تقع مدينة ميسور على بعد 200 كيلومتر عن مركز مدينة فاس، وهي تابعة للنفوذ الترابي لعمالة إقليم بولمان وفقا للتقسيم الترابي لوزارة الدّاخليّة، أمّا الوصول إليها فهو متاح عبر مسالك طرقية قد تكون عابرة لمكناس أو إيفران أو جرسيف أو اوطاط الحاج، وبساطة المكان تلوح بجلاء بمجرد الولوج على المدينة عبر الطريق الوطنية رقم 15، حتى تخال نفسك بفضاء قد نطّت من فوقه مخططات التنميّة، خاصة وأن شباب ميسور لا يكتمون افتقادهم لظروف عيش متاحة لعدد كبير من المغربيات والمغاربة. جريدة هسبريس الإلكترونية حلت ضيفة على ميسور، وحاولت الاستماع لأكبر عدد من ساكنتها بنية رصد انتظاراتهم ومشاكلهم دون وسطاء، واقفة على حالة "تشَاؤُل" تغزو شوارع وأزقة هذا التجمع السكاني، وإن كان الجميع لا يطمح إلاّ لتحسن الأوضاع، ولو بنسبيّة.. بنايات صحيّة دون تجهيزات يتبع مستشفى المسيرة الخضراء بميسور للمركز الاستشفائي الإقليمي لبولمان، ويستقر ببناية متوفرة على النظافة والهدوء والمساحة الشاسعة، لكنّه يعاني من قلّة الأطر الطبيّة وغياب التجهيزات بشكل يدفع للاستنجاد بمستشفيات مدينة فاس من أجل طلب العلاج، أمّا العيادات الخاصة فلا تتوفر إلاّ 3 منها بميسور، اثنتان للطب العام وواحدة لطب الأسنان.. بينما يغيب هنا جهاز الفحص بالأشعّة "سكَانير" أو أي تجهيز قادر على توفير نتائج للفحوص الدقيقة. وقال إطار صحيّ إن مستشفى ميسور يعاني من نقص في الأطر يشكل أولى عقبات التعاطي السليم مع أمراض الساكنة التي تقصده، وزاد ضمن تصريح لهسبريس، وسط رغبة في عدم الكشف عن هويته، أنّ "أغلب من يتم توظيفهم بالمشفى، من خارج المنطقة، يعملون على المغادرة فور وصولهم"، وزاد: "هناك تعيينات جديدة همت اختصاصات معينة، كالولادة والإنعاش والمستعجلات، ومن المرتقب أن يلتحق المعنيون بها قريبا، بينما تغيب اختصاصات أخرى لتكون حجر عثرة إلى جوار النقص الكبير في التجهيزات الطبية.. ويحضر الحرج عندما نضطر لإرسال المواطنين صوب فاس من أجل العلاج". ويستاء أطباء مشفى ميسور من قلة التجهيزات إلى جوار الخصاص البشري المتخصص، كما يصعب عليهم العمل بنظام للمداومة ليضطروا إلى الاشتغال بشكل يومي بطريقة تدرّ العياء وتؤثر على المردوديّة.. فيما أيقنت الساكنة، حين سقوط أفراد منها مرضَى بأعراض تستوجب تدخل اختصاصي ما، أنّ التحرّك صوب مستشفيات فاس العمومية والخصوصية يبقى أكثر نجاعة. التعليم.. مجهودات ومطالب تتوفر ميسور على 8 مؤسسات ابتدائية وثانويتين تأهيليتين اثنتين، زيادة على 3 من الثانويات الإعدادية.. وتبقى تجارب "المؤسسات الجماعاتية"، التي استفادت منها المنطقة، منبعا للتفاؤل لدى المشتغلين في القطاع والساكنة. وقال ياسين مبروكي، أستاذ التعليم الابتدائي والكاتب العام لاتحاد نقابي محلي، إنّ المؤسسات الجماعاتية قد مكنت من حل مشاكل عدّة، وزاد ضمن تصريح لهسبريس: "المدارس كانت مفككة، ويمكن القول إن بعضها لم يكن موجودا، كما أن الأساتذة استفادوا، إقليميا، من 78 سكنا تم تشييده في إطار البرنامج الإستعجالي من طرف الإنعاش الوطني". وتعيش ميسور ونواحيها صعوبات على مستوى تنقل التلاميذ صوب المؤسسات التعليمية بالنظر إلى عاملي البعد وغياب وسائل النقل المدرسية الرابطة بعدد من الفضاءات التربوية، كمجموعة بوخالف المدرسية التي يضطر المسجلون بها إلى قطع 4 كيلومترات من أجل الوصول إلى الفصول الدراسيّة. ويضيف مبروكي : "هناك خصاص على مستوى أساتذة السلكين الإعدادي والثانوي، حيث تتم الإستعانة بأساتذة التعليم الابتدائي الحاصلين على الإجازة لسد الخصاص، وهناك مطالبة بإحداث ثانوية تقنية باعتبار غالبية التلاميذ يختارون شعبا علمية، زيادة على دعوات لإعادة النظر في برنامج تيسير ليشمل كافة الجماعات، و تأهيل وإعادة بناء المطاعم المدرسية بالمجال الحضري، والإنهاء مع التعليم الأصيل بمؤسسة الفرابي لإبانته عن الفشل إلى حد المناداة بإلغائه، أما الشق المرتبط بالمراقبة التربوية فهو يعرف نقصا في جميع المستويات والمسالك، وخدمات مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين لا تتم الاستفادة منها بالمنطقة". وبالرغم من كل هذه الصعوبات تمكنت مؤسسات ميسور للتربية والتكوين من التموقع في صدارة مؤسسات جهة فاس بولمان بالنظر إلى نسبة النجاح المحققة ضمن الدورة العادية لباكلوريا 2014، بنسبة عادلت ال50%.. فيما لا زال نشطاء جمعويون ونقابيون يواصلون المناداة بتعميم المنح والاستفادة من الحي الجامعي للطلبة المتجهين للمنطقة صوب كليات العاصمة العلميّة فاس من أجل مواصلة التعليم الجامعي. البنية التحتيَة.. حاضرة غائبة سبق للملك محمد السادس أن اتجه صوب ميسور سنة 2008، وأعطَى انطلاقة 3 مشاريع بها تقترن بإنشاء قاعة مغطاة، لم يتم افتتاحها بعد رغما عن الانتهاء من نبائها، ومركز اجتماعيّ متعدد التخصصات بني من اعتمادات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إضافة لمسبح أولمبي تنتظر الساكنة افتتاحه على أحر من الجمر.. وتعاني ميسور من فقر في المرافق الموجّهة صوب اهتمامات الشباب، وما تواجد منها يقترن بفترات تشييد قديمة، أبرزها مركب ثقافي يفتقد للتجهيز بعد أن اهترت بنايته، وهو المواظب على احتضان أنشطة الجمعيات المحلية كلما تواجدت برمجة لها، فيما تسييره تسهر عليه بلدية المدينة التي سعت لتوفير شراكة مع وزارة الثقافة بنية تحسين خدماته وتوفير العتاد الذي يحتاجه.. امّا دار الشباب فما تزال ملاذا لشبيبة ميسور بالرغم من افتقارها لعدد من التجهيزات، في حين لا يصلح ملعب ميسور لإقامة مباريات كرة القدم وفقا للشروط المتعارف عليها ضمن هذه الرياضة الحائزة للشعبية، ولم يستفد من برنامج الملاعب المعشوشبة الذي سبق وأطلقته وزارة الشباب والرياضة هذا العام. مسبحان اثنان تتوفر عليهما ميسور، وقد أغلق الاول قبل عقد من الزمن بعد نزاع وصل إلى القضاء للحسم فيه ما بين مستغله والمجلس البلدي، حيث صار فضاء للباحثين عن التواري عن الأنظار لقضاء أوطار خاصّة.. بينما المسبح الثاني، الذي برمج ليخفف من حر المدينة لصالح الراغبين في خدماته، يوجد خارج الخدمة دون تقديم مبررات لذلك، إذ لم يشتغل خلال الصيف الحالي ولم تطله الصيانة منذ أمد ليس بيسير. أمّا عن شبكة الطرق التي تربط ميسور بمحيطها فهي بالغة لدرجة سوء أضحت تستدعي التدخل العاجل من أجل إنقاذ ما يمكن من وظيفتها، إذ أنّ عمليات الصيانة والتزفيت لم تطلها، كما لم تمسسها أشغال توسيع لا بالمجال الحضري ولا القرى المتاخمة له. بنعبو ينتظر تنمية حقيقية يقول عبد الله بنعبو، الفاعل الجمعوي بميسور، إن إشكالات الأراضي السلالية تعد من أبز معيقات التنمية بالمنطقة، خاصة وأنها أصبحت "مرتعا حيويا للغنى الفاحش بالتلاعب بها أو استفادة عناصر معينة بطرق مشبوهة" وفق تعبيره الذي زاد ضمنه في تصريح لهسبريس: "مجلس الجهة يدير ظهره عن ميسور ونواحيها، ويركز على فاس وصفرو دون غيرهما من المناطق الأخرى، إضافة لعدم إدراج الإقليم بأي من فضاءات تدخل وكالات التنمية بالمغرب، رغم أن الوضعية تستلزم إحداث وكالة خاصة". بنعبو يرى أن اعتماد الساكنة على الفلاحة المعيشية، الممتدة على طول وادي ملوية، تستدعي العمل للانتقال صوب زراعة إنتاجية تستقطب أياد عاملة مهمة، وأضاف: "أغلب قاطني المدينة هم من الموظفين، ما يعني أن المدينة استهلاكية وغير منتجة، لذلك يجب التفكير بجد في استثمار العامل البشري والجغرافي الخصب، بوجود أراضٍ شاسعة ومياه جوفية، لخلق تنمية حقيقية تعتمد على برامج مدروسة، خصوصا في القطاع الفلاحي.. مع التفكير في بناء وحدات صناعية ترتبط بالمنتوجات الزراعية، و البحث عن أسواق قارة لتسويق الإنتاج، والتفكير في الزراعات العطرية لما لها من مدخول جيد". السياسة تفرمل التنمية عدد من المنعشين الاقتصاديين، من حاملي رساميل يمكن أن تفضي لنهضة استثمارية، يرون أن "الحسابات السياسية تعيق تنمية ميسور ونواحيها بشكل كبير"، حيث يقرون بأن مشاريع تم تقديمها للجهات الإدارية الوصيّة "تمت فرملتها بضغوط من لوبيات سياسية مؤثرة بالمنطقة"، ما أفضى إلى نقلها صوب مدن أخرى. ويروي مستثمر لهسبريس، وهو يطالب بعدم نشر هويته تجنبا ل"المشاكل"، أنّه تحرّك لإنجاز فندق مصنف بالمدينة، لكنه اصطدم بغياب الوعاء العقاري المناسب، حيث أن أغلب البقع هي من "أراضي الجموع"، معتبرا أن "ذلك يعرقل حتى التفكير في الاستثمار بالمنطقة"، وزاد أنّه "ركن مشروعه جانبا في انتظار نقله إلى مدينة أخرى". نفس الطرح يؤكده رئيس المجلس البلدي لميسور، عبد الهادي محمد، الذي أكد لهسبريس أن أكبر مشكل تعانيه المدينة هو العقار.. معتبرا هذا العامل قد أضحى كابوسا يعيق تنمية ميسور بفعل التعرضات التي تحاصر أي مشروع أريد إنشاءه بداعي انتماء البقعة المخصصة له إلى الأراضي السلالية. ميسور ودولة الإمارت تقر ساكنة ميسور أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد لعبت دورا كبيرا في التخفيف من حدّة وطأة العيش بالمنطقة وهي تقدم على إطلاق عدد من المشارع خلال السنوات القليلة الماضيّة لها علاقة بالبنى التحتيّة، خاصّة تزفيت بعض الطرق أبرزها الشارع الرئيس لميسور. وساهمت دولة الإمارات بما قيمته مليار سنتيم في إنشاء قنوات للصرف الصحي، بشراكة مع بلدية ميسور، كما بنت أكبر مسجد بالمدينة وأنشأت حديقة كمتنفس أخضر للساكنة، كما كان لمحمية طائر الحبار وهي المسماة ب"مركز الإمارات لتنمية الحياة الفطرية"، المتواجدة على بعد كيلومترات من مركز ميسور، وقع كبير في التخفيف من البطالة عبر خلق أزيد من 1000 فرصة شغل مباشرة لأبناء دوار ولاد بوخالفة. حدّاد قتل السياحَة يقول أحد المستثمرين، وهو مالك وحدة فندقية مصنفة بميسور، أن المدينة كانت تستقطب "رالي توارك" بصفة سنوية قبل أن تساند وزارة الساحة جمعيّة لأجل فرض رسم من 50 ألف أورو على المنظّمين، وهو ما رحّل الرالي صوب دول أمريكا الجنوبيّة بكل الفريق المنظّم بمعية المشاركين، البالغ تعدادهم 500 من مختلف الدول.. وقد كان هؤلاء يتحركون من مليلية والناظور، مرورا بعدد من مدن المغرب بواسطة عربات بمحركات، ليصلوا إلى ميسور قبل الشروع في تحرك الإياب. ويقول ذات المتحدث، غير الراغب في تمكين العموم من هويته، أن هؤلاء "كانوا يأتون ليقيموا لليلتين بميسور، وينشطون السياحة بالمنطقة، ويعودون بعد ذلك صوب ميسور رفقة أفراد من أسرهم أو أصدقاء لهم".. ويزيد: "تتوفر المدينة على مغارات رائعة، وطرق غير معبدة لممارسة الرياضات الميكانيكية، لكن يبقى استغلالها غائبا إلى جوار غياب ما يكفي من الوحدات الفندقية الكفيلة باستقبال سياح، حيث تتوفر على فندقين مصنفين وأخر غير مصنف، زيادة على غياب فضاءات ترفيهية". بوبلغيتي يستدعي التكوين يعتبر الحسين بوبلغيتي، الناشط المدني بالمنطقة، إن الفعل الجمعوي بميسور يرتكز على عدد كبير من الجمعيات التي تمثل من بينها التنظيمات النشيطة باستمرار غير رقم ضئيل للغاية، وذلك باعتماد التقييم على أساس النشاط المستمر والبصم على قيمة مضافة في التعاطي مع الساكنة وانشغالاتها المختلفة. "يغيب التكوين الفعال في المجال الجمعوي، مما يجعل أغلب المبادرات تبوء غالبا بالفشل، إضافة لوجود حسابات سياسية ضيقة ترخي بظلالها على العمل الجمعوي بميسور" يقول بوبلغيتي قبل أن يضيف: "لا يمكن القول بأن السوداوية تعم الجميع، إذ أن المدينةوالإقليم يتوفران على جمعيات قدمت خدمات جليلة للساكنة وساهمت في رفع الحيف عنها في المجال التنموي والثقافي والفني، وهذا جيد.. لكن الطموح يبقى أكبر مما هو منجز بكثير".