فتح الأنترنت مجالات واسعة للعمل الصحفي، لكنه للأسف جعل لكل مواطن عشرة صحافيين. بحماس صادم تستسهل الصحافيات الناشئات الحوار الصحفي. ولسحر أحمر الشفاه، ينجحن دائما في لقاء الضيف وإجراء كل أنواع الحوار معه، إلا الحوار الصحفي. لم يعد مبدأ المصادر الثلاثة يُدرس اليوم في معاهد الصحافة. صار الخبر منتوجا تجاريا، خلاصة مصادره ثلاثة في واحد. وهذا الواحد هو "غوغل"! هل تخرجت من معهد للصحافة؟ لا. هل لديك شهادة جامعية؟ لا. هل أمضيت فترة تدريب في مؤسسة إعلامية؟ لا. ماذا تريد أن تعمل؟ صحافي إلكتروني! بفضل الصحافة الإلكترونية، حدث تقارب كبير وأحيانا تشابه تام بين معنى الكتابة ومفهوم السرقة. تحية شفقة لبشرى إيجورك! من يصدق أن الدولة لا تستطيع تنظيم مهنة الصحافة؟ كلما أفلست الصحافة ازدهر الفساد. بعد تأسيس اتحاد للصحافة الإلكترونية، أصبحت المواقع المنتمية إليه تنشر نفس الأخبار بنفس الصور ونفس العناوين. اتحاد للنسخ الجماعي. لم تنجح الصحافة الإلكترونية في شيء مثل نجاحها الباهر في التعدي على حقوق الملكية الفكرية! للتندر على متطفلي العمل الصحفي، يقال عن الصحافة أنها مهنة من لا مهنة له. اليوم، ومع الصحافة الإلكترونية، لم يعد بالإمكان قول ذلك. فقد تطفل على ميدان الصحافة الأستاذ والمحامي والمهندس والموظف والبقية تأتي. لم يعد الصحافيون يشككون في شيء، ولا حتى يطرحون الأسئلة. صاروا ينقلون عن بعضهم البعض ببلادة وبلاهة منقطعتي النظير. صحافة إلكترونية! عندما تدخل على موقع إخباري محلي، يصدر من مدينة كبيرة، وتجد نفسك تتساءل أين الأخبار؟ فاعلم أنك قارئ استحال تدجينه. رئيس تحرير موقع إخباري أراد سببا لتقديم استقالته، فكتب قصة خبرية عن حادث انتحار لم يقع وجريمة اغتصاب لم تحدث. بعد نصف ساعة، تفاجأ بالقصة منقولة في باقي المواقع الإخبارية، وبعد ساعة تلقى مكالمة هاتفية من مديره يهنئه فيها على السبق الصحفي! في الصحافة الورقية: لا يقتل الخبر الجيد إلا اللغة الركيكة. وفي الصحافة الإلكترونية: اللغة الركيكة تصنع الخبر الجيد! مع كل نقرة فأرة يظهر موقع إخباري جديد. من يصدق أن الأمر كان يقتضي مرور سنوات حتى تظهر في الساحة الإعلامية جريدة جديدة. ما يحيرني حقيقة في المواقع الإخبارية هو مصادر صحافييها. أتساءل دائما كيف أمكن أن يستقي جميعهم نفس الخبر في نفس الوقت من نفس المصدر حول نفس الموضوع؟! ينشر أحدهم مقالا فيصبح كاتبا، ينشر خبرا فيصبح صحافيا، يزور مكتب جريدة فيصبح صاحب مشروع إعلامي.. بعض من بركات الصحافة الإلكترونية. للصحافة الإلكترونية تقليد غريب في العمل: تتجاهل كل شيء رغم أهميته، وتغطي كل شيء رغم تفاهته. لم يعد يجد القراصنة مواقع على السواحل ينفذون فيها أعمالهم غير الشرعية، فلجأوا إل قرصنة مواقع الصحافة الإلكترونية. تحية شفقة أخرى إلى الهاكر "ميستر فيكو39". -رئيس تحرير موقع طنجة7 (tanja7.com)