إن كانت إدانة عمليات القتل التي راح ضحيتها 12 فرنسياً بين رجال شرطة ورسامي كاريكاتور في جريدة "شارلي إيبدو" هي الغالبة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الأمر اختلف فيما يخصّ الاتفاق على الهاشتاغ المخصّص للتعامل مع هذه الواقعة، فقد انقسم نشطاء هذه الشبكات، خاصة فيسبوك إلى أقسام أبرزها اثنان متعارضين، واحد ينشر هاشتاغ Je_suis_Charlie#، والثاني ينشر آخر مناقضاً تماما هو: #Je_ne_suis_pas_charlie. الهاشتاغ الأول الذي وصل حدّ تغيير أصحابه صور بروفايلاتهم الشخصية، ووضع بدلها صوراً تحمل هذه العبارة، انضم أصحابه إلى تلك المسيرات التي جرى تنظيمها في مجموعة من الدول العالمية، والتي بيّن فيها مواطنون عن تضامنهم اللا مشروط مع الجريدة الفرنسية، معتبرين أن ما وقع ضرب سافر لحرية الرأي والتعبير، وأن "شارلي إيبدو" قامت بدورها كجريدة ساخرة، اختارت الابتعاد عن منطق الخطوط الحمراء، حتى ولو تعلّق بالأديان ورموزها. أما الهاشتاغ الثاني الذي أتى رداَ على الأول، فقد عبّر أصحابه عن أن إدانة العمل الإجرامي الذي وقع صبيحة الأربعاء الماضي، لا يجب أن يجرّ الناس إلى تبنّي أفكار "شارلي إيبدو"، فحرية التعبير، حسب منشورات هؤلاء، لا تعطي الحق بتحقير المعتقدات وتشويه مقدسات الناس، مستعرضين مجموعة من رسوم هذه الصحيفة، التي تعبّر حسب وجهات نظرهم، عن ازدراء خطير للأديان وحتى الشخصيات السياسية، كان لزاماً تجنبه بغية عدم المساهمة في ترويج خطابات الكراهية داخل المجتمعات. الصحافية شامة درشول واحدة ممّن نشروا الهاشتاغ الثاني، تحدثت لهسبريس حول أسباب انخراطها في هذه الحملة الإلكترونية بالقول:" أنا لست شارلي، لأنه ليس بالضرورة أن أكون على هذا الشكل حتى أكون متبنيّة لحرية التعبير، فأن أكون شارلي معناه أن أمارس حرية التعبير في السخرية من مقدسات الآخرين سواء أكانو مسلمين، مسيحيين، بوذيين، وما إلى ذلك. وفي الوقت نفسه لا أجرؤ على ممارسة هذه الحرية في السخرية من الهولوكوست المقدس عند عدد من اليهود ، وذلك لأن القانون الفرنسي سيقوم بسجني بتهمة معاداة السامية !". وأضافت درشول:" أنا لست شارلي لأنني أرفض أن يتكرّر السيناريو الأمريكي، حين وقف بوش الابن يخطب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ويقول:"إما معنا أو ضدنا"، أي إما أن تكون مع محور ما عتبره خيراً ومحور ما يراه شراً. فلن أكون شارلي لأنني ضد فرض خيارين وحيدين، ومن حقي أن يكون لي رأياً ثالثاً". كما تحفظ يوسف يعقوبي، طالب صحفي، على هذا الهاشتاغ، بقوله:" الجريدة المستهدفة تعمّدت أكثر من مرة استفزاز مشاعر المسلمين في بلدٍ يضم ثاني جالية مسلِمة في أوروبا.. وذلك عبر نشرها لرسوم كاريكاتورية ساخرة من نبي الإسلام، رغم أن المسؤولين على هذه الجريدة يعلمون أن المسلمين فيهم المعتدِل والمتطرّف.. وهذا الأخير لن يتردّد في الرد العنيف بتلك الطريقة، اعتقاداً منه أنه 'ينتقم لرسوله وللإسلام'". بيدَ أنه في الاتجاه الآخر، كان لأصحاب هاشتاغ "أنا شارلي" رأي آخر، حيث تقول فتيحة أعرور، الناشطة في الإعلام وحقوق الإنسان،:" شخصياً لم يسبق لي أن هاجمت ديناً أو معتقداً معيّناً ولا يروقني الأمر، لكن ليس من حقي أبداً أن أمنع الآخر من فعل ذلك. لكل واحد الحق في التعبير عن رأيه والسخرية كما يشاء من المعتقدات والإيديولوجيات والسياسات كما يشاء، طالما لا يمسّ بشكل مباشر كرامة فرد بذاته أو يهدّد سلامته البدنية". واستطردت أعرور في تصريحها لهسبريس:" لذلك ستجدني اليوم أدافع عن 'شارلي إيبدو' كما أدافع عن نشطاء العدل والإحسان في المغرب وأشجب التضييق والحصار عليهم وتشميع بيوتهم، وعن الاعتداء على اليهود المغاربة، وستجدني غدا أدافع عن حق المسيحيين والشيعة والبهائيين والبوذيين المغاربة في اعتناق الأفكار التي يؤمنون بها والتعبير عنها صراحة دون خوف أو اضطهاد من الدولة والمجتمع". وأردفت المتحدثة:" أنا أؤمن بأن الإعلام رسالة نبيلة في جوهرها، لا يمكنه البتة أن يعيش وسط كثرة القيود والرقابة والخطوط الحمراء، ومن قتلوا هم صحافيون يدافعون عن أفكار يؤمنون بها، هم أبناء هذه الأسرة الكبيرة التي أنتمي إليها بغض النظر عن تباين انتماءاتنا ومعتقداتنا، لذلك 'أنا شارلي' حتى ولو انتقل التهديد من رسائل إلكترونية مليئة بالحقد والسب والكراهية إلى اعتراض سبيلي وقتلي في ممر مظلم !".