاليَّة، وبعدها تدرّج، على مدَى 5 سنوات، كي يواكب توجهات ذات التنظيم بتعليم المهاجرين التواصل بلغة بلد الاستقبال مع ضبط مستلزمات التعامل الإداري تجاه المؤسّسات التي تعنَى بتدبير ملفات الهجرة. بالموازاة مع سير الدراسة الجامعيّة برُومَا، التحق عبد الصمد بمؤسسة مدنيّة تعنَى بشؤون الطفولة، وبحكم اهتمامه المسبق بقضايا الهجرة والمهاجرين أخذ يشتغل على برامج تجمع بين التوجّهين لأجل مساعدَة الفئة عينها في تحقيق الاندماج بفضاء العيش دون التفريط بالثقافات الامّ، مجاورا في ذلك أطرا تتعاطَى مع متأصلين من المغرب كما من بلدان مغاربيّة عدّة. وعن تلك المرحلة يقول ذات الشاب البالغ عامه ال35 اليوم: "لقد كانت تلك المرحلة غنيّة بالنسبة لمواصلة تمرّسي ضمن مجال الهجرة ومعالجاته الجمعويّة، وقد سعدت بتبادل الأفكار والخبرات مع سابقين لي ضمن هذا المضمار، كما ساهمت في تكوين وافدين جدد عليه.. فيما تبقَى أجمل الخطوات مقترنة بنيل شراكة مع المدبرين الجهويّين برُوما لأجل استفادة أطفال مهاجرين مغاربة من مخيمات بعدد من المدن الإيطالية لأجل تفعيل برامج تربوية، عبر بوابات الفن والثقافة والرياضة، للتشجيع على الاندماج مع استثمار الثقافة الأصل في بناء الشخصيّة". عشق للتطوّع يحرص عبد الصمد الجوزي، منذ تأسيس جمعية أوراش الشباب المغربي الإيطالي قبل 4 سنوات، على التواجد بمركز ال"شِيزِف" الذي تلم بنايته كبريات الجمعيات المتطوعة في العمل على البرامج الاجتماعيّة.. حيث يتصدّر التظيم كرئيس، فيما يحرص على أجرأة البرامج المصاغة إلى جوار الأطر المغربيّة والإيطاليّة الملتئمين في "أوراش الشباب". "هذا التنظيم تم تأسيسه بعد رصد ضعف في تموقعات الشباب المغاربة المنتمين لصفوف المهاجرين إلى إيطاليا، خاصّة ونحن لم نكتب بعد ما نستحقه من تعريف بأنفسنا كشباب مغاربة انخرطوا في مسارات هجرة بدول أخرى كفرنسا وبلجيكا وهولندا" يقول عبد الصمد قبل أن يسترسل: "فعّلنا حوارات عبر الإنترنيت من أجل تجميع ثلّة من الكفاءات المستقرّة بعدد من المدن الإيطاليّة، وقد كان ما أردنا بكل انفتاح على شباب إيطاليّين مهتمين بتشجيع النقاش المقترن بقضايا الهجرة والمهاجرين". تفعّل جمعية أوراش الشباب المغربي الإيطاليّ نقاشات تروم اقتراح حلول بديلة للمشاكل التي يعكف المنتمون لها والمستضافون وسطها على التدقيق بها، "نحاول إيجاد مخارج لصعوبات قد تواجه أفرادا منا أو أقارب لنا أو أصدقاء نعرفهم، أو تطال مهاجرين راغبين في نيل مساعدتنا، قبل أن نمر إلى شطر ثان من التعاطي يعتمد على الاتصال بالجهات المعنية بالأجرأة من أجل دراسة إمكانية التفعيل.. وبهذا نبتغي التحول بالتعاطي من مرحلة المطالبة بتسوية الاختلالات إلى اقتراح بدائل من منطلق الوعي بنوعية الصعوبات وتأثيراتها" يعلق ذات المغربي. مع الأمهات والصغار عبد الصمد الجوزي يترأس جمعيته التي تشتغل بشكل تطوعي كامل، وذلك في استجابة للتشريع الإيطالي المقنن للمجال والممكن من تسجيل ذات التنظيم المدني ضمن اللائحة الوطنية الخاصة بهذا الصنف من المجتمع المدنيّ، كما ينتمي الجوزي أيضا إلى حركة الجمعيات الإيطالية التطوعية التي تشتغل على خوض نقاشات متنوعة تهم كل المشاكل التي تعرفها إيطاليا بعموم المجالات. يقف ذات المغربي وراء برنامج أفلح في نيل جائزة من البرلمان الإيطالي عن مجهوده التطوعي، وهو بتنسيق مع "مؤسسة رُوما"، بفعل نتائجه في تشجيل اندماج أمهات وصغارهم في النسيج المجتمعي الإيطاليّ.. وكذا تحرّك عدد من الجمعيات المستقرّة بمدن إيطالية غير العاصمة لتفعيل برنامج مماثل. وعن ذات التحرك يقول عبد الصمد لهسبريس: "هو تحرك من بين آخرين.. ومنطلق فكرته بسيط باعتباره يروم زرع الثقافة الأصلية وسط النشء مع مساعدة الأمهات على الانخراط بالكامل في البيئة الجديدة، وذلك بانفتاح على المدرسة العمومية الإيطاليّة".. ويضيف الجوزي: "نمس الصغار المزدادين بإيطاليا عبر تعليمهم اللغة العربيّة، وفي ذات الآن نقوّي مدارك أمهاتهم في اللغة الإيطاليَة، وبذلك نمكّن الصغير من ثقافته الأصليَّة بناء على محتوَى تكويني مسطر بدقّة، فيما تغدو الأمّ قادرة على مواكبة دراسة ابنها بفعل إتقانها للغة التي يتعاطَى بها معه المجتمع وأساتذته". معرفة وانفتاح يرَى عبد الصمد الجوزي أن الشباب المغاربة الحالمين بمعانقة الهجرة من أجل البحث عن الذوات وسط مجتمعات مغايرة هو توجّه يبقى الحسم فيه فرديا بناء على ما يتم التوفر عليه من إمكانيات ذاتية وموضوعيّة.. بينما يضيف في ذات الإطار: "كل وافد على مجتمع جديد ينبغي أن يتوسط برغبة في نيل المعرفة، ذلك أنّها تعادل قيمة الكنز وهي القابلة للاستثمار في الحاضر والمستقبل.. كما ينبغي على المختار للهجرة أن يواكب كل التحولات التي تمس فضاء عيشه كي يواكب تطوره". "أغلبية الشباب المغاربة، بالوطن كما بإيطاليا وعموم العالم، لهم قدرات فطرية هائلة في تحقيق الاندماج ضمن الأوساط التي يعيشون بها.. لكنهم يبقون محتاجين للمساعدة في البصم على ذلك بسلاسة قد تتأخر في بعض الأحيان جراء التأثر بتحول هؤلاء إلى ملتقيات لثقافتين بحكم صدام تمثلات الأصل مع مستلزمات فضاء الاستقبال وأناسه" يورد عبد الصمد الجوزي.