بشعره المنسدل، وابتسامته العريضة، يغزو المدوّن السعودي والناشط في حقوق الإنسان، رائف بدوي، صور بروفايلات عددٍ من مستخدِمي الشبكات الاجتماعية، في سلوك تضامني رداً على بدء الدولة السعودية في جلده، في وقت أعلن فيه والده تأييده لقرار المحكمة، مهدداً المتضامنين مع ابنه برفع دعاوى قضائية عليهم. وإن أبدت السعودية نوعاً من الرأفة بعد إعلانها إرجاء الحصة الثانية من جلد رائف بدوي إلى الأسبوع القادم لدواعٍ صحية، بعدما قرّرت سابقاً جلده كل يوم جمعة 50 جلدة لمدة 20 أسبوعاً فضلاً عن سجنه لعشر سنوات، فإن ذلك لم يمنع المتتبعين للواقعة من التنديد بهذا الحكم القاسي الذي يؤكد انغلاق السلطة القضائية بالسعودية، وممارستها التضييق على آراء وأفكار المواطنين تحت مبرّرات دينية. كثيرة هي التنظيمات التي ندّدت بمتابعة رائف بدوي، ومنها الاتحاد الأوروبي والخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية والتحالف العربي من أجل الحرية والديمقراطية، حيث طالب الأول السلطات السعودية بوقف استكمال أيّ عقوبة جسدية لبدوي، خاصة وأن السعودية، فيما يشبه التناقض، تُعتبر من الدول الموّقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب. بينما ورغم "إعرابها عن قلقها"، رفضت الخارجية الأمريكة التعليق على طلبات حقوقيين بطرد السعودية من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كما تناولت الموضوع عدة وسائل إعلام عالمية، منها "الغارديان"، التي خصّصت افتتاحية للقضية في عددها ليوم الخميس، حيث وصفت هذه الجريدة البريطانية الواسعة الانتشار، جلد بدوي ب"العمل البربري"، وكتبت قائلة:" حين يهوى السوط على جسد رائف دبوي، فإن من يُجلد ليس فقط رجلاً شجاعاً لم يرتكب أيّ جريمة في القوانين العقلانية، بل أيضاً آمال وأحلام من يراقبون هذه الواقعة التي تستهدف الجميع". وأضافت الغارديان أن "مسرحية الجلد في مكان عام ليست سوى طريقة يرغب من خلالها حكام السعودية إيصال رسالة، وهي أنهم سيعاقبون كل من يفكّر بشكل حر في المملكة" مبرزةً أن "الحكومة البريطانية تتعامل بنوع من النفاق مع ما يحدث في السعودية، فهي تحاول الحفاظ على علاقاتها معها إلى درجة فرضها رقابة على برامج تلفزيونية تنتقد سلوكيات هذه المملكة الغنية". لتخلص الجريدة إلى القول إن السعودية "عدو لحرية الرأي وحرية الفكر". غير أن وسائل إعلام سعودية نقلت تصريحات لوالد رائف بدوي وهو يحمد الله سبحانه على "تطبيق وتنفيذ شرعه"، مطالباً بجلد كلّ شخص غرّر بابنه، سواء أكان كبيراً أو صغيراً. كما قال في هذا الصدد إنه يعتزم مقاضاة شخصيات دولية وأحزاب ليبرالية اتهمها بالتغرير برائف. وأضاف الوالد في تصريحات لصحيفة "عين اليوم" أنه سيرفع دعاوى في محكمة العدل الدولية ومحاكم أخرى في بعض دول العالم ضد من ينتقدون الحكم على ابنه، معبراً عن استغرابه من ردود أفعال هذه التنظيمات وهؤلاء الأشخاص في قضية وصفها بالشان السعودي الداخلي الذي لا يعنيهم. ومن بين هذه الشخصيات التي أعلن الوالد نيّته مقاضاتها، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والبيت الأبيض والخارجية الأمريكية والكثير من الأحزاب في دول بالعالم التي أعربت عن تضامنها مع رائف، حيث قال الولد:" سأبلغ لكل هؤلاء رسالة واحدة مفادها:"أنا وليّ أمر رائف بدوي، وهذا شأن خاص بالسعودية". إذا حمد والد رائف بدوي الله على هذا الحكم، فأن زوجة المدّون التي تعيش بكندا بعد هروبها من السعودية رفقة أطفالها الثلاثة، إنصار حيدر شبّهت السعودية بتنظيم "الدولة الإسلامية"، معربة في حديث لوسائل إعلام أنها لا تفهم كي تدين السعودية الهجوم الإرهابي على جريدة "شارلي إيبدو"، وفي الوقت نفسه تسجن وتعذب مواطناً عبّر عن رأيه، مشيرة كذلك إلى أنه لا مكان للإنسان في السعودية. جدير بالذكر، أن رائف بدوي كان قريباً من عقوبة الإعدام بعدما أوصى أحد القضاة بتطبيق حد الرّدة في حقه بتهمة "الإساءة للدين الإسلامي" على خلفية تأسيسه لموقع يشجّع على الليبرالية، ودعوته لإلغاء ما يُعرف ب"شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، غير أن الحكم استقر في النهاية على عشر سنوات سجناً وألف جلدة بعدما تأكدت المحكمة من أنه لم يرتد عن دينه وأنه لا يزال مسلماً بعدما تلا الشهادة أمامها.