ما يزال شفيق ولد امحلّة، المغربي البالغ من العمر 40 عاما، يحتفظ بلسانه المراكشي رغما عن مرور سنين عديدة عن رحلته من المدينة الحمراء والوطن صوب مستقراته بكل من فرنساوإيطاليا.. وذلك بالرغم من افتقاده لبعض ذكريات الطفولة التي سبق له أن راكما بين حرات مراكش وأحياها في بدايات حياته، خاصة مرحلة الطفولة. هو شاب مؤمن بالجمال في كل مناحي الحياة، كما يجعل من الإتقان مبتغى له في أي أداء ينخرط ضمنه.. ما مكّنه من خطّ مسار متميّز لم يكن ينتظره في انطلاقته نحو تجارب الهجرة والاغتراب.. وجعله مثالا حيّا لرجل لم يسع لبلوغ القمم بقدر ما تهاوت المصاعب أمام إصراره. هوس بالDJ ولد شفيق ولد امحلّة بعاصمة النخيل مرّاكش سنة 1975، ودرس ابتدائيا، ما بين السادسة والحادية عشر من عمره، وسط مؤسسة القاضي عياض التي لم تكن تبعد بكثير عن مسكن أسرته.. وأفلح في السير بثبات ضمن مرحلتي التعلم الإعدادية والثانوية.. مزاوجا بين التحصل والموسيقى التي اتخذها كهواية يفرغ فيها انفعالاته. "حين وصولي إلى الباكلوريا كان ولعي بالموسيقى يكبر يوما بعد آخر، خاصة فنون الDJ" يقول شفيق لهسبريس قبل أن يزيد: "كنت أتخذ من ذلك هواية تلمني بأصدقاء الحي وزملائي في الدراسة.. كما أشرفت، بهذا الشق الموسيقى، على مجريات حفلات كانت تهم موضع استقراري السكني كما بالمؤسسة الدراسية". عمد ولد امحلة، خلال مراهقته، إلى تحقيق تعارفات مع مشتغلين بنواد تنشيطية مراكشية تناط بهم مهام تقترن بالاشتغالات الموسيقيّة.. إذ كان يحرص، وقتها، على زيارتهم بفضاءات عملهم حتّى يتلقَّى التقنيات والمهارات القادرة على جعله يمارس مهنة DJ.. وذلك ما كان حين غدا منشطا موسيقيا، وقد جعله ذلك يشتغل أيضا بعدد من المشاريع السياحية التي مكنه مشرف على إحداها من تحرك صوب فرنسا.. آذنا له باستهلال حياته كمهاجر. بين المؤقت والدائم ينفي ولد امحلّة أن يكون قد فكر في مغادرة المغرب لاستقرار خارجه في أي يوم من أيام عيشه.. ويورد بهذا الخصوص: "بالصدفة انتقلت إلى فرنسا، وكنت أروم من خلال هذه الخطوة التعرف على طبيعة عيش أناس جدد، زيادة على توسيع مداركي بناء على هذه التجربة.. وقد فكرت في أن يستمر الأمر لشهر أو اثنين قبل أن أعود صوب بلدي". "حياتي انقلبت رأسا على عقب بعد أن التقيت بسيدة جعلتني أفكر في أن نتعرف أكثر فأكثر على بعضنا البعض، ولم أخل أني في طريقي لأن أقرار البقاء دوما إلى جانبها بفرنسا.. كما أن فكرة انتقالي بمعيتها لإيطاليا لم تكن رائجة أبدا" يقول ولد امحلّة لهسبريس. كل ما يتعلق بالأصوات أفلح في استرعاء انتباه شفيق بداية تواجده في فرنسا، فما كان من ال"DJ السابق" إلاّ الالتحاق بتكوين يهمّ علوم الAudio بمونبوليِي.. لكن هذه الخطوة حولت اهتمامه صوب فنون التصوير، فما كان منه إلاّ أن انغمس في دراسة كل ما يقترن بهذا المجال.. كما أفلح، بعد مراكمته مدارك نظريّة، في نيل فرصة لتقوية مهاراته ميدانيا بمعية عدد من القنوات المحلية بذات المدينة الفرنسية، مشتغلا بادئ الأمر كمصور بكاميرا فيديو. رحيل البدن والقلب الارتباط الوجداني لشفيق ولد امحلّة بمن جعلته يستقر في فرنسا عوض العودة للمغرب ومراكش دفعه للالتحاق بالعاصمة باريس، وبها اشتغل في مهام تتعلق بأنشطة شركة للإنتاج السمعي البصري، مساهما في ضبط سير بعض المشاريع التي تشرف عليها ذات الشركة التي تعد واحدة من كبريات الناشطات بالمجال في عموم البلاد الفرنسيّة. في سنة 2003 صار شفيق أبا بعد أن رزق بمولودة أنثَى، وإثر هذا المتغير رافق صغيرتها ووالدتها صوب إيطاليا بفعل كون الاخيرة متأصلة من هذا البلد الأوروبي.. "لم تكن رؤيتي لبيئتي الجديدة واضحة، لكنّ ذلك لم يمنعني من الشروع بشكل فوري في البخث عن عمل ضمن المجالات التي تغريني وسبق أن مارستها طيلة الأعوام السابقة لوصولي إلى مستقري الجديد" يقول ولد امحلّة. ويضيف ذات المتحدّث: "بعد شهر من البحث، وما حرصت عليه طيلة أسابيع من إرسال لطلبات الاشتغال مرفوقة بنسخ من نهج سيرتي، اتصلت بي قناة محلية بمدينة بريتشا، وقد طلب مني أن أتكلف ضمن دواليبها بكل ما يتعلق بالصوتيات الخاصة بمنتوجاتها المقترنة بالرياضة.. لم أمانع في قبول العرض رغما عن انعدام أي علاقة لي بعوالم الرياضة، في إبّانه، حتى أني كنت بعيدا للغاية عن كرة القدم والهوس بها". بعد عام من الاشتغال ضمن أول فرصة عمل حضي بها في تموقعه الجديد بشمال إيطاليا، عرض مشغلو ولد امحلّة عليه الأمسك بتسيير القناة، ليشرع في تطبيق تصوره الخاص من أجل تطوير منتوجاتها، كما مكنها من مخطط ارتقاء بالتدبير أفلحت بواسطته من تشييد مقر جديد، كما رفع شفيق نسق العمل كما وكيفا، فأصبح التلفزيون المحلي الذي يمسك بإدارته عبارة عن شبكة قنوات قضى وسطها ما يعادل 5 سنوات بالتمام. نداء Juventus يقول شفيق لهسبريس، ضمن لقاء معه بمدينة طُورِينُو، إن ضغط العمل عليه قد كان مهولا حين تصدره لشبكة القنوات المحلية ببريتشيا، ما جلب إليه مشاكل عائلية جراء اشتغاله لأوقات طويلة وتفريطه في المساحات الزمنية المفترض تخصيصها لزوجته وابنتيه.. ويضيف: "من حسن حظي أن شركة أخرى قد قدمت لي عرضا وأنا وسط انتقادات أسرتي، ويتعلق الأمر بذات المؤسسة التي سبق لي أن اشتغلت وسطها في فرنسا، إذ تواصلت معي بعدما افتتحت مركزا لها في ميلانو.. وبعد موافقتي على الاشتغال لفائدتها أضحيت مكلفا بالإنتاجات التلفزية المقترنة بالتظاهرات الكبرى التي تقام وفق التراب الإيطالي". بحلول العام 2010 كانت إدارة فريق Juventus لكرة القدم تستعد لافتتاح ملعب النادي بطورينُو، وقد كان ولد امحلّة مساعدا في إخراج ذات الموعد إلى جانب اسم إيطالي كبير في المجال هو "بُوبِي بُونِيتشِي".. ويورد ذات المغربي عن الحدث بتعليق يقول ضمنه: "لا يمكن نسيان هذا الافتتاح، فقد كان واحدا من أجمل الأحداث التي شاركت بها".. لكنّ المفاجأة السارة لولد امحلّة كانت تنتظره بعد نهاية حفل افتتاح ملعب نادي "السيّدة العجُوز"، إذ طلبت منه إدارة الفريق أن يقبل عرضها للاشتغال كمسؤول عن الإنتاج السمعي البصري الخاص بها.. فكان لها ما أرادت لتطلق التجربة المهنية الحالية لشفيق. "عُدّل تعاقدي ليصبح ملتصقا بالإنتاج وكذا إخراج التظاهرات التي يعرفها ملعب Juventus، كما أضحيت مسؤولا عن كل ما يقترن بالتكنولوجيا عموما، والمولتيميديا خصوصا، بعموم المنشأة الرياضية للفريق.. وفي عام 2011 أخذنا في دراسة إقامة مشروع متحفيّ للنادي، وكلفت بالتواجد ضمن اللجنة المشتغلة على ذلك.. أما إدارة النادي الإيطالي فقد عادت بعد ذلك لتجعلني، أيضا، مسؤولا عن الحقوق التلفزية التي تعني شبكات القنوات المرتبطة بهذه الاستفادة، وهي المهمة التي أتولاها منذ 4 سنوات في ملعب Juventus" يصرّح ولد امحلّة. لا إشكالات يعتبر شفيق أن العيش بإيطاليا ليس سهلا بالنسبة للمغتربين، خاصة المغاربة.. ويقرن ذلك بعدم انتفاح أبناء جلدته على اللغة الإيطالية بشكل قويّ.. كما يرَى ولد امحلّة أن ثقافة الإيطاليّين تسهم في تصعيب الاندماج المطلوب من الوافدين على البلد، إذ أن الساكنة الأصلية تنأى عن الانفتاح حتّى على بعضها البعض، وذلك لوجود تخوفات تطال كل من هو بعيد عن الأسرة، وذلك بالرغم من طيبوبة الإيطاليّن. وينتقد ذات المغربيّ الإعلام الإيطالي باعتباره مؤثرا بسلبيّة في عيشة القادمين للاستقرار وسط المجتمع الإيطالي، رادّا ذلك إلى كون الأخبار التي يقدمها عن الهجرة والمهاجرين تقترن، على نطاق واسع، تركز على عموم السلبيّات التي يرصدها.. ويقول شفيق لهسبريس: "لم ألاقِ أي مشكل ضمن هذا النطاق، لكن هذا لا يمنعني من الإحساس بتواجده.. وكيفما كان الحال فإنّي أبقى غريبا ضمن وسطِ عيشي الحالي". "أنا راض تجاه بلوغي الاشتغال مع فريق كروي كبير، خاصة أنّي المغربي الوحيد الذي اقترن باسم Juventus ومساره المعروف.. ويزيد من رضاي ما دأبت عليه من عدم وضع مخططات لمسار حياتي.. وحتى الحين أقول إن أي ثبات يمكن أن يطاله التغيّر وفقا لما ألفته دوما" يضيف شفيق قبل أن يسترسل: "ما بصمت عليه سابقا لا يفترق عمّا أقوم به حاليا، فلا يشكل ذلك نهاية لحياتي بقدر ما هو جزء منها..". عرض للمغرب يقر المراكشي عينه أن "كل مغربي مهاجر لا يمكن أن يقترن طموحه الحقيقي إلا بالعودة إلى بلاده وتحقيق شيء ما وسطها"، ويستدرك: "اشتغالي يصعب علي الحديث عن التحرك نحو وطني مهنيا، خاصة أنه لا وجود لنادٍ كروي بالمغرب يمكنه القيام بذات التدبير الذي تشهده Juventus بناء على بُعد نظر واستثمارات في المستقبل". كما يرى ولد امحلّة أن المغرب محتاج لعمل كبير على مستوى البنيات التحتية، وزيادة على وجوب توفره على طواقم بشرية تفكر في كيفية تغيير معالم الممارسة الرياضية، خاصة الكروية، التي تعرفها البلاد بطريقتها الحاليّة.. "لا أدري إن كان تحقيق ذلك متاحا أم لا.. لكنّي أقول بأن كل ما قمت به وسط Juventus الإيطالي يمكنني إيصاله إلى وطني" يقول شفيق. جماليّة تمغرَابِيت وعن نصحه للحالمين بالانخراط في مسارات هجرة انطلاقا من المغرب يرَى الإطار بمؤسَسة Juventus أن "الشباب المغاربة يعرفون أن الطرق المفضية للنجاحات صعبة"، ويواصل: شاهدت عددا من المغاربة يعيشون بعدد من مناطق أوروبا بعد قدومهم من المغرب، متموقعين وسط ظروف صعبة للغاية.. لكنهم ضحية لتناسيهم التقاليد المغربية التي تجعل ترابطنا قويا جدا، إلى جوار مميزات اخرى تنعكس ضمن شخصياتنا من قبيل اللطف والعطف على الآخرين وتقديم المساعدات للمحتاجين لها.. لذلك أنصح كل المغاربة بعدم إغفال هذه الخصال التي تميزهم عن كلّ معاملاتهم مع الآخرين، خاصة إذا أقبلوا على الهجرة". ويزيد نفس المتحدث ضمن تصريحه لهسبريس: "أعرف نماذج تحولت إلى وحوش آدمية بعد أن انتقلت للاستقرار بالبيئة الأوروبية، وهذا لا يشرف صورة المغرب والمغاربة على حد سواء، خاصة وأن الهدف من ذلك قد اقترن بكسب الأموال عبر أي طريقة تمكّن من ذلك.. مَاشِي عْلَى هَادْ الشِّي كْبْرْنَا.. إذ ينبغي أن نبرز صورتنا الحقيقية لذواتنا وكذا لغيرنا.. ذلك أن أجيالا جديدة وافدة على الهجرة وجدت نفسها محط شبهات مسبقة بفعل سوء الأفعال الصادرة عن سابقيها.. لذلك أطلب من أي مقبل على الهجرة العمل على نقل الصورة التي تهم معاشنا في الوطن صوب المجتمع الجديد.. فقط لا غير.. وبدون تصنّع ولا تحوير".