نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    "البام" يشيد بمقترحات مدونة الأسرة    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    حكام سوريا يقاتلون "ميليشيات الأسد"    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة عمرو خالد والدعاة الجدد
نشر في هسبريس يوم 03 - 12 - 2010


مدخل إلى مقاربة سوسيولوجية نقدية
الدعاة الجدد، مجموعة من الشباب الوعاظ، شغلوا الناس، واستقطبوا فئات عريضة من الشباب والشابات. ويعز أن تدخل بيتا عربيا ولا تجد أحدا من أفراده مولعا بمتابعة نوع جديد من البرامج الدينية على الفضائيات العربية، مثل "ونلقى الأحبة"، أو "صناع الحياة"، أو "على هدى الحبيب" أو برنامجي "الرحمن علم القرآن"، و "رجال ونساء في القرآن". واشتهرت أسماء عمرو خالد، وخالد الجندي، والحبيب علي الجفري، وطارق سويدان، وصفوت حجازي، ومحمود المصري... مبشرين بنموذج جديد في الدعوة إلى الحياة الإسلامية. وقد نوسع مفهوم الدعاة الجدد، لنضيف لهم بعض الإعجازيين (من يهتمون بالإعجاز العلمي في الكتاب والسنة)؛ إعجاز في التغذية، وفي الأعداد والحساب، وفي الطبقات الجيولوجية، وفي الجغرافيا... ما يجمع أغلب هؤلاء الدعاة الجدد، أن جلهم ليسوا من خريجي المعاهد الشرعية والكليات الدينية، بل هم طلبة متفوقون في الرياضيات والجيولوجيا والتجارة والبيطرة، وأنواع الهندسات المدنية؛ بترول، قناطر، كمبيوتر...
أغلب هؤلاء الدعاة الجدد شباب رجال، دون أن يعني الأمر عدم وجود داعيات نساء من هذا النوع، لكن لم تكتب لهن الشهرة مثل الرجال لأسباب ثقافية واجتماعية معروفة في مجتمعنا العربي؛ داعيات عرفن بالترويج لنماذج من " الحياة الإسلامية "
و" الريجيم الإسلامي!" و "أسلوب الغذاء النبوي"، خاصة بين السيدات الغنيات في النوادي الكبيرة والبيوت الفخمة في الأحياء الراقية من ضواحي كثير من المدن العربية.
سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال مدخل لدراسة الظاهرة بخلفية سوسيولوجية نقدية. قد تكون قاسية في الرصد وافتراض الأسباب، ولكنها ليست بالضرورة قابلة للتعميم كما لا تفترض أن الظاهرة سلبية بالكامل، بل هي ذات قيم إيجابية كثيرة، أفكارا أو أشخاصا أو آثارا في حياة الناس. ولكن استثمار بعض أدوات اشتغال السوسيولوجيا والانثروبولوجيا الدينية قد يوقعنا في تحيزات بعض هذه الآليات والمفاهيم. ومن المفترض أن يعمل الباحثون المهتمون بالشأن الديني الإسلامي على تطوير هذه المباحث، أي بعض فروع علم الاجتماع الديني، مثل سوسيولوجيا الخطابة والوعظ، من داخل مجالنا التداولي، مع التفاعل الإيجابي والعلمي مع مكتسبات الدرس الإنساني الحديث بإنصاف وموضوعية.
إن أسلوب هؤلاء الدعاة الجدد يذكرنا بمبشري التلفزيون في الولايات المتحدة الأمريكية؛ تظهر علامات الأناقة عليهم ويتخيرون بدقة كلماتهم، بل يؤثثون فضاءاتهم أمام الكاميرا بشكل محكم وذي دلالات وإيحاءات خاصة. ويبرز في مقدمتهم الأستاذ الشاب عمرو خالد صاحب موهبة في الحفظ والأداء والتواصل الخطابي (الخطاب بمفهومه اللساني التداولي). كل ذلك أكسبه شعبية كبيرة وسط المتدينين والمتدينات أو المقبلين على حياة التدين. يركز في خطابه على التنمية الذاتية للفرد وفق معايير دينية، بخلفية أقرب إلى ما ذكره ماكس فيبر عن "الأخلاق البروتستنتية". وإذا استثنينا الداعية الشاب الحبيب علي الجفري، باعتباره خريج حلقات العلم الشرعي، وواحد ممن سلكوا الطرق التقليدية في الارتباط بالأسانيد أخذا وتلقيا وفهم النصوص المرجعية، فإن أغلب الدعاة الجدد من خريجي الجامعات العصرية.
تعرض هؤلاء الدعاة الجدد لانتقادات لاذعة سواء من قبل التيار الديني التقليدي أو السياسي الحركي أو من قبل العلمانيين؛ فقد انتقد علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر في تصريح لمجلة "الأهرام العربي" عمرو خالد لتوظيفه كثيرا الأحاديث الضعيفة ولكثرة الروايات غير الصحيحة في كلامه. واعتبرهم عالم أزهري آخر مجرد "طلبة فقه"، وحمل عليهم الدكتور عبد المعطي بيومي، عميد كلية أصول الدين سابقا بمصر، حملة شرسة واعتبرهم، في تصريح لقناة العربية، جهلة يفتون بغير علم وبغير حق خارج ما يقتضيه الإسلام وتقتضيه الشريعة وتوجبه، وحملهم المسؤولية أمام الله والضمير والأمة الإسلامية، كما انتقد القنوات الدينية التي أتاحت لهم الفرصة للظهور والشهرة. أما رموز الإسلام السياسي والحركي فينتقدون على الدعاة الجدد مبالغتهم في التيسير والظهور بأناقة زائدة، وكثيرا ما يوجهون نقدهم إلى الأستاذ عمرو خالد، ويعتبرونه مقدما لنموذج "إسلام مكيف" أو "دايت" بتعبير أحد الأزهريين، أي على نمط المشروبات الغازية الخالية من السكر.
و أما التيار العلماني فقد كان أشد قسوة في نقده لتيار الدعاة الجدد؛ إذ يلقبونهم "بالدعاة المودرن"، و "دعوة الريجيم"، و"إسلام بالهواء المكيف" و"إسلام نيولوك عابر للقارات"، بل ويتهمونهم بأنهم مجرد تجار في حركة "بيزنس ديني"، يحصلون ثروات هائلة بتحولهم إلى نجوم في التلفزيون ينافسون نجوم كرة القدم الإحترافية، ومغنيات وراقصات الفيديو كليب. فدورهم ينحصر في دغدغة عواطف الناس وإثارة النزوات الشبقية فيهم، دينية، أو جنسية، أو بطولية. يتلاعبون بمشاعر الشباب والنساء بأسلوب خطابي باطنه السياسة وظاهره الدين. فبرامج عمرو خالد، عند هؤلاء مثلا، تعطل ملكات التفكير ولا تعلم التفكير، وتقتل حس النقد في المتلقي، من خلال إغراق الحاضرين والمشاهدين في حالات هذيان جماعي يقوم على الرهاب والشعور بالذنب والاضطهاد، لتأتي الأدعية في آخر البرنامج لتنجز عملية التطهير في حالاته القصوى؛ إذ تتداخل الأزمنة وتشتد الحالات العاطفية توهجا، فيغيب العقل والواقع والإنسان من هذا الفضاء لتحل محله أشباح بشرية وسط ضجيج من البكاء والعويل.
هؤلاء الدعاة الجدد ليسوا بنظر خصومهم مصلحين دينيين، ولا علاقة لهم بمحمد عبده ورشيد رضا ومحمد إقبال، بل لا علاقة لهم بتجربة حسن البنا وسيد قطب.
والمفارق في هذا النقد أن هؤلاء الدعاة الجدد، أو التجار الجدد، لهم القدرة الكبيرة على استقطاب جمهور العلمانيين أنفسهم خصوصا من النخبة، كما استقطبوا جمهور الحركات الإسلامية السياسية، مما يعني في أحد المستويات أن الخلل أيضا موجود في هذه التيارات الحركية وكذا العلمانية، ولم تعد تلبي انتظارات أفرادها.
وظاهرة الدعاة الجدد، لا تخرج عن ظواهر متعددة عرفتها الساحة الإسلامية، مثل ظاهرة الداعية والخطيب كشك الذي التف حول خطبه جمهور عريض من الإسلاميين، المنحدرين خصوصا من الطبقات الشعبية، وظاهرة الشعراوي والذي جمع حوله جمهورا من الناس بمن فيهم المنتسبين إلى الدوائر الرسمية، من التكنوقراط والمهنيين، لطبيعة التوازن الموجود في خطابه، وبعده عن النقد السياسي المباشر للسلطة، خصوصا وأن الشعراوي، رحمه الله، عرف بعلاقاته الوطيدة مع السادات ومع دوائر الحكم في مصر، وبعلاقاته المتوترة مع التيارات الإسلامية المعارضة. وظاهرة عمر عبد الكافي، الذي استطاع أن يغشى على الأغنياء منتدياتهم في نادي الصيد والجيزة والمهندسين (الأحياء الراقية بالقاهرة)، واستقطب جمهورا عريضا منهم؛ "فنادي الصيد" هو أحد أندية الصفوة بمصر. وعرف عمر عبد الكافي بدروسه في مسجد "أسد بن الفرات" في حي الدقي الراقي. وقد حول "نادي الصيد" إلى مركز ديني قوي. وجاء بعده عمرو خالد، وخالد الجندي. وبقي جمهور الشباب الميسور بدون شيخ ولا داعية نجم، ليكون هذا إحدى عوامل ظهور الدعاة الجدد. فعمرو خالد مثلا هو لحظة أوج ظاهرة عمر عبد الكافي في نادي الصيد، خصوصا في العلاقة مع الشباب.
من هنا يطرح سؤال محير : هل ظاهرة الدعاة الجدد هي امتداد للحركات الإسلامية السياسية، أم قطيعة معها؟ الموضوع يحتاج إلى مقاربات معمقة ومعززة بدراسات ميدانية مؤطرة من الوجهة المنهجية بدقة. ذلك ما لا تسمح به مقالة مقتضبة. وتذهب بعض التحاليل إلا أن بروز ظاهرة الدعاة الجدد يعود إلى الانكسارات والإحباطات التي تعرض لها جمهور هذه الحركات من المناضلين والمتعاطفين في أكثر من بلد، وعلى أكثر من مستوى، مثل الجزائر وتونس وماليزيا وأفغانستان، ثم انحسار التيار السلفي السعودي الرسمي بفعل الانشقاقات التي حصلت فيه، نتيجة أخطائه بعد حروب الخليج المتوالية، وتورطه في تبرير وجود قوات أجنية في البلاد، يضاف إلى هذا وفاة أكبر منظريه الشيخ ابن باز (1999م) والشيخ ابن عثيمين (2001م). هذا التصدع في الحركة السلفية السعودية، أفقدها الكثير من بريقها وإشعاعها العالمي، بل ظهر بالمقابل تيار سعودي إسلامي ذو نزوع ليبرالية عرف هو أيضا بالدعاة الجدد، وجه انتقادات غير مسبوقة للمفاهيم الوهابية، وشدد على التلازم بين الإصلاح السياسي والديني. هؤلاء الدعاة الجدد في السعودية ليسوا على وفاق مع التيار الحركي السعودي المعارض الذي كان يقوده سلمان فهد العودة وعائض القرني وسفر الحوالي، كما يفترقون عن التيارات الوهابية السعودية غير الرسمية والمقاتلة في أطراف العالم الإسلامي كأفغانستان والعراق والصومال وافريقيا جنوب الصحراء.
ويقود هذا التيار من الدعاة الجدد في السعودية مثقفون عرفوا بألقاب دالة، مثل عبد العزيز القاسم "الشيخ الديمقراطي"، وعبد الله الحامد "المجدد"، وحسن المالكي "الثائر على الوهابية"، ومنصور النقيدان "التائب من السلفية" أو "لوثر السعودية والداعية الإنساني"، ومحمد سعيد الطيب صاحب كتاب "مثقفون وأمير، الشورى وسياسة الباب المفتوح". هؤلاء الدعاة جعلوا من بين أهدافهم تأسيس مجتمع مدني سعودي منفتح. وقد ملأ هذا التيار الساحة السعودية بعد الفراغ الذي تركه سجن أقطاب التيار الحركي المعارض، العودة والحوالي وناصر العمر قبل اطلاق سراحهم. وانضاف إلى تيار الدعاة الجدد رواد المدرسة الشيعية السعودية من الشباب وهم محمد محفوظ وجعفر الشايب وزكي الميلاد. وأصدروا مجموعة من الوثائق والبيانات تؤكد على "الوطنية السعودية". وأبرز وثيقة أصدروها هي "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" (يناير 2003)، وهي خطاب موجه إلى ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله. وتجمع هؤلاء الدعاة الجدد من الإسلاميين السنة والليبراليين والشيعة منتديات مفتوحة عدة، مثل منتدى طوى (تأسس في ماي 2002)، و "منتدى الوسطية" (تأسس عام 2000). فالدعاة الجدد في السعودية خليط من المثقفين ممن خرجوا عن النموذج الوهابي في التفكير، وأصبحت مطالبهم ذات طبيعة اجتماعية وسياسية وثقافية، وهم أقرب إلى الحالة الليبرالية.
وزاد من حدة هذه التحولات رغبة جمهور عريض من المتدينين في الابتعاد عن المساحات الحارقة التي تتحرك فيها الحركات الإسلامية السياسية، وعلى الخصوص الحركات المقاتلة أو المتورطة في حالات عنف واعتداء هنا وهناك. فأصبح الجمهور يبحث عن هويته الدينية وقدوته الأخلاقية خارج الأنماط التقليدية للحركات الإسلامية السياسية، كانت معتدلة أو متطرفة.
وفي خضم هذا برز الدعاة الجدد أمثال عمرو خالد، مستفيدين مما قام به الدعاة الجدد في السعودية بكسر شوكة الوهابية ويقينيتها، وبما تعرضت له من مشاكل مع الناس في المملكة وغيرها، وخصوصا مع الشباب والنساء. وكان تركيز الدعاة الجدد على الوقت والحرص على النجاح في الحياة الخاصة وتكوين الثروة، والبعد عن العلاقات غير الشرعية، من العوامل الأساسية وراء انجذاب أبناء الأثرياء والشباب الصغار الطموحين إلى خطاب عمرو خالد. فخطاب الدعاة الجدد وجد له صدى واسعا في الأوساط الغنية، والتي لا تمانع من وعظ بالمقابل، وهذا ما يؤاخذه الكثيرون على الدعاة الجدد أي الربح المادي. فشاب من جمهور عمرو خالد مثلا، يقول مبررا إقباله عليه : "أريد أن أستمع لأحد مثلي يتكلم لغتي ويتفهم مشاكلي، وليس لأحد يرتدي ملابس مختلفة عما أرتديه، ويتوصل إلى تسويات فيها جدل، ويعطي أكثر الأجوبة مراوغة ". وتقول شابة (29 سنة) : "لقد أمضيت معظم وقتي في شهر رمضان في الصلاة وتلاوة القرآن. الشيء الوحيد الذي تابعته في محطات التلفزيون هو البرامج الدينية وخصوصا تلك التي قدمها دعاة مثل عمرو خالد وخالد الجندي ونوراه هاشم.".
لقد استطاع الدعاة الجدد خلق تجمعات دينية جديدة مفارقة لتجمعات الحركات الإسلامية السياسية، ترتادها الفنانات المعتزلات ورجال الأعمال المتدينين خاصة من الشباب، أي جمهور من الأغنياء والميسورين يريدون أن يتدينوا دون أن يفقدوا ما يتمتعون به من شهرة وثروة ونفوذ ومشاريع تجارية، إنها نوع من "البروتستانتية الإسلامية"، بتعبير الصحفي الباحث وائل لطفي في كتابه "ظاهرة الدعاة الجدد".
ويذهب خصوم الدعاة الجدد إلى تفسير إقبال الناس عليهم، خصوصا الطبقات الراقية اجتماعيا، إلى ابتعادهم عن الشأن العام، بما فيه من الحديث عن التغيير السياسي ونقد الاستبداد والحديث عن الظلم الاجتماعي، وحصر كلامهم في عموميات وعاطفيات عن التقوى والعبادة والذكر والصلاة، وهذا ما يفسر الحظوة التي يلقونها عند أصحاب السلطة في العالم العربي مع بروزهم بشكل مخالف للدعاة التقليدين، وكذا الشيوخ النمطيين من قادة الحركات الإسلامية السياسية.
ويذهب الباحث الصحفي (وائل لطفي) إلى أن الإقبال عليهم آت من كونهم يقدمون أنفسهم كدعاة أخلاقيين يتبنون فكرة الإصلاح من أجل المجتمع؛ أي يريدون بناء مجتمع متدين، بعيدا عن مزايدات الحركات الاسلامية السياسية وحساباتها الكثيرة، مع تقديم وعظهم بطرق درامية متميزة تجعل المتلقي يعيش حالات قصوى من المتعة والتشويق. وتبقى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أبرز نقطة جذب للشباب، وقد أبدع الدعاة الجدد في تقريب تفاصيلها إلى المتلقين، خاصة برنامج "على هدى الحبيب"، في غياب نموذج في الحياة اليومية للشباب العربي له مواصفات دينية وأخلاقية مثالية.
وركزت بعض الأبحاث في ظاهرة الدعاة الجدد على خلفيتها الطبقية، فاعتبرتهم "دعاة الأغنياء"؛ فأفكارهم تلائم طبقة جديدة في العالم العربي عائدة من الخليج إلى أطراف العالم العربي أو مازالت تعيش فيه وذات ثروات لا بأس بها، أو ذات طموحات بورجوازية. فظهور طبقة أثرياء مثقفين جدد يفترض وجود خطاب ديني جديد وملائم يستجيب لحاجاتهم الروحية وفق نمط عيشهم. فالأثرياء الجدد لا يسيطر عليهم هوس الهوية، كما ترسخه الحركات الإسلامية التقليدية، بل لا يرون أي تعارض بين تدينهم والإقبال على السوق وأنماطه الاستهلاكية. فالمحجبة الثرية مثلا تختار ثوب خمارها أو جلبابها وفق معايير الموضة الدولية، وموقعا من دور الأزياء في باريس أو لندن. تتكلم مع أبنائها الإنجليزية أو الفرنسية، لكنها تبكي في حلقات عمرو خالد وتحب أن تعيش حياة دينية راقية. فماجدة عامر مثلا، داعية شابة من الدعاة الجدد، تنحدر من أسرة مصرية بورجوازية تعيش في القاهرة، تهتم بظاهرة التوازن النفسي والصحي المسماة بالسنسكريتية "الشاكراس" وباليوغا والحمية العضوية والممارسة التأملية، تحاضر عن الطب البديل في الاسلام. وعندها صدى كبير في مسجد أبي بكر الصديق في ضاحية هليوبوليس المترفة في القاهرة، وجمهورها من السيدات الغنيات. كما أن "المحجبة الليبرالية" لم تعد تستهويها الأنشودة الإسلامية المستوحاة كلماتها من أشعار المناضلين في السجون والمملوءة بالبطولة وإدانة السلطة، مع استبعاد الآلات الموسيقية، بل منشدة إلى أغاني جديدة فيها حديث عن الحب والسعادة وبآلات موسيقية كثيرة. فتم التخلي عن أغاني الجهاد وعن إيقاعات الأنشودة الأيديولوجية، وتم التعاطي مع الغناء الشعبي المحلي، أو الإيقاعات الدولية غير العربية كموسيقى البوب الانجلوسكسونية أو الجاز أو الراب !، ولما لا الراي! هذا التبدل الجذري في أنماط التعامل الثقافي داخل البيت الإسلامي الداخلي، برز أيضا في الاقتصاد من خلال الابتعاد عن فكرة الاقتصاد الإسلامي عمليا، والانخراط في الموجة المالية العالمية في إطار رؤية "نيوليبرالية" بقيادة فئة من البورجوازية التقية الممتلئة بالأخلاق.
إن عمرو خالد وفق هذه المقاربة السوسيولوجية النقدية ليس إلا رجل أعمال ديني يقدس قيم السوق في إطار دعوة أخلاقية غير مسيسة، تؤسس لحياة على النمط الليبرالي الجديد؛ أي التدين والطموح والفاعلية والمثابرة والنجاح والاهتمام بالذات، وصولا إلى "الثروة الفاضلة" !
وعليه فإن ظاهرة الدعاة الجدد وفق هذه المقاربة ليست نزعة إسلامية جديدة، بعمقها الإنساني والحداثي الأصيل، إنما هي تسويق ديني جديد للنموذج الليبرالي الاقتصادي مع ترسيخ التفاوتات الاجتماعية القائمة في المجتمع العربي.
وتبقى ظاهرة الدعاة الجدد قابلة للمقاربة من زوايا أخرى بعيدا عن الشتيمة والاتهام. واستثمار أدوات معرفية ومنهجية أخرى ذات قدرة تفسيرية أكبر، من أجل تقويم الظاهرة وتحويلها إلى حالة دينية صحية في المجتمع. ويبقى جزء من المسؤولية إضافة إلى الباحثين، على رواد منتديات الدعاة الجدد في إطار من النقد الذاتي والنصيحة الخالصة، وخصوصا في مجال تجديد خطاب الدعاة الجدد والابتعاد عن الارتهان السلبي لروايات التراث والتصوير المثالي لشخصياته، مع تحويل المتلقي إلى عنصر مشارك وايجابي، وليس إلى مجرد باك يشعر بخطيئته، مع استحضار مواضيع ذات قيمة كبرى في حياة الفرد، وهي الحرية والمسؤولية والمواطنة والمساواة والنقد.
*كاتب مغربي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.