بمناسبة ذكرى 20 فبراير و اقتراب موسم الاستحقاقات الانتخابية، ارتأيت تلمس هذا التحول الدراماتيكي من خلال المحاور الثلاث التالية: بنكيران و حركة 20 فبراير لم يتردد بنكيران منذ تنصيب حكومته في 3 يناير 2012 في إطلاق تصريحات محرجة، تناقلتها وسائل الإعلام في عناوينها الرئيسية، يقول فيها أنه هو من أنقذ المغرب من زلزال حركة 20 فبراير و أن هذا الزلزال ما يزال يتهدد المغرب و أنه هو الضامن لنعمة الإستقرار وبأن أي عرقلة لحكومته هو بمثابة مخاطرة بأمن الوطن. ثم تلت تلك التصريحات تعليقات ساخرة من شباب و مثقثفين فبرايريين أهمها ما أشار إليه أحدهم قائلا: " ان إنجازات بنكيران على المستوى السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي هزيلة و لا شعبية، بينما انجازاته على المستوى الثقافي و الأيديولوجي هائلة لكن في إتجاه الجمود و التقليد. لهذا نادينا إلى مشاركة الجميع في مقاومة هذا النكوص العام الذي يقوده بنكيران و الذي بات بسببه كل ما حققه المغرب من اجتهاد و خلق و ابداع منذ عقود في مهب الريح. و يضيف" بالنتيجة، فإن بنكيران هو من سيتسبب في عودة حركة 20 فبراير بتصميم أقوى و فاعلية أكثر و لن تنسحب من الشوارع قبل تحقيق مطالبها". هناك إذن توافق شبه كامل في آراء الفبرايريين على أن حكومة بنكيران تحولت من حكومة واعدة إلى حكومة مخيبة للأمال بسبب اتساع الفجوة بين قدراتها وتوقعاتها. أصبح واضحا أن برنامجها الإنتخابي تحت شعار محاربة الفساد لم يكن هدفه سوى كسب أصوات الدوائر الانتخابية. مما يطرح سؤالا محيرا عن جدوى التعديلات الدستورية، خصوصا تلك المتعلقة بمؤسسة رئيس الحكومة. إذا كان هذا الأخير لا يستطيع القيام بصلاحياته الجديدة، فذاك مؤشرخطير عن جدوى الدستور المعدل. بنكيران و سيادة القانون و حقوق الإنسان انتقدت التقارير الصحفية الفضائح التي تورط فيها وزراء بنكيران، فضائح ألقت بظلال قاتمة على القضايا السياسية الحرجة. الجميع بات يعرف قضايا: الشوكولاطة ، رشوة الإستوزار ، عقد ميلاد كريمة محروق في الحقيبة الديبلوماسية، افتتاح المنديالتو الأول و "كراطة" الموندياتو الثاني، فيلا الوزير في هرهورة ، استغلال المناصب الوزارية لأغراض إنتخابية، الغش في البنية التحتية و الطرق و الجسور التي كشفت عنه الفيضانات الأخيرة، تدخل نجل بنكيران لفائدة مواطن موريتاني قصد تجديد بطاقة إقامته المؤقتة في المغرب بعد انتهاء فترة صلاحيتها... هذه قضايا أساءت بطبيعة الحال لصورة المغرب أمام العالم في زمن ثورة الإعلام و خيبت آماني المواطنين. لكن الأهم هو ان هذه القضايا جعلت موضوع تآكل سيادة القانون و مبدأ الفصل بين السلط و ربط المسؤولية بالمحاسبة يحتل صدارة جدول أعمال وسائل الإعلام، مما أجج غضب بنكيران و صقور حزبه و مضوا يصيحون بأن هناك حملة متعمدة في وسائل الإعلام لتقويض حكومته، ولا سيما منذ خروج مظاهرة احتجاجية حاشدة ضد حكومته بالرباط شارك فيها حزب الاستقلال والاتحاد والاشتراكي للقوات الشعبية وجبهة القوى الديمقراطية. ردة الفعل هذه تتجاهل أن وسائل الإعلام تلك قد أشادت بسياسات الحكومة الملتحية في سنتها الأولى. ما الذي تغير في مجال حقوق الإنسان؟ هناك إعتقاد يتقاسمه العديد من الفاعلين في أن مشروع تعزيز حقوق الإنسان و الديمقراطية كان، طيلة العقدين الماضيين، "الطفل المدلل" للدولة المغربية. لكنهم يضيفون أنه لم يعد الأمر كذلك في ظل حكومة بنكيران، بحيث أصبح المغرب بلدا متأسلما و استبداديا و معادٍ لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا. هذا الإعتقاد بدأ بمجرد تنصيب حكومة بنكيران و تقوى عندما إتضح أن هناك إهمالا و تلكؤا فضيعا في أجرأة توصيات مسار الإنصاف و المصالحة، و ترسخ بعد تعيين الحكومة الثانية. أصبحت إذن العلامة التجارية للمغرب هي السلطوية و الإستبداد و الأسلمة. هذا الموقف ليس ضربا من الوهم ولكن مبني على أساس حقائق جعلت بنكيران يخرج عن طوعه لتكذيبها مصرحا:" كوننا حزبا بمرجعية إسلامية أمر لا يعطينا أفضلية عن باقي المغاربة وأن الاصلاح بالنسبة لنا يقوم على إصلاح المجتمع لا أسلمته أو التغلب عليه أو التحكم فيه أو ضبطه أو ممارسة الديكتاتورية عليه". بنكيران و الإعلام عندما يَظهر تحليل سلبي في وسائل الإعلام، فإن الأوساط الموالية للحكومة تضع اللوم على المعارضة السياسية و الحقوقية المغرضة إذ، حسب تلك الأوساط، لا أحد منهما يريد التمكين لحكومة إسلامية. لذلك دأب بنكيران على التصدي للإعلام الذي ينتقده و اصفا إياه ب "الإعلام المغرض وجيش العرمرم"، مضيفا "أن بعض المشوشين والمتآمرين على حكومته وحزبه يتواجدون بقوة في القناة الثانية، وغير مستبعد في نفس الوقت أن تكون "شي بركة" منهم فالقناة الأولى". ليستنتج أن بعض المنابر "باعت الطرح" بسبب بعض ما تكتبه عن الحكومة والحزب". كما ذهب أحد صقور حزبه إلى طلب التصدي بمنطق "الردع والصرامة والعين الحمراء في وجه الإعلام و استدعاء المدير العام للإذاعة والتلفزة بغرض مُسائلته أمام البرلمان". غير أن هكذا ربط بين الإعلام و أطراف مغرضة كيفما كانت هي فكرة سخيفة، حيث للحصول على تغطية و تحاليل إعلامية جيدة يكفي القيام بأشياء جيدة. لقد تحدث الإعلام بكثير من الإيجابية على بنكيران في السنوات الأولى من حكومته و حلل بإسهاب الجوانب الشجاعة و الجريئة التي جاءت في برنامجه الحكومي، بل تعامل بكل مسؤولية مع إنتقادات الخصوم ولم يساير غلوها ليفسح له الفرصة للعمل. و الآن آن الأوان لوضع الحصيلة الحكومية تحت المجهر بما ينبغي من الحزم خصوصا و أن أطيافا متنوعة و أعدادا كبيرة من المواطنين يجمعون على أن تلك الحصيلة تُعد لا شيء أمام ما تم الإلتزام به. و مما لا شك فيه ايضا أن هكذا هجوم على الإعلام لن يثنيه بكل أشكاله من أداء و اجبه النقدي بشراسة أكثر، خصوصا مع إقتراب موسم الإستحقاقات الإنتخابية، وذلك تمشيا مع ضرورة إسماع صوت الجميع، بما فيه صوت الأغلبية الصامتة التي من المنتظر أن تعاقب بنكيران و حزبه إنتخابيا.